نظمت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، أمس السبت، يومًا تضامنيًا ضد الانتهاكات الجارية في دارفور، لا سيما ضد الصحفيات والصحفيين الذين يعانون القتل والاختفاء والتعذيب والملاحقة عقابًا لهم على قيامهم بدورهم المهني.
كانت قوات الدعم السريع أعلنت قبل نهاية الشهر الماضي سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، بعد معارك عنيفة مع القوات المسلحة السودانية.
"مدينتا هي التي جاعت في وقت صمت فيه العالم أجمع وتغاضى عما يحدث فيها. الفاشر مدينة مغدورة لأنها سقطت في وقت لم يساندها فيه أحد"، تقول الصحفية السودانية اعتماد أحمد خلال اليوم التضامني بنقابة الصحفيين.
اعتماد صاحبة تجربة من الانتهاكات على أيدي الدعم السريع، ولدت بمدي الفاشر وعاشت بها سنوات عديدة، وتَعتبر أن سقوط المدينة لم يكن لضعف المقاومة "الصمت على المستوى الإقليمي والدولي هو اللي هزم الفاشر"، وأضافت "لا وجع أكبر من التخلي والسقوط والمرض".
وقالت "أنا واحدة من الناس كنت أعيش في منطقة المهندسين بالقرب من أم درمان حينما بدأت الحرب عام 2023، وكانت معي والدتي وتعاني من مرض السكري، وكنت أضطر إلى الخروج للحصول على المياه لها، وفي المرة الأولى فوجئنا بقوات الدعم السريع أمام باب منزلنا"، مردفة "كانوا صريحين جدًا في البداية وقالولي يا أستاذة رجاء خاص خليكي جوه، والمرة الثانية لما خرجت قالولي دا آخر إنذار والمرة الجاية في روحك".
"بسبب الجحيم في هذه المنطقة قررت الرجوع إلى منطقة الفاشر التي هي مسقط رأسي، ولكن الطريق إليها كانت جحيمًا، فالطريق من كردفان حتى دارفور كان صعبًا للغاية وشوفنا اللي لا يمكن تخيله"، تضيف اعتماد التي كانت شهادتها واحدةً من الشهادات الحية التي شهدها اليوم التضامني، الذي بدأ بالوقوف دقيقة حداد على ضحايا غزة والسودان.
وقالت الصحفية السودانية المستقلة والحقوقية زمزم خاطر، إن كون المواطن في السودان صحفيًا مستقلًا وناقلًا للحرب بكل حيادية هي "جريمة كبيرة قد تكلفه روحه وأسرته، ولن يسلم من الأذي على الإطلاق عبر التهديدات أو إساءة السمعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وأكدت زمزم خاطر، السكرتيرة الاجتماعية لرابطة الصحفيين السودانيين في أوغندا ومسؤولة الحماية بمنتدى صحفيات دارفور، تعرضها لتهديدات واعتقالات "اضطررت في النهاية إلى السفر إلى أوغندا كلاجئة، حالي حال العديد من زملائي الصحفيين والصحفيات الذين لم يروا في هذه الحرب سوى الجوع والقتل والتهديدات".
وتضيف في شهادتها عبر فيديو مسجل لها "فقدنا العديد من الزملاء عبر الاستهداف المباشر"، وقالت "ندعو إلى فك أسر زملائنا المعتقلين لدى قوات الدعم السريع على رأسهم مراسل قناة الجزيرة معمر إبراهيم".
وتابعت "الزملاء الصحفيون كانوا محاصرين لمدة عامين يقتاتون من علف الحيوانات، وليس هم فقط بل كل السودان لم ينجُ من هذه الحرب"، مشيرة إلى تعرضها لأذي كبير مثل قصف منزلها لمرتين ونهب ما فيه كاملًا.
