تتصاعد حالة من الجدل بين المطالبين بالتخلّص من الكلاب الضالة بأي وسيلة، ومن يدافعون عن حقها في الحياة ويدعون إلى تعقيمها أو تطعيمها كحل إنساني وعلمي.
وبينما أوضحت نائبة رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات الرفق بالحيوان منى خليل أن الجمعيات الفاعلة ميدانيًا استطاعت الوصول إلى تفاهمات رسمية مع الحكومة، بما في ذلك وقف التسميم والقتل واعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السعار 2030، يرى رئيس جمعية الرفق بالحيوان الدكتور شهاب الدين عبد الحميد أن الوضع خرج تمامًا عن السيطرة، فيما تحسم الهيئة العامة للخدمات البيطرية طريقة التعامل الممنهجة مع الأزمة وفقًا للقانون والاستراتيجية.
بين القتل والحلول العلمية
"تصاعد المطالب بقتل كلاب الشوارع في الفترة الأخيرة أمر متوقع" حسبما قالت منى خليل لـ المنصة، وأوضحت أن بعض هذه الأصوات "من الأطباء البيطريين اللي عمرهم ما دافعوا عن حيوان"، بالإضافة إلى "حقوقيين معرفوش يحققوا أي شيء على أرض الواقع"، معتبرة أن اعتراضهم على منهج الجمعيات الحالي بتعقيم الكلاب وليس قتلها سببه "الفشل في تحقيق أي نتيجة ملموسة".
وأضافت أن الجمعيات الفاعلة ميدانيًا استطاعت الوصول إلى تفاهمات رسمية مع الحكومة، بما في ذلك وقف التسميم والقتل واعتماد استراتيجية 2030 لمكافحة السعار، وقالت "لو كنا ارتكنا لآراء البعض اللي كانت شايفة إن الكلاب خطر وإن لازم نموتها موت رحيم، كنا هنضيع فرصة وجود استراتيجية 2030 اللي بتقول بوضوح ممنوع قتل الحيوانات، والبديل هو التعقيم والتطعيم والتوعية".
وفي عام 2021، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية للقضاء على مرض السعار، من خلال التطعيم وحملات توعية للمواطنين.
وفيما يتعلق بادعاء بعض الأصوات بفشل استراتيجية 2030، أكدت أن الاستراتيجية لم تُنفَّذ فعليًا إلا منذ شهور "إزاي حد يقول إنها محققتش أثر؟" حسبما قالت منى خليل، موضحة خليل أن سياسات القتل لم تحقق أي فاعلية على مدار عقود، ودللت "لو التسميم والقتل ليهم جدوى، كنا شفنا أعداد الكلاب بتقل مش بتزيد، ده أكبر إثبات لفشل منهجهم السابق".
في المقابل، يرى رئيس جمعية الرفق بالحيوان الدكتور شهاب الدين عبد الحميد أن الوضع خرج تمامًا عن السيطرة، مشيرًا إلى تضخّم أعداد الكلاب في الشوارع بشكل غير مسبوق، وقال لـ المنصة إن "الأزمة الحالية لم تعد مجرد قضية رفق بالحيوان، بل أزمة صحة عامة ومشكلة تهدد الأمن المجتمعي وسلمه".
وعن تهديد التوازن البيئي، قال عبد الحميد "التوازن البيئي إحنا عدّيناه بأضعاف، نحن وصلنا لمرحلة كارثية، التعداد يتجاوز الآن الأربعين مليون كلب في الشارع"، حسب تقديراته.
يشدد رئيس جمعية الرفق بالحيوان أن الخطر الصحي أصبح أكبر من قدرة الدولة على الاستيعاب، وقال "التعقيم والتطعيم مهمين، بس مش كفاية"، مضيفًا "أنا مش ضد حقوق الحيوان، لكن عندي كارثة موجودة والإنسان لازم يكون الأولوية".
