برخصة المشاع الإبداعي: Berthold Werner، ويكيبيديا
دير سانت كاترين، أرشيفية

دير سانت كاترين.. انقلاب على رئيس الأساقفة وتشكيك في نوايا الحكومة

قسم الأخبار
منشور الخميس 28 آب/أغسطس 2025

بعد أشهر من تعهد مصر بالحفاظ على الطابع الأرثوذوكسي اليوناني لدير سانت كاترين في جنوب سيناء وتأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة له، انفجرت أزمة جديدة داخل الدير، لكن الأزمة هذه المرة ليست بشكل مباشر مع الحكومة المصرية.

تصاعدت الأزمة في دير سانت كاترين هذه المرة من خلال صراع على القيادة والسيطرة، وبلغت الأحداث ذروتها عندما أقدم رئيس أساقفة سيناء ورئيس الدير المطران داميانوس على تحرك ضد مجموعة من الرهبان المعارضين لقيادته وصفهم بـ"المتآمرين الانقلابيين"، إذ طردهم من حرم الدير وأغلق أبوابه ليبقى هو وأتباعه في الداخل، إلا أن الرهبان لم يغادروا المنطقة وحاولوا منذ ذلك الحين العودة إليها مرارًا، حسب ما نشرته صحيفة كاثيميريني اليونانية في نسختها الإنجليزية اليوم.

وصفت الصحيفة اليونانية تحرك داميانوس بالمفاجئ، إلا أنه جاء كرد فعل لصراع دائر داخل الدير على الخلافة.

صراع على السلطة

تحرك داميانوس لاستعادة سلطته جاء عقب أسابيع من التوتر، فحسب كاثيميريني، وصل رئيس أساقفة سيناء إلى الدير في وقت مبكر من الثلاثاء الماضي، وواجه مقاومةً جديدةً من الرهبان الذين طالبوا سابقًا بعزله من منصبه رئيسًا للدير.

حسب ما نقلت الصحيفة اليونانية عن رئيس الأساقفة، قال إنه سعى إلى "الحوار مع مجموعة الرهبان المنشقين" في محاولة لحل الأزمة. وبدلًا من ذلك، عقدوا "جمعية غير شرعية، بهدف تعديل لوائح الدير" دون مشاركته، رغم أن النظام الأساسي يشترط أن يرأس رئيس الأساقفة هذه الإجراءات.

ووصف داميانوس ما تلا ذلك "هاجمني الرهبان المتمردون وأهانوني، تمامًا كما فعلوا خلال زيارتي الأخيرة. أما الرهبان الذين لم يشاركوا في الانقلاب، فقد دافعوا عني وعن الدير بتضحيات جسام، وطردوا المتمردين الخارجين عن القانون من أسوار الدير".

وأفاد مقربون من رئيس الأساقفة لكاثيميريني أنه "بعد طرد المنشقين أُغلقت أبواب الدير لمنع عودتهم. وانعقدت جمعية عامة للرهبان المتبقين على الفور. ومُنع المتمردون، الذين كانوا بالفعل تحت طائلة الحرمان الكنسي الذي فرضه عليهم داميانوس، من المشاركة. وانتخبت الجمعية مجلسًا جديدًا للرهبان".

وأشارت مصادر وصفتها الصحيفة اليونانية بالمطلعة إلى أن المعارضين "بدوا واثقين من أن عقوباتهم لا قيمة لها"، معتقدين أن رئيس الدير هو من عُزل. إلا أن داميانوس فرض العقوبات بصفته رئيس أساقفة سيناء، وهو موقف لم يستطيعوا معارضته.

وبينما يقول الرهبان المطرودون إن داميانوس "وصل برفقة حراس مُستأجرين واستخدم القوة لإخراجهم"، وهو ما ينفيه أنصاره، حذر داميانوس من أن "حياته في خطر" وطلب المساعدة من حكومتي اليونان ومصر. وقال مساعدوه إنه طلب من الشرطة المصرية التدخل "لكنها رفضت إبعاد الرهبان الذين حاولوا العودة" حسب كاثيميريني.

