كشفت منظمة Equality Now في تقرير إقليمي جديد، عن عدم تجريم أي من أعضاء جامعة الدول العربية صراحةً للاغتصاب الزوجي "ففي الأردن وفلسطين (الضفة الغربية) وسوريا تَنص قوانين العقوبات صراحةً على استثناء العلاقة الزوجية من تعريف الاغتصاب"، أما الصومال والسودان واليمن فتُكرّس قوانينها ما يُعرف بـ"حق الزوج في المعاشرة الجنسية، بغضّ النظر عن موافقة الزوجة"، وفي مصر لا يختلف الوضع كثيرًا، وفق التقرير.
وقال التقرير الذي أطلقته Equality Now أمس الثلاثاء في القاهرة، خلال مؤتمر بعنوان "البحث عن العدالة.. قوانين الاغتصاب في الدول العربية" بالتعاون مع منظمة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية، إن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية "لا تضع تعريفًا كافيًا لجريمة الاغتصاب، ولا تقوم بالملاحقة القضائية أو المعالجة الكافية لجريمة الاغتصاب ما يترك النساء والفتيات دون حماية قانونية حقيقية".
وEquality Now منظمة عالمية غير حكومية تأسست عام 1992، وتعمل على تعزيز حقوق المرأة والفتاة من خلال تحقيق المساواة القانونية وإنهاء الممارسات الضارة والاستغلال الجنسي.
وقالت مُمثلة المنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ديما دبوس "نريد مجتمعات تشعر فيها المرأة بالأمان والحماية قبل أن تطالب بالمساواة"، وأضافت خلال كلمتها بالمؤتمر أن "العالم يشهد الآن رد فعل عنيف ضد المرأة وحقوقها بالمطلق، فالمكاسب التي تحققت بعد عقود من النضال تتفكك في العديد من البلدان، وأجساد النساء والفتيات أصبحت أدوات وساحات حرب، لهذا السبب يعد التصدي للاغتصاب والعنف الجنسي في المجالين الخاص والعام أمرًا بالغ الأهمية".
"نعلم أن الحديث عن الاغتصاب مؤلم ومحرج ومزعج، وغالبًا ما يُوصم في جميع أنحاء العالم، ويزداد الوصم خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنسبة للضحايا، ومع ذلك علينا التحلي بالشجاعة والمسؤولية لتسليط الضوء على هذه القضية، وتمكين المرأة من الشعور بالأمان والإنصاف وضمان المساءلة والوصول إلى العدالة للضحايا"، تقول ديما دبوس.
ويُحلل التقرير القوانين المتعلقة بالاغتصاب والاعتداء الجنسي؛ كالعقوبات والعنف ضد النساء والفتيات والأحوال الشخصية، وذلك في الدول 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية.
مصر ولبنان.. فجوة بين القانون والتطبيق
ووفقًا للتقرير تعاني مصر ولبنان من فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والواقع العملي في أقسام الشرطة وقاعات المحاكم، فغالبًا ما تواجه الناجيات من الاغتصاب التشكيك في أقوالهن، وانتشار المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالجريمة، إلى جانب عقبات إجرائية تعطل الإبلاغ وتعيق تَقدم القضايا داخل النظام القضائي.
وذكر التقرير "معظم دول المنطقة العربية لا تزال تعتمد تعريفات لجريمة الاغتصاب ترتكز على استخدام القوة، دون الاعتراف بأن أي علاقة جنسية تُمارَس دون موافقة حرة وواعية تُعد اغتصابًا، ففي جيبوتي ولبنان وليبيا وفلسطين والصومال والسودان وسوريا يُعرف الاغتصاب فقط بأنه الفعل الذي ينطوي على استخدام القوة".
وقال التقرير إن معظم قوانين العقوبات في المنطقة "تُعرِف الاغتصاب بشكل ضيق على أنه إيلاج القضيب في المهبل، ولا تصنف الأفعال الجنسية غير الرضائية الأخرى مثل الإيلاج الشرجي أو الفموي أو الإيلاج باستخدام أدوات اغتصابًا من الناحية القانونية. وعادة ما تندرج هذه الأفعال تحت جرائم أقل شأنًا، مما يؤدي إلى عقوبات أخف".
