تصوير سالم الريس- المنصة.
مواطنون على أنقاض منازل دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم المغازي وسط غزة- 5 نوفمبر 2023.

نيويورك تايمز توثق "الإبادة" في غزة: تفوق تدمير أمريكا لأفغانستان والعراق وسوريا

محمد حميد
منشور الأحد 26 نوفمبر 2023 - آخر تحديث الأحد 26 نوفمبر 2023

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن ما تمارسه إسرائيل ضد سكان غزة يعد سابقة تاريخية فاقت كل ما اقترفته الهجمات الأمريكية في العراق وسوريا وأفغانستان.

وأوضحت الصحيفة، في تقرير مطول حمل عنوان "المدنيون في غزة تحت القصف الإسرائيلي، يُقتلون بوتيرة تاريخية"، أن مراجعة الصراعات الأمريكية في البلدان الثلاث، وحجم ما استخدم من أسلحة، وما نجم عنه من دمار، تؤكد أن "الهجوم الإسرائيلي مختلف".

ونقلت نيويورك تايمز عن خبراءٍ استخدام إسرائيل المُفرط لأسلحة كبيرة جدًا في المناطق السكانية المزدحمة، بما في ذلك القنابل الأمريكية الصنع التي يبلغ وزنها 2000 رطل "907 كجم"، والتي يمكن أن تدمّر برجًا سكنيًا، وهو أمر مثير للدهشة.

وقال المستشار العسكري لمنظمة باكس "PAX" الهولندية ومحلل الاستخبارات السابق في البنتاجون مارك جارلاسكو، "إنه يفوق أي شيء رأيته في حياتي المهنية"، مضيفًا أنه لإيجاد مقارنة تاريخية لاستخدام مثل هذه القنابل الكبيرة في مثل هذه المنطقة الصغيرة، قد يتعين عليه "العودة إلى حرب فيتنام، أو الحرب العالمية الثانية".

وأضاف جارلاسكو أن القنبلة الأمريكية الأكثر شيوعًا، التي يبلغ وزنها 500 رطل، اعتبرها المسؤولون الأمريكيون كبيرة جدًا عند استخدامها في الهجمات الأمريكية خلال القتال ضد تنظيم داعش في الأماكن السكنية بالعراق وسوريا.

ويُشير تقرير نيويورك تايمز إلى حقيقة أن أحدًا لم يكن يتوقع هذا الحجم من القتل والتدمير، وصولًا إلى شنّ حرب إبادة؛ بخاصة من إسرائيل التي حرصت طوال عقود على تسويق صورة "أخلاقية" لجيشها؛ وإن فشلت بطبيعة الحال.

وتنقل نيويورك تايمز عن باحثين أن ما يقرب من 10 آلاف امرأة وطفل قُتلوا في غزة، وهذا العدد أكبر من ضعف عدد النساء والأطفال الذين قتلوا في أوكرانيا بعد عامين من الصراع هناك.

وتجاوزت أعداد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة 14 ألف قتيل منذ العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن عدد النساء والأطفال الذين قُتلوا في غزة في فترة أقل من شهرين أكثر ممن قُتلوا على يد القوات الأمريكية وحلفائها الدوليين في العام الأول من غزو العراق سنة 2003، وفقًا لما نقلته الصحيفة عن منظمة إيراك بودي كاونت، وهي مجموعة بحثية بريطانية مستقلة.

وقال محقق الأسلحة في منظمة العفو الدولية والمحقق السابق في منظمة العفو الدولية بريان كاستنر، إن القنابل المُستخدمة في غزة أكبر من تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة عندما كانت تقاتل داعش في مدن مثل الموصل والرقة، وهي أكثر اتساقًا مع استهداف البنية التحتية تحت الأرض مثل الأنفاق.

وأضاف كاستنر، أن غزة منطقة صغيرة محاصرة بين إسرائيل ومصر، مما لا يُتيح للمدنيين سوى القليل من الأماكن الآمنة للفرار، إن وجدت أصلًا.

وتقول الصحيفة إن تحليلات الأقمار الصناعية تشير إلى تدمير وتضرر حوالي 60 ألف مبنى في غزة، بما في ذلك نحو نصف المباني في شمال القطاع.

وبعد التشكيك في عدد القتلى من الفلسطينيين في قطاع غزة، تعترف الآن إدارة بايدن بأن الأرقام الحقيقية للضحايا المدنيين قد تكون أسوأ، وفقًا للصحيفة الأمريكية.

وقالت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، أمام لجنة بمجلس النواب الأمريكية، خلال الشهر الحالي، إن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن أعداد الضحايا المدنيين أكثر مما تم الإعلان عنه.

ويُمثل النساء والأطفال ما يقرب من 70% من جميع الوفيات المبلغ عنها في غزة على الرغم من أن معظم المقاتلين هم من الرجال، وهي إحصائية غير عادية، وفقًا لريك برينان، مدير الطوارئ لمكتب شرق البحر الأبيض المتوسط لمنظمة الصحة العالمية.

وأضاف برينان، "في الاشتباكات السابقة بين إسرائيل وحماس كان 60% من الوفيات المبلّغ عنها من الرجال، مقارنة بالوضع الحالي".

وزعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس، أن النسبة المرتفعة من القتلى النساء والأطفال الفلسطينيين سبب لعدم الثقة في أرقام القتلى، حسب نيويورك تايمز.

وانتقلت الصحيفة إلى تبرير المسؤولين الإسرائيليين لمقتل المدنيين، بسلوك الولايات المتحدة وحلفائها أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي أشار إلى قصف بريطانيا مستشفى أطفال في كوبنهاجن بالدانمارك حين كان تستهدف مبنى الجستابو عام 1945. كما برر الإسرائيليون تصرفاتهم للمسؤولين الأمريكان بقصف الولايات المتحدة لمدن هيروشيما وناجازاكي، الذي أدى لمقتل 100 ألف شخص عام 1945.

وتقول الصحيفة إنه خلال الأسبوعين الأولين من الحرب، كان 90% من الذخائر التي أسقطتها إسرائيل على غزة عبارة عن قنابل موجهة عبر الأقمار الصناعية بوزن 1000 إلى 2000 رطل.

فيما يعاود مستشار منظمة باكس، جارلاسكو، حديثه، بأن تلك القنابل كبيرة جدًا، مضيفًا أن إسرائيل تمتلك آلاف القنابل الصغيرة من الولايات المتحدة التي صُممت للحد من الإضرار بالمناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية المرتفعة؛ إلا أن استخدامها كان قليلاً من جانب الإسرائيليين.

وتُدلل الصحيفة على استهداف إسرائيل المدنيين، عبر استخدامها قنبلتين على الأقل وزن 2000 رطل خلال غارة جوية على منطقة مخيم جباليا في نهاية أكتوبر الماضي، مما أدى لتسوية المباني بالأرض وإحداث حفر يبلغ عرضها 40 قدمًا، وتسببت  في قتل حوالي 126 مدنيًا بالمخيم.

في النهاية تقول الصحيفة "حين تكون المناطق المدنية في مرمى النيران، فإن التهديد لا ينتهي، والدمار الذي خلفته الحرب جعل الناس يواجهون صراعًا من أجل البقاء". وتختم "في كل حرب يكون الأمر كذلك، لكن في غزة كان قاع البؤس".