قطار الصحافة الذي انطلق قبل قرون وجد نفسه في السنوات الأخيرة الماضية أمام تحديات عديدة متتالية؛ أبطأت من سرعته وأجبرته على التوقف وتغيير مساره أكثر من مرة.
توقف قليلاً، ورفض بعض ركابه رفع الراية البيضاء أمام التحدي الأبرز خلال مطلع القرن الحالي المتمثل في الفضاء الالكتروني الرحب الذي ظهر في البداية كمُكمِل للصحافة المطبوعة؛ يملأ الفراغات الطويلة على مدار اليوم قبل أن يتحوّل إلى منافس شرس لها؛ لكنّ تحدي "المطبوع أم الإلكتروني" لم يكن الأصعب بالنسبة للصحافة في السنوات الأخيرة، إذ أنها وجدت نفسها، وبعد فترة وجيزة من التحدي السابق، أمام اختبار جديد يُمثل تهديدًا مباشرًا لكل العاملين بها.
هذا التحدي هو "الصحافة الشعبية" أو "الإعلام الشعبي" الذي نرصد، في التقرير التالي، بداياته وتحولاته والتطورات التي شهدها في مصر عبر جولة في كتاب "الإعلام الشعبي.. بين إعلام الدولة ودولة الإعلام" للباحثة نهى عاطف.
تغيير جذري
كان المشهد في السابق بسيطًا يخلو من التعقيدات؛ يحصل الصحفي على المعلومة من مصادرها وينشرها لتصل للجمهور ثم يبدأ التفاعل. وسواءً كانت الصحيفة مطبوعة أو إلكترونية كان للتفاعل شكل محدد؛ مُرسل تقليدي (مُنتِج) ومُستقبِل تقليدي (مُستهلِك) وبينهما وسيط يملكه ذوو المال والنفوذ في الأغلب.
بدأ هذا المشهد يتغير مؤخرًا. الصحفي الذي اعتاد الوقوف في خانة المُرسِل فخورًا بما يملكه من معلومات وبقوة الوسيط الذي يعمل فيه، سينتقل مُجبرًا إلى الخانة المُقابلة سيكتشف أنه أصبح مستقبِلاً لمحتوى يصدره في احيان كثيرة هاوٍ لم يتعلم أصول المهنة، ولم يمارسها بشكل احترافي من قبل. وبمرور الوقت، ستتعاظم قوة هذا الهاوي بتعدد الوسائط التي تتيح له النشر مجانًا وتطورها.
"الإعلام الشعبي" ينطلق من قاعدة مخالفة تمامًا لـ"الإعلام التقليدي" إذ أن جوهوه هو "محو الحد الفاصل بين الجمهور والصحفيين، فيصير أي فرد صحفيًا إذا قدم محتوى، ويصير الجميع جمهورًا طالما استهلك هذا المحتوى بالمشاهدة والقراءة".
ونضرب مثالاً على ذلك بما حدث في أكتوبر/تشرين الأول عام 2010، حين نشرت صحيفة الأهرام المصرية صورة للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك "مع الزعماء المشاركين في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط التي انعقدت بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد نشرت الصحيفة صورة مفبركة يظهر {فيها} مبارك يتقدم باراك أوباما وعبدالله بن الحسين ومحمود عباس وبنيامين نتنياهو، {أمّا في} الصورة الحقيقية فكان أوباما من يتقدمهم بصفته رئيس البلد المضيف للمفاوضات".
"وقتها لاحظ المدون وائل خليل الاختلاف بين الصورة المنشورة في الأهرام والصور التي نشرتها الصحف العالمية" كتب وائل على مدونته وعلى حسابه على تويتر يلفت إلى قيام الأهرام بالتزييف و"الفبركة"، "مما دفع أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام وقتها لكتابة توضيح لمسألة صورة مبارك مع الزعماء، اعترف فيه بإدخال تعديلات على الصورة الأصلية، واصفًا ما نشرته جريدته بأنها "صورة تعبيرية".
"في هذا المثال، كان وائل خليل واحدًا من جمهور جريدة الأهرام لكنّ دوره تجاوز استهلاك الرسالة الإعلامية للجريدة إلى خلق محتوي نقدي لها تمثل في كتابته عن الفارق بين الصورة الأصلية والصورة المنشورة في الجريدة، فأصبح ذات الشخص واحدًا من الجمهور وعنصرًا صحفيًا مؤثرًا".