تؤكد كاثيميريني أن أثينا كانت على اطلاع تام بالتطورات، وتواصل مراقبة الوضع عن كثب، وترى أن ما حدث في الدير "يُهيئ مناخًا أكثر ملاءمة للتوصل إلى اتفاق مع السلطات المصرية بشأن وضع الدير"، مشيرة إلى استفادة السلطات المصرية من الاضطرابات المستمرة "لأنها تُبطئ إتمام اتفاق معلق بشأن الوضع القانوني للدير، إذ يُعتبر داميانوس حاليًا الشخص الوحيد الذي يحمل الجنسية المصرية ويُمكنه توقيع اتفاق بين مصر واليونان. وفي حال استبداله، سيحتاج خليفته أولًا إلى الحصول على الجنسية، وهي خطوة قد تُغير شروط التفاوض".

وسبق أن صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليونانية لانا زوهيو بأن الحكومتين، المصرية واليونانية، تسعيان للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الطابع الأرثوذكسي المقدّس للمنطقة.

ولا يزال داميانوس والرهبان المتبقون معه داخل الدير يرفضون السماح لأي شخص بالدخول، فيما لم تُصدر مصر أي بيان حول الأمر، لكن موقع orthodoxia اليوناني أشار أمس إلى وجود قوة أمنية خارج الدير، قائلًا "يبدو أن لديها تعليمات بالانحياز إلى الانقلابيين".

أما iefimerida اليوناني فقال إن الشرطة المصرية "تم استدعاؤها من قبل رئيس الدير لاستعادة الشرعية، لكنها رفضت التدخل، ما سمح باستمرار حصار الدير من قبل الرهبان المطرودين".

لائحة اتهام

في وثيقة من 23 صفحة نشرها orthodoxia تحمل علامتي "سري" و"سري للغاية" وقال إنها كتبت في 19 أغسطس/آب الحالي، يُحلل الرهبان المعارضون الأسباب الكاملة وراء عزلهم داميانوس، وبينها أسباب قانونية وأخلاقية وإدارية.

يتهم الرهبان في الوثيقة داميانوس بـ"الخيانة العظمى"، ووفق روايتهم، كان رئيس الأساقفة موجودًا في أثينا يدعم لائحة تنظم قانونًا جديدًا للدير دون موافقة أو مشورة منهم.

وحسب الوثيقة، أمضى داميانوس في السنوات الأخيرة شهرين أو ثلاثة فقط في سيناء سنويًا، ولم يكن في الدير بل في أماكن إقامة سياحية، وكان غائبًا حتى في الأعياد الكبرى، مثل عيدي الفصح والميلاد، بينما ظهر في مناسبات أخرى لبضع ساعات فقط.

وفي المجال المالي، أشارت لائحة الاتهام إلى بيعه عقارات دون قرار من الجمعية العامة، وقالت إنه في عام 2024 خصص 60 ألف يورو فقط للدير من إيرادات تجاوزت 530 ألف يورو، بينما تجاوزت مصروفاته الشخصية 62 ألفًا.

وأشارت الوثيقة إلى عدد من المخالفات الإدارية منها "محاولات طرد رهبان دون سبب، وتسجيل أعضاء جدد دون الإجراءات المقررة".

تعهدات مصرية

وزير الخارجية بدر عبد العاطي ونظيره اليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس، 4 يونيو 2025

اعتبر orthodoxia أن قرار إقالة المطران داميانوس ليس مجرد حدث داخلي، بل يأتي في وقت يواجه فيه الدير منعطفًا صعبًا للغاية في علاقاته مع الدولة المصرية. ففي مايو/أيار الماضي أثار حكم محكمة استئناف الإسماعيلية الذي قضى بأحقية رهبان دير سانت كاترين في الانتفاع بالأراضي التي يستغلونها، مع تأكيد ملكية الدولة لها بوصفها من الأملاك العامة، مخاوف من نية السلطات مصادرة أراضي الدير التاريخية.

