توقع محللان ماليان اتجاه البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة خلال الربع الأول من العام المقبل بنسبة تصل إلى 2% على أن يصل إجمالي الخفض خلال العام 6%، بينما ترجح محللة ثالثة استقرار الفائدة بداية العام مع خفض تدريجي يصل إلى 4% خلال 2026.
وبينما اختلف المحللون على حجم الخفض، اتفقوا على اتجاه البنوك لطرح شهادات جديدة بفائدة تتراوح ما بين 18 إلى 20% مع بداية العام المقبل، في ظل اقتراب موعد استحقاق الشهادات مرتفعة العائد التي طرحتها البنوك الحكومية بعوائد استثنائية بلغت 23% و27% وتنتهي آجالها بداية يناير/كانون الثاني المقبل.
وكانت لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي أعلنت الخميس الماضي، خفض سعري الفائدة للإيداع والإقراض لليلة واحدة بنسبة 1%، وهو الخفض الخامس على التوالي منذ بداية العام، ليصل السعرين إلى 20% و21% على الترتيب، ليصل إجمالي التخفيضات خلال العام الجاري 7.25%.
الفائدة في 2026
توقع رئيس قسم البحوث بشركة عربية أونلاين لتداول الأوراق المالية مصطفى شفيع، اتجاه البنك المركزي لبدء دورة خفض جديدة لأسعار الفائدة خلال الربع الأول من عام 2026 بواقع 2% مبدئيًا، على أن يصل إجمالي الخفض خلال العام إلى نحو 6% على أقل تقدير، في حال استمرار العوامل الداعمة الحالية دون تغيرات جوهرية.
وأوضح شفيع لـ المنصة أن انحسار معدلات التضخم يمثل المحرك الرئيسي لهذا التوجه، خاصة مع تراجع معدل التضخم السنوي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد 16.5% في مايو/أيار الماضي، وهو ما يمنح السياسة النقدية مساحة أكبر للتحول نحو التيسير، بعد فترة طويلة من التشديد النقدي.
وأشار إلى أن استقرار سعر الصرف وتحسن أوضاع النقد الأجنبي داخل السوق يعدان من العوامل الأساسية الداعمة لخفض الفائدة، لا سيما مع وجود آمال بزيادة التدفقات الدولارية خلال الفترة المقبلة، سواء من قطاع السياحة وعودة النشاط تدريجيًا إلى قناة السويس، بما يعزز موارد الدولة من العملة الأجنبية.
وأكد أن اتجاه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض أسعار الفائدة يخفف الضغوط على الأسواق الناشئة، ويفتح المجال أمام البنوك المركزية ومنها المصري، للتحرك في نفس الاتجاه دون مخاطر كبيرة على استقرار سوق الصرف أو تدفقات رؤوس الأموال.
وهو ما أكده المحلل بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية إبراهيم عادل، بقوله إن "المؤشرات الحالية تعزز من احتمالات اتجاه المركزي المصري لاستمرار خفض أسعار الفائدة خلال الربع الأول بنحو 2%"، مرجحًا أن يصل إجمالي الخفض خلال عام 2026 إلى 6% كحد أدنى.
وأوضح عادل لـ المنصة أن تقليل عبء خدمة الدين يمثل أحد الأهداف الرئيسية لخفض الفائدة، لا سيما مع وصول تكلفة خدمة الدين إلى نحو 80% من الموازنة العامة للدولة، وهو ما يفرض ضغوطًا كبيرة على المالية العامة، ويجعل خفض الفائدة أداة ضرورية لتخفيف الضغط على الموازنة.
ومن جهتها توقعت رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال للاستشارات المالية آية زهير، استقرار أسعار الفائدة خلال الربع الأول من 2026، على أن يشهد عام 2026 خفضًا تدريجيًا يتراوح بين 2 و4% حال تحسن المؤشرات الكلية واستمرار مسار التباطؤ التضخمي.