وتبرز بين الصحفي التقليدي والصحفي الشعبي العديد من الاختلافات، في مقدمتها وعلى رأسها افتقاد الهيكل الإداري. إذ لا يوجد رئيس تحرير أو مسؤول يُراقب ويُقيم ويوّجه الصحفي الشعبي غير المحترف. هو رئيس تحرير نفسه كما يقولون. "يُقرر ما ينشره ومتى ينشره وأهمية المحتوى".
مصر.. احتجاج واحتياج
شهدت مصر في السنوات الأولى من القرن الحالي موجات احتجاج ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ومع تجاهل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة لهذه الاحتجاجات كانت هناك حاجة إلى بديل.
في الفصل الثاني من الكتاب، تنتقل الباحثة إلى تلك المرحلة، وتتطرق إلى الحديث بشكل تفصيلي عن أسباب ظهور "الإعلام الشعبي" في مصر وكيف تطوّر.
البداية كانت في 2004 مع مظاهرات "كفاية" ضد نظام حسني مبارك. التقط بعض أعضاء الحركة المعارضة للرئيس المصري صورًا للمظاهرات ونشروها على مدوناتهم الخاصة في محاولة لكسر العزلة الإعلامية المفروضة عليهم، ومن لم يكن يعرف المدونات كان ينشط على "المنتديات والقوائم البريدية".
وفي 2005، قامت صحف مملوكة للدولة بنشر أخبار عن الاحتجاج الذي نظمته "كفاية" تزامنًا مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أجراها مبارك، "وعلى الرغم من أن التغطية الإعلامية المغلوطة للمظاهرة كانت تهدف إلى تشويه الحركة إلا أنها دفعت الجمهور للبحث عن مزيد من الأخبار عنها".
كان ظهور الإعلام الشعبي "مُعادلاً للتمرد على الأوضاع القائمة" سواءً السياسية أو الاجتماعية أو غير ذلك. ومن مظاهر هذا التمرد "أسلوب الكتابة في المدونات المتشبع بالذاتية، وكذلك في اللغة، حيث اتجه كثير من المدونين إلى العامية وكتبوها كما تُنطق". "كما خالف المدونون ما دأب عليه الإعلاميون المصريون من تناول عابر لبعض الموضوعات... مثل المثلية الجنسية والعنف الطائفي وحقوق الأقليات وانتهاكات حقوق الإنسان".
وكان من التحديات المهمة في السنوات الأولى لظهور الصحافة الشعبية في مصر "تكوين شبكة اجتماعية متماسكة"، ففي غياب مؤسسات تجمع الصحفيين الشعبيين كانت هناك ضرورة للتعارف. وقد أخذ الجيل الأول من الصحفيين زمام المبادرة في هذا السياق، فكثيرًا ما كان "يعلن علاء عبد الفتاح أنه وزوجته {منال} سيتواجدا في مقهى أو مطعم معين في ساعة معينةّ" ويدعو غيره من الصحفيين الشعبيين للانضمام إليهما. وشاع أيضًا في تلك الفترة أنه بعد الفعاليات الاحتجاجية يجتمع المدونون ويذهبون للجلوس على أحد المقاهي.
هذا المجتمع اكتسب صلابة من أن الجميع، تقريبًا، يعرفون بعضهم البعض إما بشكل شخصي وإما من خلال كتاباتهم، ومنح ذلك بعضهم إحساسًا بالأمان في وقت كانت السلطة فيه تعادي الصحفيين الشعبيين "وفي عام 2009 وحده، قامت سلطات الأمن باحتجاز واعتقال نحو 100 صحفي شعبي لمدة تتفاوت بين ساعات وشهور" وفقًا لمنظمة "مراسلون بلا حدود".
مراحل التطور
ترى الباحثة أن الصحافة الشعبية تطورت عبر ثلاث مراحل؛ الأولى حاول خلالها الصحفيون الشعبيون "فهم مجالهم العام واستكشاف أبعاد هذا الوسيط الجديد "المدونات" وما ظهر لاحقًا من شبكات التواصل الاجتماعي". وبدأ الصحفيون "إعمار مجالهم العام هذا بكيانات موازية للمجال العام الكبير" فقام مثلاً أحد المدونين بإنشاء دار نشر إلكترونية أطلق عليها "دار سوسن" للنشر الإلكتروني لتفادي العقبات التي يواجهها المؤلفون مع دور النشر التقليدية.
هذه الكيانات الموازية، بدا في أوقات معينة أن لها القدرة على إحداث تغيير في المجال العام الكبير، فمثلاً قامت بعض دور النشر الورقي بطباعة أعمال نشرتها "دار سوسن" كما "أصدرت "دار الشروق ثلاث كتب: "أنا عايزة أتجوز" و"أرز باللبن لشخصين" و"أمّا هذه فرقصتي أنا" لثلاث مدوِنات مصريات.