وأشار رئيس جمعية الرفق بالحيوان إلى تجارب دولية استخدمت أساليب صارمة للتخلص من الحيوانات بشكل منظم "أمريكا في الثلاثينات تخلصت من أزمة الكلاب في أفران غاز، أو في مطاحن كبيرة أو يرموها في أماكن مخصصة"، مؤكدًا أن هذه الإجراءات ليست انتقاصًا من حقوق الحيوان.
آليات التعامل مع الكلاب الضالة
من جانبه، رفض مدير الإدارة العامة للرفق بالحيوان والتراخيص بالهيئة العامة للخدمات البيطرية، التابعة لوزارة الزراعة الدكتور الحسيني محمد عوض دعوات قتل الكلاب، مشددًا "القانون مسبهاش للأهواء الشخصية، وربط التعامل مع الحيوانات الضالة بما لا يخالف توصيات المنظمات الدولية وخاصة المنظمة العالمية للصحة الحيوانية".
وأوضح لـ المنصة أن الدولة أصدرت قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب رقم 29 لسنة 2023، ولائحته التنفيذية أبريل/نيسان 2025، موضحًا أن القانون اعتمد على ثلاثة محاور رئيسية "تنظيم حيازة الكلاب المملوكة، وتنظيم الحيوانات الخطرة، وضع آليات التعامل مع الحيوانات الضالة".
وتنص المادة 23 من القانون على اتخاذ السلطة المختصة التدابير اللازمة لمجابهة الحيوانات الضالة والمتروكة بما يتوافق مع معايير وتوصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية.
وكفلت المادة 45 من الدستور المحافظة على الحيوان والرفق به، وكذلك المادتان 355 و357 من قانون العقوبات، إذ جرمتا التعدي على الحيوان أو استعمال القسوة معه.
وتنص المادة 357 على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه كل من قتل عمدًا بدون مقتض أو سمَّ حيوانًا من الحيوانات المستأنسة".
وأوضح عوض أن أخطر التهديدات هو السعار، واصفًا إياه بأنه "مرض قاتل بنسبة 100%"، مشيرًا إلى أن 99% من حالات السعار عالميًا تأتي من الكلاب تحديدًا".
"مفيش حاجة اسمها حد يقول يلا نقتل الكلاب، إحنا كمختصين نروح نشوف المنظمات الدولية دي بتعمل إيه ونطبقه، وده مسؤولية الإدارة التنفيذية الجديدة للرفق بالحيوان، والتي تشكلت في نهايات عام 2024، للتعامل مع ملف الحيوانات الضالة، والتنسيق ومتابعة تنفيذ مواد القانون"، قال عوض.
وحسب عوض، تقوم فرقة التحصين التابعة لإدارته بتحصين الكلاب في الشوارع "بدأنا في محافظات القاهرة والجيزة والإسماعيلية، أما الكلب الشرس فبناخده ونحطه في شيلتر حكومي تحت الملاحظة".
وأكد أن عدد الحالات الإيجابية بالسعار في الحيوانات لا يتجاوز 30 أو 40 حالة سنويًا "لما بدأنا نحصن، عدد وفيات البشر انخفض، ووزارة الصحة قللت جرعات البروتوكول من 5 جرعات إلى 4 في آب/أغسطس 2025".
ورفض كذلك الإطعام العشوائي للكلاب الضالة، قائلًا "الإطعام العشوائي غلط، ولو قطعناه فجأة هيتشرس الكلب وهيبقى ثورة جياع يهجم على البيوت والمواطن، فلازم نحدد أماكن للإطعام في كل حي، وسنبدأ هذه التجربة في بعض الأحياء".
وقالت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، في بيان سبتمبر/أيلول الماضي أن "الامتناع المتعمد عن إطعام الكلاب الضالة يُعد سلوكًا يخالف بشكل صريح تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وأحكام القانون المصري".
وأوضح مدير إدارة الرفق بالحيوان أن مصر لا تمتلك سابقًا حصرًا دقيقًا لأعداد الكلاب الضالة حتى الآن، "لهذا تم تشكيل فرق مشتركة بين البيئة والصحة والطب البيطري لرسم خرائط دقيقة"، وكشف عن تطعيم نحو 20 ألف كلب ضال في آخر 3 شهور فقط.