وقال التقرير إنه في دول مثل الجزائر والعراق ولبنان وسوريا "تُتيح بعض القوانين للمغتصب أو الخاطف الإفلات من الملاحقة القضائية في حال تَزوّج ضحيته"، فيما يعرف بقوانين "الزواج من المغتصب"، ورغم مطالب المجتمع المدني برفض هذه القوانين، لا يزال تطبيق الإصلاحات متفاوتًا "وتُجبر بعض الناجيات (خاصة القاصرات) على الزواج من مغتصبهن تحت ضغوط أسرية أو أمنية أو قضائية".
وكشف التقرير أن "اللغة القانونية في العديد من قوانين عقوبات الدول العربية تعكس افتراضات تمييزية وأخلاقية"، حيث تُولي المجتمعات أهمية بالغة لما يُعرف بـ"عفة" النساء والفتيات، وغالبًا ما يُنظر إلى جريمة الاغتصاب باعتبارها اعتداء على "الآداب العامة" أو "شرف" الأسرة أو القبيلة، بدلًا من كونها انتهاكًا لحقوق الضحية وسلامتها الجسدية.
"جهة استشارية وليس لدينا سلطة على أحد"
من جانبها أكدت مديرة منظمة المرأة العربية فاديا كيوان في تصريحات لـ المنصة أن المنظمة جهة استشارية ولا تمتلك سلطة لتوجيه الدول الأعضاء لتبني تعديلات تشريعية تتعلق بقضية الاغتصاب "ليس لدينا سلطة على أحد، وندعم الجهود من خلال الآليات الوطنية للمرأة كالمجالس القومية ووزارات المرأة، ودورنا المشورة، نُعطي رأينا مباشرة للحكومات حتى وإن لم يطلبوا منا ذلك، أما التنفيذ فهذه مسؤوليتهم".
وأضافت كيوان "هذا التقرير الباحث عن العدالة في قوانين الاغتصاب في دولنا العربية أصبح الآن في يد الحكومات، ونشجع كل الأعضاء الذين شاركونا المؤتمر اليوم بالعودة لبلادهن ونقل توصيات التقرير وحث حكوماتهن على تطوير التشريعات الوطنية".
ونفت كيوان، ردًا على سؤال لـ المنصة، أي عراقيل دينية أو سياسية تواجه إدخال تعريف جديد للاغتصاب وفقًا لتوصيات التقرير "لا توجد عراقيل، ولكن نحتاج فقط لتفكيك التابوه حول الاغتصاب، فليس هناك من سبب ولا ذريعة يمكن أن يقبلها ضميرنا الإنساني اليوم تقول بأن يتم إنكار أو تجاهل وقوع هذه الجريمة، والتي كشف التقرير أنها لا تطال النساء فقط بل الرجال أيضًا".
وفي نيسان/أبريل الماضي أعلنت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، عن إعداد مسودة ثانية لمقترح "القانون الموحد لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات"شاركت في إعداده 5 مؤسسات حقوقية، وذلك بعد 8 سنوات من إصدار المسودة الأولى.
وقتها أشار عضو اللجنة القانونية الخاصة بصياغة المسودة الثانية طارق خاطر في تصريحات لـ المنصة إلى قصور قانون العقوبات في تجريم الاغتصاب "حتى أبشع وأقذر جريمة عنف تُرتكب ضد المرأة، قانون العقوبات اللي عمره 95 سنة عاجز عن حماية النساء منها"، مشيرًا إلى تعريف القانون للاغتصاب وهو "من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد"، معتبرًا أن النص يعد جريمة في حق المرأة وحق المجتمع "لأن المُشرع اشترط أن تتم عملية الاتصال الجنسي مباشرة عبر الإيلاج المهبلي، ودون ذلك لا يُعد الفعل اغتصاب".
وأوصى تقرير Equality Now بضرورة اعتماد إصلاح للتعريفات القانونية، واعتماد تعريفات للاغتصاب تستند إلى غياب الرضا، بما يتماشى مع المعايير الدولية "نريد فتح حوار مُلح ومهم تم تجاهله لفترة طويلة جداً، وندعو حكومات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لإجراء إصلاحات قانونية عاجلة وشاملة في مواجهة جرائم العنف الجنسي، تستند إلى مبدأ الرضا، وتصون كرامة الناجيات، وتضمن وجود آليات إنفاذ فعالة"، حسب ديما دبوس.