وأثار الحكم، الذي أشار إلى أن بعض الأراضي المتنازع عليها تعتبر محميات طبيعية لا يجوز تملكها أو التصرف فيها، انتقادات كنسية حادة، إذ وصفه رئيس أساقفة أثينا وسائر اليونان إيرونيموس الثاني بأنه "إلغاء لأي مفهوم للقانون"، كونه "يشكل تعديًا على ممتلكات الكنيسة"، التي حذر من مصادرتها.

وبعد الحكم، أُثير جدل حول استمرار الكهنة داخل الدير، الذي يتبع كنسيًا بطريركية الروم الأرثوذوكس في القدس، وهي ذات جذور يونانية، والمناطق المحيطة به، والتي تشهد تطويرًا ضمن خطة الدولة زيادة حجم السياحة الدينية الوافدة للمنطقة.

وردًا على ذلك، أكدت رئاسة الجمهورية في بيان رسمي خلال مايو "التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة"، وعلق البيان على الحكم بأنه يمثل "ترسيخًا قانونيًا لهذه المكانة المتميزة".

وقالت وزارة الخارجية المصرية إن ما أشيع حول مصادرة الدير والأراضي التابعة له "عارٍ تمامًا من الصحة"، مشددًا على أنه "لا مساس على الإطلاق بدير سانت كاترين والأماكن الأثرية التابعة له".

أما المتحدث باسم الحكومة اليونانية بافلوس ماريناكيس فقال إن "اليونان ستعرب عن موقفها الرسمي متى أصبح المضمون الرسمي والكامل للقرار القضائي معروفًا وتتم دراسته"، مؤكدًا في الوقت عينه التزام البلدين "الحفاظ على الطابع الأرثوذكسي الديني للدير".

لكن الرئيس السيسي أكد وقتها التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة للدير وعدم المساس بها، مشددًا على احترام مصر للطابع المقدس للموقع، وذلك في اتصال هاتفي تلقاه من رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس.

ولم يكن هذا التعهد المصري الوحيد لليونان آنذاك، إذ حصلت أثينا على تعهد مصري آخر في يونيو/حزيران الماضي بالحفاظ على الطابع الأرثوذوكسي اليوناني للدير، عقب محادثات موسعة في القاهرة، في تفاؤل عده وقتها إعلام يوناني بـ"الحذر".

وشدد في يونيو الماضي وزير الخارجية بدر عبد العاطي، خلال استقباله نظيره اليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس في القاهرة، على عدم المساس بدير سانت كاترين والأماكن الأثرية التابعة له، مع التأكيد على قيمته الروحية ومكانته الدينية.

وتعليقًا على تلك الزيارة، قال iefimerida، إن الدبلوماسية اليونانية تهدف إلى إيجاد الحل الأمثل للمجتمع الرهباني، دون المساس بالعلاقات اليونانية المصرية، ووصف مصدر دبلوماسي رفيع المستوى لم يسمه الموقع اليوناني المحادثات بالـ"صعبة رغم حسن النية المصري تجاه الجانب اليوناني"، مؤكدًا أن أثينا تنوي "النضال" من أجل أفضل نتيجة ممكنة.

أما موقع Capital اليوناني، فاعتبر أن حل الأزمة يكمن في "اعتراف القاهرة الخطي لدى اليونسكو بملكية دير سانت كاترين للمباني والأراضي".

ويشكل هذا الموقع التاريخي رمزًا دينيًا وحضاريًا، ويضم في قلبه رفات القديسة كاترين، ما يجعله مزارًا هامًا للمسيحيين الأرثوذوكس حول العالم، وخاصة من اليونان.