المحطة الثانية اتخذت فيها الصحافة الشعبية من أدواتها (ومنها فيسبوك) أداة للتنظيم السياسي. وفي إبريل/نيسان 2008 برز هذا الدور حين تم الاعتماد على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة وتغطية أحداث إضراب عمال المحلة. وبعد ظهور حركة (6 إبريل) اعتمد أعضاؤها على "فيسبوك" كأداة اتصال للتنسيق بينهم.
"ومع حلول يوليو/تموز 2010، تعزز هذا الدور" بعدما تم إنشاء صفحة "كلنا خالد سعيد" التي "قللت المساحة بين المجال العام للصحفيين الشعبيين وسائر الشعب" من خلال تنظيم العديد من الفعاليات ودعوة الناس للمشاركة بها. واستمر دورها بارزًا ولم يعلن أصحابها عن هوياتهم إلا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
بعد سقوط نظام مبارك بدأت المحطة الثالثة، التي أطلقت عليها الباحثة "الانتشار والمؤسسية". وكان عدد مستخدمي الإنترنت وقتها قد شهد زيادة كبيرة بين ينابر وإبريل 2011.
"ولعل التطور الأكبر للصحافة الشعبية ذات الطابع السياسي {في هذه الفترة} هو تحوّل بعضها إلى المؤسسية" حيث تعدت "بعض مبادرات الإعلام الشعبي الجماعي حدود الشبكات الاجتماعية على الانترنت ليصبح لها مقرًا فعليًا وصفة قانونية" وأبرز مثال على ذلك شبكة "رصد" التي بدأت عملها مع انتخابات البرلمان عام 2010 معتمدة على شبكة من الصحفيين الشعبيين، قبل أن تتحول إلى شركة خاصة للمحتوى الإعلامي بعد سقوط مبارك.
إعلام الدولة
هنا، في الفصل الثالث، ستقف الباحثة قليلاً مع الإعلام التقليدي لتشرح كيف حاولت النظم السياسية المتعاقبة التحكم فيه، وهذا هو ما تقصده بمصطلح إعلام الدولة الذي يعبر عن "سيطرة النظام السياسي على صياغة مفردات المشهد الإعلامي" سواءً بأشكال مباشرة أو غير مباشرة.
ففي عهد مبارك على سبيل المثال، تم إنشاء عدة هيئات حكومية للسيطرة على ملكية وسائل الإعلام؛ بدءًا من وزارة الإعلام ثم المجلس الأعلى للصحافة ثم "الجهاز القومي لتنظيم البث المسموع والمرئي".
وفي الفترة الانتقالية الأولى (يناير 2011 – مايو 2012) أعلن المجلس العسكري فور توليه مسؤولية البلاد بعد تنحي مبارك إلغاء الموافقة الأمنية في سبيل الحصول على تراخيص البث، وسُمح وقتها بترخيص 16 محطة بث فضائي إلا أنه "ما لبث أن أعلن عن اعتزامه عدم ترخيص أية محطات جديدة، وتوعّد باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه القنوات التي تسعى لإثارة البلبة في البلاد".
لكنّ تعامل الأنظمة السياسية المختلفة مع "الإعلام الشعبي" اختلف عن تعاملها مع التقليدي. فبينما "بذلت مجهودات للسيطرة على تنظيم الإعلام، نجد تعاملها مع الإعلام الشعبي قد تأثر بعاملين؛ أولا: العباءة التي ترتديها الدولة، أي كيف تريد الدولة أن تبدو أمام مواطنيها والعالم؟ وهو اعتبار أساسي في حسابات كل نظام ساعي لاكتساب الشرعية" داخليًا وخارجيًا.
"والعامل الثاني هو مساحة الشعب في اعتبارات النظام السياسي ، فالشعب المهادن حتى أواخر عهد حسني مبارك يحتل مساحة أقل من الشعب المستغرق في الحالة الثورية بعد سقوطه، غير الشعب القلق أمنيًا لدرجة تفويض الدولة بتأمين البلد التي هي مهمتها أساسًا".
وتُقسّم الباحثة أشكال علاقة الإعلام الشعبي بالدولة منذ بداية انتشار التدوين في 2005 وحتى عام 2015 إلى خمس مراحل "بناءً غلى التتابع الزمني لتغير الأنظمة السياسية".
