صفحة المتحدث باسم رئاسة الجمهورية على فيسبوك
السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي في دبي، 13 فبراير 2023

خبراء: الاستغناء عن صندوق النقد صعب.. ولكن

دعاء السيد
منشور الخميس 11 أيلول/سبتمبر 2025

طرحت الحكومة هذا الأسبوع استراتيجية جديدة، تحت مسمى السردية الوطنية، بهدف توفير رؤية اقتصادية لفترة ما بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الحالي في مصر، تكون قادرة على إغنائنا عن اللجوء للمؤسسة الدولية مجددًا.

ويرى خبراء أن توقيت تطبيق "السردية الوطنية" يعزز من فرص تنفيذها بالنظر إلى أنها تأتي بعد سنوات من الاستثمار الكثيف في البنية الأساسية ما يعزز من فرص نمو الاستثمار، لكن تحديات التمويل والمشكلات الهيكلية في الاقتصاد قد تقف عقبة أمام الاستغناء عن الصندوق بعد انتهاء البرنامج الحالي.

اعتماد مبالغ فيه على الصندوق

ولجأت مصر لعدة برامج متوالية مع صندوق النقد الدولي منذ 2016، تجاوز إجمالي حجم تمويلاتها 20 مليار دولار، مما وضعها ضمن أكبر المقترضين عالميًا من هذه المؤسسة، وسينتهي برنامج الصندوق الحالي الذي بدأ في 2022 في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2026.

ويرى رئيس وحدة البحوث في بنك الاستثمار فاروس هاني جنينة أن اللجوء للصندوق في أوقات تفاقم الخلل في ميزان المدفوعات أمر طبيعي، لكننا لجأنا له بشكل متكرر يفوق المعدلات المعتادة.

ويقول جنينة لـ المنصة "السيناريو الطبيعي هو أن تلجأ الدولة للصندوق مرة أو مرتين فقط. تركيا على سبيل المثال نفذت آخر برنامج لها مع الصندوق في الفترة من 2001 إلى 2003، ثم سددت كامل التزاماتها ولم تعد إلى الصندوق منذ ذلك الحين، وكذلك كوريا الجنوبية التي لجأت إلى الصندوق في 1997 ولم تحتج إلى برامج أخرى منذ أكثر من ربع قرن".

ويضيف "ما يجب تجنبه مستقبلًا هو الدخول في برامج إصلاح هيكلي جديدة إلا إذا واجهنا أزمات طارئة ككوارث طبيعية أو توترات إقليمية حادة".

كان رئيس الوزراء قال خلال مؤتمر إطلاق السردية الوطنية إن الحكومة تهدف لخفض الدين العام لأقل نسبة ممكنة دون أن يحدد الرقم المستهدف، ويرى جنينة أنه حال تبني هذا التوجه سيكون "تحولًا جوهريًا في السياسة المالية لمصر من تمويل الفجوات عبر الاقتراض إلى تحقيق فوائض تُوجه لسداد الديون".

ويرى الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن الاستغناء عن الصندوق خلال الفترة المقبلة أمر "صعب ولكن ممكن"، ويرتبط بالأساس بالقدرة على جذب تدفقات مستقرة من النقد الأجنبي، والحفاظ على احتياطات أجنبية قوية، وجذب استثمارات مباشرة كافية لتحفيز النمو الاقتصادي، وأخيرًا القدرة على تغطية فجوة التمويل الخارجية.

وفي يوليو/تموز الماضي، نشر صندوق النقد الدولي المراجعة الرابعة لاتفاق القرض مع مصر، التي توقعت فجوة تمويل خارجي للبلاد بقيمة 8.2 مليار دولار خلال العام الحالي، موصيًا بجني إيرادات أجنبية من بيع أصول عامة بعد تباطؤ تطبيق برنامج الخصخصة خلال الفترة الأخيرة.

"السردية تركز على بناء اقتصاد أقوى يعتمد أكثر على نفسه، وهذا قد يفتح للناس فرص عمل أوضح وأكثر استقرارًا بعيدًا عن تقلبات القروض الخارجية" كما يضيف أبو الفتوح لـ المنصة.

