كثفّ جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الاثنين حتى فجر الثلاثاء، قصف المباني السكنية والأبراج في مدينة غزة، بعد ساعات من تهديدات وزير الدفاع يسرائيل كاتس بتصعيد عمليات التدمير والقصف لدفع حركة حماس نحو إطلاق سراح المحتجزين.
وكتب كاتس على إكس "اليوم ستضرب عاصفة مدمرة سماء مدينة غزة وستهتز أسطح أبراج الإرهاب"، موجهًا إنذارًا أخيرًا إلى قيادات حماس في الخارج "أطلقوا سراح الأسرى وألقوا السلاح وإلا سندمر غزة وأنتم ستبادون".
وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي إلى مواصلة الاستعداد لتوسيع العملية العسكرية في مدينة غزة وشمال القطاع ضمن خطة السيطرة على مدينة غزة.
وفجر الثامن من أغسطس/آب الماضي، أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية/الكابينت خطةً اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "للسيطرة العسكرية الكاملة" على مدينة غزة، ووقتها أعلن جيش الاحتلال أنه سيزود الفلسطينيين في قطاع غزة بخيام ومعدات إيواء استعدادًا لنقلهم من مناطق القتال إلى جنوب القطاع "حفاظًا على أمنهم".
وعقب تهديدات كاتس وصلت عشرات من أوامر الإخلاء الفوري لمواطنين في مناطق وسط وغرب مدينة غزة، ما اضطرهم للهرب خوفًا من الاستهداف.
وقال مصدر صحفي لـ المنصة طالبًا عدم نشر اسمه إن سكان أكثر من 25 منزلًا في منطقة الصحابة والنفق والشعبية بحي الدرج وسط المدينة، تلقوا أوامر إخلاء عبر اتصالات هاتفية بشكل منفصل ومتتالٍ من جيش الاحتلال، ليهربوا دون أن يتمكنوا من حمل أمتعتهم واحتياجاتهم.
وأشار إلى تركيز الاحتلال على عدد من المربعات السكنية بحي الدرج خلال الأيام الأخيرة الماضية، مُجبرًا عشرات العائلات على البحث عن مأوى بديل.
وأوضح أن بعض المنازل التي أمر بإخلائها كانت تؤوي أكثر من عائلة اضطرت للنزوح بعد فقد منازلهم بسبب تزايد عمليات القصف والتدمير.
وتوالت عمليات القصف للمباني السكنية متسببةً في تدمير عدد منها وتشريد السكان والنازحين، كما تسبب القصف في تدمير عدد من خيام ومخيمات النازحين المجاورة للمباني المستهدفة.
ودمرت طائرات الاحتلال برج الرؤيا 2 في حي الرمال الجنوبي غرب مدينة غزة الذي يتكون من 12 طابقًا تجاريًا وكان يضم مقرات مؤسسات حقوقية وصحفية وشركات تجارية وناديًا رياضيًّا ومقاهي، وذلك عقب إصدار أمر إخلاء فوري.
وادعى الاحتلال استخدام حركة حماس للمبنى، وتركيب وسائل جمع معلومات استخبارية وزرع عبوات ناسفة ونقاط استطلاع، تهدف إلى كشف ومراقبة تحركات جيش الاحتلال المتوغلة في مختلف مناطق غزة.
وقال المواطن محمود توبة (46 عامًا) لـ المنصة إنه اضطر للنزوح والتنقل مع عائلته أكثر من 12 مرّة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية قبل قرابة عامين، بعد تدمير منزلهم شمال القطاع، وملاحقتهم نتيجة توسع العمليات العسكرية وانتقالها من منطقة لأخرى، مشيرًا إلى تدمير خيمته إثر استهداف برج الرؤيا.
وأشار إلى وجود المئات من خيام النازحين في مناطق محيطة بالبرج المستهدف، وقال إن الاحتلال يتعمد استهداف الأبراج السكنية التي تحيط بها خيام النازحين بهدف تدميرها وإجبارهم على النزوح وإخلاء المدينة.
وأضاف "إحنا صحيح اضطرينا نهرب ونبعد عن الخيمة والمخيم لحظة التهديد، وشفنا الموت والرعب مع القصف والتدمير والشظايا وولادنا كل يوم الخوف يزيد عندهم، لكن هنا قاعدين بدنا نرجع نعمل الخيمة ومش طالعين"، منوهًا بعدم توفر تكاليف النزوح، بالإضافة إلى أن القصف المتواصل في جميع المناطق لا يبقي على مكان آمن لعائلته.