دولة الليبرالي المعتدل (2005-2011)
الجيل الأول من المدونين والصحفيين الشعبيين كان في صدام مُعلن وصريح مع "الدولة البوليسية" لحسني مبارك. وهذا الأخيرُ كان حريصًا على أن يظهر للغرب، كما وصفته بعض تقاريرهم الإعلامية، على أنه "ليبرالي ووسطي" وأن "يتفادى التعرض لضغوط أجنبية لتحقيق الإصلاح".
لهذا السبب، لم يعلن النظام العداء للإعلام الشعبي في تلك المرحلة لكنّه لجأ إلى طرق أخرى. فقام "بالتضييق عليهم بالمراقبة أو المنع أو التهديد دون توجيه اتهامات رسمية لهم، أو بوضعهم موضع المساءلة القانونية بتهمة جنائية ، بحيثُ لا يبدو الأمر ذو دوافع سياسية، أو مساءلتهم قانونيًا بتهم سياسية وتهم أخرى تفقدهم التعاطف الشعبي". "واستخدم تكتيك المضايقة الامنية غير الرسمية ضد كثير من المدونين فتم فصل عدد منهم من أعمالهم بسبب كتاباتهم، حتى لو لم تكن جهة العمل حكومية".
"أمّا حبس صحفي شعبي لمعارضته النظام فحدثت للمرة الأولى في أواخر عام 2006 مع المدوّن كريم عامر، الذي وجهت إله تهمة إهانة رئيس الجمهورية في كتاباته على الإنترنت لكن تم ذلك ببطانة مهاجمة الدين الإسلامي".
اقرأ أيضًا: من مذكرات دفاعه: "سيف".. مُعلِّم الحق والقانون
دولة حامي الثورة (2011 – 2012)
كان المجلس العسكري حريصًا بعد توليه مسؤولية البلاد على الظهور بصورة "حامي الثورة". "وسارع إلى التواجد على الشبكات الاجتماعية التي ارتفعت أعداد مستخدميها، فتم إنشاء صفحات على "فيسبوك" لكل عضو في المجلس العسكري، وهو ما بدا أمرًا مفتعلاً، فهذه الحسابات لا تُظهر بأية حال أنها من إدارة أصحابها، وجميعها يحمل نفس الطابع، فمثلاً الصورة الشخصية لكل صاحب حساب هي صورته بالزي العسكري نصف مبتسم، مما يدل على أن جهة واحدة أنشأت الحسابات وتولت إدارتها".
حاول المجلس العسكري التقرّب من مستخدمي الشبكات الاجتماعية "لاحتواء معارضتهم السياسية". فمثلاً في 2011 "دعا المجلس مؤسسي شبكة رصد الشهيرة إلى زيارة بعض المقار العسكرية للتعرف على الدور الوطني الذي تلعبه هذه الأجهزة". وبعد عدة أشهر من توليه قيادة البلاد كان المجلس العسكري يعتمد على فيسبوك لنشر تصريحاته أكثر بكثير من وسائل الإعلام التقليدي "ما جعل المسألة تبدو وكأن الشعب بالنسبة للمجلس العسكري هم الناشطون في استخدام الإعلام الاجتماعي، أو لعلها الفئة التي يحذرها المجلس أكثر من غيرها".
لكنّ صورة "حامي الثورة" لم تدم طويلاً بسبب "جرائم الشرطة العسكرية ضد الشعب في 2011 و2012" ومن هنا بدأت العلاقة مع الصحفيين الشعبيين تتوتر. "باتت الدولة العسكرية تمنع الصحفيين الشعبيين من نقل الأحداث العامة" مثل مظاهرات الأقباط في وسط القاهرة أو ما عُرف بـ"أحداث ماسبيرو".
على الجانب الآخر، فرض الإعلام التقليدي رقابة ذاتية مضاعفة على "أي محتوى يمس الجيش سلبًا". وتم استخدام إعلام الدولة كـ"أداة للحشد". وقام "إعلام الدولة العسكرية" بتغيير الحقائق والمبالغة في تزييفها على حد وصف الباحثة التي دللت على ذلك بتعامل التليفزيون الرسمي مع مظاهرات الأقباط حين قال إن "المتظاهرين الأقباط يرشقون الجنود بالحجارة والمولوتوف من أعلى كوبري أكتوبر".
دولة المُصلح الثائر (2012-2013)
اهتم نظام محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، "بالتأكيد على بعدين اثنين في علاقته بالشعب، أولاً قدرته على إصلاح ما أفسده نظام مبارك اقتصاديًا وسياسيًا.. والبعد الثاني أنه وجماعته جزءًا من ثورة 25 يناير".