توقيت مناسب للسردية

ولم تنشر الحكومة حتى الوقت الراهن وثيقة "السردية الوطنية"، لكن حسب ما تم عرضه في مؤتمر هذا الأسبوع فهي تضع مستهدفات حتى عام 2030، وتطمح لرفع معدلات النمو الاقتصادي إلى 7%، مقابل 2.4% في 2023/2024، وزيادة قيمة الصادرات 20% سنويًا، للحد من العجز التجاري الذي بلغ 39.5 مليار دولار في 2023/2024، علاوة على زيادة حصة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 82% من 77.1% حاليًا.

ومن المنتظر أن تصدر الوثيقة في الأسبوع المقبل، وسيتم طرحها للحوار المجتمعي لمدة شهرين تنتهي في نوفمبر، على أن تصدر النسخة المتضمنة آراء الخبراء في ديسمبر/كانون الثاني، حسب ما تم طرحه في المؤتمر الذي تابعت المنصة وقائعه.

ويرى جنينة أن توقيت طرح السردية قد يعزز من فرص تنفيذ أهدافها إذ إنها تأتي بعد عقد من تنفيذ توسعات كبيرة في مشروعات البنية الأساسية، خاصة في مجال النقل والخدمات اللوجستية، ما سيعزز من فرص نمو الصناعات والأنشطة المرتبطة بهذه البنية.

وحسب تقرير سابق لـ المنصة، تتجاوز إجمالي التمويلات التي حصلت عليها الهيئة القومية للأنفاق خلال العقد الأخير للتوسع في مشروعات النقل الكبرى 10 مليارات دولار، ولا تزال تبحث عن تمويلات جديدة لاستكمال مشروعات مثل شبكة القطارات السريعة والقطار الخفيف وغيرها.

ويضيف جنينة أن مرونة سعر الصرف التي تبنتها مصر خلال برنامج الصندوق ستعزز من تنافسية الصادرات المصرية خلال الفترة المقبلة، كما ستشجع سياسات الحماية التجارية في الولايات المتحدة ضد شركاء أمريكا التجاريين الكبار على جعل مصر وجهة جذب للاستثمارات الصناعية المصدرة لأمريكا.

"وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع معدلات التضخم في تركيا إلى زيادة تكاليف الإنتاج هناك، ما عزز تنافسية مصر كمنافس رئيسي في سلاسل التوريد العالمية، خصوصًا في قطاع المنسوجات"، كما يضيف جنينه.

تحديات تطبيق السردية

لكن أبو الفتوح يحذر من التحديات الجيوسياسية، مثل التوترات الإقليمية، التي قد تضع عراقيل أمام تنفيذ السردية الجديدة.

وشنت إسرائيل هجومًا جويًا الثلاثاء على قادة لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، لأول مرة، لتوسع نطاق حربها على الحركة التي بدأت قبل عامين.

وترى الباحثة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية مي قابيل أن التصورات المعلنة لا تعالج المشكلات الهيكلية للاقتصاد، ما قد يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها، وقالت لـ المنصة إن "السردية المعلنة تشبه برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي الذي تطبقه مصر بموجب تسهيل صندوق النقد الائتماني، ولا يعكس رؤية تنموية حقيقية. تغيير مسمى برنامج الإصلاح لسردية لا يعني أنها رؤية جديدة".

وتشير إلى أن حديث رئيس الوزراء بشأن خفض الدين غالبًا ما يعول على الاعتماد على جذب تدفقات مؤقتة من الخليج وهو ما لن يمثل علاجًا جذريًا لهذا الملف "معدلات الدين عادت للارتفاع موخرًا رغم تسلم مصر كافة قيمة صفقة رأس الحكمة وبالتالي لا يمكن التعويل على ذلك حتى مع إعلان صفقات جديد".

ولا تستبعد مي قابيل لجوء مصر مجددًا للصندوق، في ظل عدم اتباعها لسياسات تعالج المشكلات الهيكلية للاقتصاد تقوم على زيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل حقيقة وليست هامشية أو موسمية.