وتحدثت الصحفية السودانية نون البرمكي عن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون السودانيون بالفاشر منذ 15 أبريل/نيسان 2023 حتى 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهم يمارسون عملهم بكل حيادية "تعرض زملائي لجرائم مختلفة كالقتل والتشريد والتنكيل والاعتقال".
وأضافت في فيديو مسجل لها "استشهد 4 صحفيين زملائنا في الفاشر أثناء أداء مهمتهم الصحفية وهم يقومون بعكس الصورة إلى العالم أجمع، وتم اعتقال صحفييْن بيد الدعم السريع ولا نعرف مصيرهما حتى الآن، كما تعرض 3 زملاء صحفيين للفقد أيضًا ولم نتواصل معهم حتى الآن، ولاذ آخرون بالفرار".
شهادات الصحفيين السودانيين لم تكن وحدها الموثق لواقع الفاشر، حيث شهدت قاعة محمد حسنين هيكل معرضًا للصور الفوتوغرافية والرسومات الكاريكاتيرية تظهر معاناة السودانيين.
بدوره، أكد نقيب الصحفيين خالد البلشي أن شعبي مصر والسودان هما شعب واحد، قائلًا "هذه الوقفة التضامنية الضرورية ليست فقط لإعلان التضامن مع الأشقاء السودانيين، وإنما وقفة للحلم بسودان يضم جميع مكوناته".
وأوضح "سننظم تدريبات لكل الصحفيين السودانيين في مصر، وسنناقش تطبيق التآخي الذي تم تطبيقه مع غزة سواء في دعم العلاج مع الصحفيين السودانيين أو استمرار التعاون في العمل الصحفي".
واتفق رئيس هيئة محاميي دارفور الصادق علي حسن مع البلشي في ضرورة إجراء تحقيق حول مأساة أهل الفاشر "النهج التوثيقي مطلوب، وعلى المواطنين هناك التوجه إلى التوثيق القانوني لهذه الجرائم، إضافة إلى أن هناك أهمية كبرى لعمل الصحافة الاستقصائية عبر رصد هذه الجرائم".
وأرجعت خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أماني الطويل تقاعس المجتمع الدولي عن إنقاذ السودان إلى وجود قضايا عدة على أجندته ساهمت في انشغاله؛ "القضية الفلسطينية دخلت على الخط وخطفت كل الأضواء ناحيتها وهو ما أعطى الفرصة لميليشيات الدعم السريع لارتكاب كافة الجرائم بحق الأشقاء السودانيين".
من ناحيتها، قالت أستاذة علم الاجتماع والأنثربولوجي بالجامعة الأمريكية في القاهرة أميرة أحمد إن ما يتعرض له السوادن خاصة الفاشر هو جريمة لا يجب إفلات أي من مرتكبيها من العقاب، وأضافت "يجب أن تكون هناك وقفة جادة أمام هذه الوقائع والجرائم المرتكبة".
واختُتم اليوم التضامني بعرض مسرحي في مسرح نقابة الصحفيين بعنوان "الخروج.. نساء في زمن الحرب"، الذي عرضَ مدى المعاناة التي عاشتها النساء في السودان والجرائم المرتكبة ضدهن، إضافة إلى فقرة فنية قدمها فريق كورال أصوات السودان، الذي غنى باقة من الأغاني السودانية التراثية.
وتعد الفاشر آخر عاصمة إقليمية ظلت خارج سيطرة "الدعم السريع" منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وظلّت محاصرة منذ نحو 18 شهرًا.
وخلال الحصار، وثّقت منظمات إنسانية ودولية نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، ما أدى إلى انتشار الجوع في أجزاء واسعة من المدينة التي يُقدّر عدد سكانها الحاليين بنحو 250 ألف نسمة، كما اتُّهمت "الدعم السريع" بشن هجمات بطائرات مسيّرة ومدفعية على مناطق مأهولة، في حين وُجهت اتهامات للجيش أيضًا بعمليات قصف عشوائي داخل المناطق السكنية.