واهتمت الصحافة الشعبية في تلك الفترة بموضوعات مثل "الحكم المدني والإدارة الرشيدة، فمثلاً تحت اسم "قبيلة تي في" أنتج عدد من الصحفيين الشعبيين مقاطع مرئية قصيرة تقدم شرحًا مبسطًا للمفاهيم السياسية عن علاقة الدولة بالمواطن في الإطار الدستوري". كما ظهرت فكرة "الرقابة الشعبية لأداء النظام السياسي".
"وإجمالا لم يشهد العام الذي قضاه مرسي في احكم حوادث كثيرة لحبس صحفيين شعبيين".
"في المقابل واجه الإعلام التقليدي مضايقات كثيرة وصلت 78 اعتداءً على الأقل منها 72 ارتكبه مؤيدو جماعة الإخوان المسلمين بهدف تقييد تغطية الاحتجاجات المهمة التي نظمتها المعارضة وفقًا للجنة الدولية لحماية الصحفيين" واستخدام مؤيدو مرسي "التهديد البدني"وهددت حركة حازمون الداعمة للسلفي "حازم أبو إسماعيل"باقتحام مدينة الإنتاج الإعلامي في حال "الانقلاب على الشرعية".
وخلال الأشهر التسعة الأولى من حكم مرسي أقيمت 600 دعوى قضائية ضد إعلاميين انتقدوا النظام الحاكم.
دولة المنقذ الوطني (2013-2014)
القُوى التي أزاحت مرسي عن الحكم قدمت نفسها باعتبارها "منقذّا وطنيًا" من الإخوان المسلمين. واعتمدت خطابًا إعلاميًا ارتكز في البداية على أن الشعب "هو العنصر الفاعل في التغيير" ثم ما لبث أن تغيّر ليوجه الشكر للجيش "على حسن أدائه لمهمة المنقذ".
"أصبحت الدولة هي صانع التغيير، وأكدت إزاحة الشعب من عملية صناعة التغيير بوضع عراقيل أمام التجمعات الاحتجاجية، فأصدرت في نوفمبر /تشرين ثان 2014 قانونًا يقيد التجمعات العامة"
"بات الإعلام الشعبي وسيلة للتعير عن مواقف الشعب من التغييرات التي تجريها الدولة، وساهم مناخ الاستقطاب السياسي في تعزيز هذا الدور.
"في هذا المناخ الجديد اشنغل الشعب بنفسه عن الدولة، وتقلصّت فكرة التمرد السياسي والاجتماعي التي أتت بالصحافة الشعبية المصرية". و"اتخذت دولة المُنقذ الوطني إجراءات صارمة ضد الصحفيين الشعبيين، فأغلقت الكثير من مؤسسات الصحافة الشعبية وأشهرها رصد وألقت القبض على عدد من مؤسسيها".
"وأبرزت الاعتقالات الكثيرة للصحفيين الشعبيين في دولة المنقذ الوطني حقيقة أن الدولة لا ترى الشخص صحفيًا ما لم يحصل على اعتراف منها بذلك في بداية ممارسة المهنة، هذا الاعتراف هو عضوية نقابة الصحفيين ، وأبرز مثال على ذلك قضية المصور الصحفي محمود أبو زيد "شوكان".
https://www.youtube.com/embed/CNlDQRiom1oدولة الجندي المحارب (2014-2015)
بعد إعلان عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر تم اختزال دولة "المنقذ الوطني" في شخصه. ليصير هو "الجندي المحارب الذي خلع زي العسكرية ليحقق الانضباط الأمني والخبير القادر على تحقيق الإصلاح الاقتصادي والأب الراعي الذي يحتوي فئات شعبه".
هذه الدولة، دولة "الجندي المحارب" أولت اهتمامًا كبيرًا بمحتوى الإعلام المرئي، و"طورت ممارسات إعلام الدولة ضمانًا لسيادتها دولة الإعلام". "وعلى صعيد الإعلام الاجتماعي ، نشطت مؤسسات الدولة في استخدام الشبكات الاجتماعية". و"بدا أن شريحة من الإعلام الشعبي اندمجت في منظمة إعلام الدولة لتظهر صفحات على فيسبوك بعناوين: "الجيش المصري مش عسكر الجيش المصري خير أجناد الأرض" و"الجيش المصري" و"الجيش المصري أسود".