وأوضحت آية زهير لـ المنصة أن السياسة النقدية خلال المرحلة الحالية تتسم بدرجة عالية من الحذر والترقب، خاصة مع الحاجة للحفاظ على استقرار سوق الصرف ومتابعة حركة التدفقات الأجنبية، إلى جانب التطورات الجيوسياسية الإقليمية وتأثيرها المحتمل على أسعار السلع والطاقة عالميًا.
تأثير خفض الفائدة على الأوعية الادخارية
وحول انعكاسات خفض الفائدة على الشهادات والودائع البنكية، أوضح مصطفى شفيع أن هناك علاقة طردية مباشرة بين أسعار الفائدة المعلنة على الشهادات البنكية ومستويات الكوريدور، متوقعًا أن يؤدي خفض الفائدة إلى تراجع جاذبية بعض الشهادات لفئات من العملاء، مقابل استمرار جاذبيتها لفئات أخرى تبحث عن الأمان والاستقرار بعيدًا عن المخاطر.
وأشار إلى أن قطاعًا من العملاء قد يتجه إلى بدائل استثمارية أخرى في ظل انخفاض العائد، مثل البورصة والعقارات والذهب والعملات الأجنبية وأذون الخزانة وصناديق الاستثمار، لافتًا إلى أن شريحة من المستثمرين ستفضل تنويع استثماراتها بين أكثر من أداة.
وأضاف أن "الفائدة الحقيقية التي تقترب من 8% لا تزال تمثل مستوى مقبولًا في ظل تراجع التضخم، وهو ما يساعد على الحفاظ على قدر من التوازن داخل القطاع المصرفي، ويحد من موجات التخارج الحادة من الودائع".
فيما أكدت آية زهير أن التأثير المتوقع سيكون محدودًا، مشيرة إلى أن البنوك لا تزال تتمتع بقاعدة ودائع قوية، وأن سلوك شريحة كبيرة من العملاء يرتكز بالأساس على عنصر الأمان والاستقرار وليس فقط على مستوى العائد.
وأضافت أن اتجاه بعض العملاء حاليًا إلى الاستثمار في الذهب لا يمثل تهديدًا جوهريًا للقطاع المصرفي، بل يظل ضمن إطار التنويع الطبيعي للمحافظ الاستثمارية، دون أن يؤدي إلى خروج ملحوظ للسيولة من البنوك.
من جهته، أوضح إبراهيم عادل أن تراجع العائد على الشهادات البنكية سيدفع بعض المستثمرين إلى إعادة هيكلة محافظهم الاستثمارية، والبحث عن أصول بديلة تحقق عوائد أعلى.
وأشار إلى أن المؤسسات قد تتجه بشكل أكبر نحو أذون الخزانة، نظرًا لتمتعها بعوائد أعلى نسبيًا من الشهادات البنكية، فضلًا عن ارتفاع مستويات السيولة وانخفاض المخاطر المرتبطة بها.
شهادات جديدة بفوائد متدرجة
وفيما يتعلق بتوجه البنوك لطرح شهادات جديدة، توقع شفيع أن تلجأ بعض البنوك إلى إصدار شهادات ادخارية قصيرة الأجل لمدة عام واحد لاستقطاب السيولة مع استحقاق ودائع كبيرة خلال بداية العام المقبل، مرجحًا أن تصل الفائدة على الشهادات الجديدة إلى 20%.
فيما ترى آية زهير أن البنوك ستلجأ إلى إصدار شهادات ادخارية جديدة بعوائد متدرجة، على أن تتراوح أسعار الفائدة المتوقعة بين 18 و20% وفقًا لمدة الشهادة وطبيعة الشريحة المستهدفة.
وأكدت أن أي تعديلات على أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة ستتم بشكل تدريجي ومدروس، بما يضمن الحفاظ على الاستقرار المالي ودعم النمو الاقتصادي على المدى المتوسط.