واتفقت أم ممدوح (كما عرّفت نفسها) مع توبة في عدم توفر الأمان جنوب القطاع حيث يواصل جيش الاحتلال عمليات القصف والتوغل البري وقتل المدنيين في المنازل والخيام والطرقات، وهو ما يعزز لديها فكرة رفض النزوح والبقاء في غزة، مضيفة لـ المنصة "أنا نازحة مع عيلتي من الشجاعية وقاعدين بخيمة في الشارع، لكن إحنا هنا قريب من بيتنا وعندي أمل ممكن نقدر نرجع بوقت قريب، ليش بدي أبعد عنه ونرجع ننزح للجنوب".
وكانت أم ممدوح أُجبرت على النزوح القسري في بداية الحرب من منزلها واضطرت للتنقل من منطقة لأخرى جنوب ووسط القطاع، حتى تمكنت من العودة في فبراير/شباط الماضي، مشيرة إلى تدمير منزلها قبل عدّة أسابيع خلال التوغل البري في حي الشجاعية شرق غزة.
وتواصلت عمليات إصدار الإخلاءات وتدمير المنازل والمباني حتى ساعات الليل، حيث أمر جيش الاحتلال بإخلاء منزل وبناية سكنية في البلدة القديمة بجوار مستشفى المعمداني، قبل تدميرهما بصواريخ حربية، وكذلك طالب الجيش بإخلاء مربع سكني وثلاثة مخيمات للنازحين في شارع عمر المختار وسط المدينة، تبعها استهداف عمارة السلام السكنية التي جرى تدميرها بشكل كامل.
وقال مصدر صحفي آخر لـ المنصة، طالبًا عدم نشر اسمه، إن الاحتلال تسبب في تدمير عشرات الخيام المجاورة لعمارة السلام، ما أدى إلى تشريد العائلات خلال ساعات الليل، الأمر الذي دفعهم لافتراش الأرصفة والطرقات للمبيت عليها.
وأفاد مصدر طبي في وزارة الصحة بغزة لـ المنصة بوصول 64 ضحية من بينهم 42 قتلوا في قصف متفرق وعمليات قنص بمدينة غزة حتى فجر الثلاثاء، حيث تعرض عدد من المواطنين في حي الشيخ رضوان للقنص أمام منازلهم من قبل جنود الاحتلال.
وقال المواطن أحمد المدهون لـ المنصة إن الاحتلال قتل ابن عمه الشاب عزمي وهو يساعد أسرته في نقل أمتعتهم على شاحنة تمهيدًا للنزوح إلى جنوب قطاع غزة بسبب خطورة منطقة سكنهم، موضحًا "الاحتلال قنصه برصاصة وتصاوب على باب البيت، حاولنا نسحبه لكن إطلاق النار استمر حتى أصابه برصاصة ثانية أدت إلى مقتله".
وأشار المدهون إلى تزايد الخطورة في منطقة سكنهم بالشيخ رضوان بعدما أصبح مكشوفًا أمام تمركز قوات الاحتلال التي تبعد عنهم عدّة كيلومترات، بالإضافة إلى تزايد عمليات القصف بالطيران الحربي والمُسير وتعرض العشرات من المواطنين في الحي للقتل.
وقصف الاحتلال فجر الثلاثاء منزلًا بمخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة حيث تمكنت طواقم الإسعاف من انتشال عدد من المصابين بينهم أطفال، فيما لا يزال أكثر من 10 مواطنين تحت الأنقاض، وقال شاهد عيان لـ المنصة "الناس تحت الأنقاض عايشة وبتصرخ وبنحاول نحفر بإدينا نطلعهم، لكن الركام كثيف جدًا".
وفي 18 مارس/آذار الماضي، رفضت إسرائيل استكمال المرحلة الثانية من هدنة أقرتها في يناير/كانون الثاني الماضي، كان من المقرر أن تمتد إلى نهاية العدوان على غزة، واستأنفت حربها في القطاع التي بدأتها منذ السابع من أكتوبر 2023.
ويواجه الفلسطينيون في غزة إلى جانب المجاعة التي تفرضها إسرائيل على سكان القطاع قصفًا شبه يومي من جيش الاحتلال عند نقاط توزيع المساعدات، سواء بإطلاق الرصاص المباشر أو القصف الجوي أو إصدار أوامر للشاحنات بدهس النازحين الباحثين عن كرتونة مساعدات، ما أسفر عن مقتل المئات.