وبدت دولة "الجندي المحارب صارمة في التعامل مع أي مضمون إعلامي يخرج عن إطار الولاء لها، ليصل الأمر أحيانًا إلى درجة الهزلية؛ ففي يناير/كانون ثان 2014 قدم أحمد سبايدر –أحد الصحفيين الشعبيين- شكوى للنيابة العامة ضد "أبلة فاهيتا" متهمًا إياها بالتخابر والتجسس لصالح جماعة الإخوان المسلمين أو جهات أجنبية. وأبلة فاهيتا هي دُمية ظهرت على "يوتيوب" عام 2010 لامرأة ارستقراطية تقدم اسكتشات قصيرة مع أبنائها بودي وكارولين".
الإعلام الشعبي والإعلام
تنتقل نهى عاطف في الفصل الأخير من كتابها للحديث عن "الإعلام الشعبي والإعلام". وهنا يجب التوقف أمام عنصرين آخرين هما الدولة والشعب، فـ"وفقًا لعلاقة الشعب بالدولة وعلاقة الإعلام بالدولة تتشكل علاقة الإعلام بالشعب".
"وتأثر التعاون بين الإعلام والإعلام الشعبي بالعلاقة بين الشعب والدولة. على سبيل المثال، نجد تسميات مشروعات التعاون بين الصحفيين الشعبيين والمحترفين متأثرة بالمساحة التي يحتلها الشعب في صناعة القرار السياسي، فمثلاً في 2005 كان "سكوت.. هنصوّت!" اسمًا لحملة أطلقها موقع عشرينات التابع لمؤسسة "إسلام أون لاين" لرصد المخالفات في انتخابات مجلس الشعب ومشاركتها مع مديري الحملة.
وفي العام نفسه، تأسست حركة "شايفنكم" للرقابة على الانتخابات من خلال عدد من الناشطين السياسيين ودعت مستخدمي الانترنت إلى توثيق المخالفات التي تجري في دوائرهم الانتخابية وإرسالها إلى الحركة عبر موقعها الإلكتروني.
"وشايفنكم عبارة تحمل معنى الضبط للمخالفة ودلالة تحذيرية وفيها ضمير "نحن" العائد على الشعب". أمّا "سكوت هنصوت" فهو تحريف لفيلم سينمائي بعنوان الأولى فتتضمن معنيين "الأول هو التصويت الانتخابي، والآخر هو الصراخ ألمًا، بحسب دلالة الكلمة في العامية المصرية".
"وبينما اعتمد الإعلام على الحديث بضمير الجمع والمفارقة اللفظية لدعوة المواطنين إلى المشاركة في 2005، خاطبهم بشكل مباشر بعدها بعشر سنوات، ليكون "شارك" هو اسم مشروع يشجّع مستخدمي الشبكات الاجتماعية على صناعة محتوى، وتشاركه مع مؤسسة "المصري اليوم" وتم تدشينه في 2015 مستخدمًا شعار "اسمعوا المسؤولين صوتكم وأشعروهم بمعاناتكم".
ما قبل 2011
في تلك الفترة "اتخذ الإعلام التقليدي المصري موقفًا متقلبًا تجاه الإعلام الشعبي، كذلك تغيّرت مواقف الصحفيين الشعبيين تجاه الصحفيين المحليين من محترفي الإعلام".
وسنجد أنه "منذ عام 2005 حتى 2008 كانت علاقة تصديق وتشكيك تميزت بتقليل الصحفيين التقليديين من صلاحية الإعلام الشعبي". وخلال هذه المرحلة "لم تظهر سوى مقالات قليلة في الصحافة العربية عن التدوين، لكنها لم تولِ اهتمامًا للمحتوى الذي يصنعونه بقدر ما اهتمت بفكرة استخدامهم للتكنولوجيا أساسيًا".
"في مايو/آيار 2005 كانت {هناك} نقطة تحول في موقف الصحفيين من الإعلام الشعبي" بسبب تغطية بعض المدونين "للاعتداءات على المتظاهرين والتحرش الجنسي بالصحفيات". ووجد الصحفيون "في الصور والشهادات التي تم نشرها على منصات الصحافة الشعبية "المدونات" مصدرًا لإعداد ودعم تقاريرهم".
في العام التالي، شهدت منطقة وسط البلد تحرشات جنسية جماعية أثناء عيد الأضحى "وخلال حدوث ذلك كان عدد من المدونين يتجولون في المنطقة بالصدفة، وسجلوا مشاهداتهم حول هذه التحرشات بكاميراتهم الرقمية، ونشروا الصور وشهاداتهم الشخصية على الإنترنت".
وترى الباحثة أن هذه التغطية كانت نقطة تحول في العلاقة بين الإعلام والإعلام الشعبي لسببين أولًا أنها "تشابهت في بعض الجوانب مع الصحافة التقليدية، فالمعلومات حول التحرشات الجنسية كانت وافية ومدعومة بالصور، ومُلحقة بمتابعة لها، فالدونون جمعوا شهادات أصحاب المحلات في وسط البلد، وهي ممارسة تتجاوز الذاتية".
السبب الثاني "أن مؤسسات الإعلام التقليدي نقلت عن الصحافة الشعبية، وهو أمر كان غير مألوف في 2006، فالحادثة التي اسماها المدونون "السعار الجنسي" قدمها الصحفيون المحترفون في برامجهم الحوارية تحت ذات العنوان، وأذاعوا المقاطع المرئية "فيديو" التي سجلها الصحفيون الشعبيون".
"وكان نجاح الإعلام الشعبي في طرح قضايا الحريات وحقوق الإنسان لافتًا للصحفيين المصريين، خاصة أن المدونين كانوا محل اهتمام الصحافة الغربية، فضلاً عن فوز مدونين مصريين بجوائز عالمية من مؤسسات إعلامية كبرى، مثلاً فاز "علاء عبد الفتاح" وزوجته "منال حسن" بجائزة أفضل المدونات العربية همن مؤسسة دويتشه فيلله الألمانية عام 2006، وفاز هيثم يحيى بالجائزة نفسها في العام التالي" وفازت "المدونة والناشطة "نورا يونس" بالجائزة السنوية لمؤسسة "حقوق الإنسان أولاً" العالمية عام 2008 وغيرهم آخرون".
ومع تزايد الاهتمام الإعلامي في تلك الفترة، أبدى بعض الصحفيين الشعبيين انزعاجهم مثل وائل عباس صاحب مدونة "الوعي المصري" الشهيرة الذي "اعتبر أن التقارير التليفزيونية والكتابات الصحفية عن المدونين أظهرت الصحافة الشعبية كوسيلة سريعة لتحقيق الشهرة".
ما بعد 2011
"التحول الصارخ في السياسات التحريرية لكثير من القنوات الفضائية المملوكة لمصريين والصحف الخاصة قبل وبعد خروج مبارك من السلطة، دفع الشعب إلى التشكك في مصداقية الإعلام والإعلاميين. ولمع صحفيون شعبيون في تقديم تفنيد الخطاب الإعلامي بشكل ناقد وساخر، أبرزهم باسم يوسف الذي ظهر أولاً عبر قناته على موقع "يوتيوب" ثم تحوّل من حلقات أسبوعية على شبكة اجتماعية إلى برنامج ضخم الإنتاج واسع الشعبية".
في خلال هذه الفترة "بات الإعلام هو الطرف الأكثر سعيًا للتفاعل مع الإعلام الشعبي من أجل تحسين أوضاعه، ولجأت بعض الصحف الكبرى إلى استكتاب صحفيين شعبيين" مثل علاء عبد الفتاح ومالك مصطفى.
"كذلك ركز الإعلام التقليدي على تغطية أخبار الصحافة الشعبية" و"ظهر نوع من التقارير الصحفية يبدأ عنوانه بـ"نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي" وينقل عبارات عامية من المحتوى الذي يكتبه مستخدمو فيسبوك وتويتر".
"وتدريجيًا بعد 2011 ، تحوّل دور الإعلام الشعبي من استكمال محتوى إعلام الدولة من خلال تناول القضايا والأخبار المسكوت عنها، إلى استكمال الدور الاجتماعي المنوط بالإعلام، فالشبكات الاجتماعية هي ما يلجأ إليه الشخص إذا ما تعرض لمشكلة أو لاحظها بدلاً من الإعلام التقليدي الذي صار أكثر انشغالاً بربحيته، خاصة أن نشر المشكلات على هذه الشبكات الاجتماعية بات مؤثرًا في عدة قطاعات".
ماذا غيّر الإعلام في الإعلام الشعبي؟
"تفاعُل الإعلام التقليدي مع الصحافة الشعبية صنع لها قدرًا من التسليع، بمعنى أنه حولها إلى مادة لتحقيق مكاسب مادية. على سبيل المثال الأخد بإيدي الصحفيين الشعبيين إلى الانتاج الاحترافي، على نحو ما حدث مع آية مصطفى وعلاء الشيخ وغيرهما".
"ويشرح الصحفي صابر مشهور صاحب قناة "العالم الأسود للعسكر" على يوتيوب انخفاض تكلفة تصوير محتوى هذه القناة في فيديو بعنوان "صابر مشهور؛ قناة العالم الأسود للعسكر حققت 8 ملايين مشاهدة وكلفتني 150 جنيهًا" يُظهر فيه ورق الكارتون الذي يستخدمه كخلفية للشاشة وقت ظهوره، ومن ثم يتم تحريره بخلفيات متحركة ومصابيح الإضاءة المستخدمة".
بات "الإعلام الشعبي بالفعل حرفة ومجال تخصص، وما قد يستغربه كثيرون أن الإعلام التقليدي هو من صنع هذا التحول من خلال توظيف الصحفيين الشعبيين في مؤسسات إعلامية احترافية. وكانت مؤسسة المصري اليوم الأسبق محليًا في تخصيص قسم للإعلام الاجتماعي عمالته بالكامل من الصحفيين الشعبيين".
"وكان عام 2009 بداية توظيف غير الصحفيين في الجريدة إذ تم استحداث منصب "مدير مجتمع الويب" وتلاه عدد من الشباب كانت مهمتهم إدارة تعليقات الجمهور على المحتوى الإليكتروني لموقع الجريدة، وتوليد أفكار لقصص جديدة يتم تطويرها من قبل الصحفيين". وفي العام التالي تم إنشاء قسم "الإعلام الجديد" بالجريدة ومهمته "إدارة حسابات المؤسسة على مواقع التواصل الاجتماعي وتقديم التقارير الخاصة بتداول المحتوى على هذه الشبكات".
وكان تحرك المصري اليوم نحو الشبكات الاجتماعية أكثر سرعة من غيرها بسبب "وجود صحفيين قريبين من دوائر الإعلام الشعبي مثل مدير التحرير إيهاب الزلاقي" "وكذلك وجود أشخاص جمعوا بين الصحافة الاحترافية والشعبية مثل نورا يونس".
ماذا غيّر الإعلام الشعبي في الإعلام؟
"أول التغييرات في أداء الإعلام التقليدي التي كان الإعلام الشعبي سببًا مباشرًا لها هي خارطة وسائل الإعلام الرئيسية، والمقصود بذلك قائمة الموضوعات التي يتم تناولها. وبدأ هذا التغيير في الحدوث منذ أن بدأت المدونات المصرية في تقديم المعلومات والتقارير الإخبارية التي لم يتناولها إعلام الدولة".
"كذلك أدى دخول صحفيين شعبيين إلى مؤسستي "أون تي في والمصري اليوم" إلى اعتمادهما طريقة غير تقليدية للتوظيف ولاختيار عمالتها من الصحفيين الشعبيين؛ ففي "المصري اليوم" تم اختيار آية عبدالله بفضل العدد الكبير لمتابعيها على "تويتر"، ما كوّن انطباعًا أنها قادرة على التفاعل مع الجمهور بشكل جاذب، ومن ثمّ كانت اختيارات عبدالله للعاملين الجدد بالقسم معتمدة بالأساس على مواقع التواصل الاجتماعي وفقًا لمعيار الشعبية والحماس للالتزام بنظام العمل دون الاستخفاف بمهمة إدارة حسابات الشبكة الاجتماعية لمؤسسة".
"وربما تسبب التفاعل بين الإعلام الشعبي والتقليدي في تغيير علاقة الصحفي بالمهنة، فاستخدام الكلمة لوصف أشخاص يؤدون مهامًا مختلفة، يحفّز الواحد منهم على مراجعة تعريفه للصحافة، وللدور الذي يؤديه داخل مؤسسته".
كما أدى هذا التفاعل إلى "مراجعة الصحفي صلاحيته لأداء دوره المهني، واستكمال ما ينقصه من قدرات ومعارف جديدة إلى ما يتمتع به. وعلى المستوى النظري رفع مهارات الصحفي المحترف، فقد نظمت نقابة الصحفيين تدريبات لأعضائها على استخدام الإعلام الاجتماعي بعد 2009".
ودخل بعض الصحفيون المدونات "للاستفادة من مزاياها كوسيط يسمح بالنشر غير المحدود كمًا" وهناك "ميزة أخرى اجتذبت الصحفيين هي صلاحيتها للقيام بدور الأرشيف الصحفي لهم".
"وبعد 2011، بدأ بعض الصحفيين الشباب يعملون بالإعلام الشعبي بأجر، ففي غرفة الأخبار داخل "رصد" عدد من الخريجين الجدد لكلية الإعلام، يعملون بأجر ثابت في تحرير الأخبار الواردة من الصحفيين الشعبيين بتعديل الصياغة اللغوية والتحقق والتجميع وتحسين العرض أو يكتبون تقاريرًا صحفية بأنفسهم"بسبب صعوبة الالتحاق بالمؤسسات الإعلامية التقليدية".