الصفحة الرسمية للحركة المدنية الديمقراطية على فيسبوك
أهالي قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية في انتظار تشييع جثامين ضحايا الحادث، 27 يونيو 2025

تقرير حقوقي:  مأساة "فتيات المنوفية" تكشف استغلالًا ممنهجًا للعاملات بالزراعة

محمد نابليون
منشور الخميس 24 يوليو 2025

سلّط تقرير صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان اليوم، الضوء على الظروف القاسية التي تعيشها العاملات في القطاع الزراعي في مصر، مشيرًا إلى أن حادث الطريق الإقليمي الذي أدى إلى مصرع 18 فتاة من العاملات الموسميات في محافظة المنوفية في يونيو/حزيران الماضي ليس حادثًا عرضيًا، بل "نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية تُقدِّم الربح والتصدير على حساب حقوق الإنسان وسلامة العاملات".

وحسب التقرير، جاء الحادث ليكشف عن تناقض صارخ بين الخطاب الرسمي للدولة الذي أعلنه وزير الزراعة في مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة "الفاو" نهاية يونيو الماضي، حول التزام مصر بتنمية سلاسل قيمة زراعية شاملة ومستدامة، وبين الواقع "المرير" الذي تواجهه النساء في هذا القطاع، واللاتي يشكلن "الحلقة الأضعف والأكثر استغلالًا".

حقوق منتهكة

أشار التقرير إلى "ظروف عمل قاسية وغير إنسانية تتعرض لها العاملات الزراعيات"، وتحديدًا ضحايا الحادث، تتضمن تدني الأجور، إذ يبلغ الأجر اليومي للعاملة 120 جنيهًا مصريًا، وهو ما لم يشهد أي تغيير منذ عام 2018 بالرغم من التضخم الهائل وتحرير سعر الصرف المتكرر، بل قد ينخفض هذا الأجر إلى 70 جنيهًا فقط في أعمال الحصاد والجمع.

وضمن الظروف القاسية أيضًا، ركز التقرير على ما كشفته الحادثة من توظيف قاصرات دون سن الخامسة عشرة، في انتهاك مباشر لقانون العمل المصري الذي يحظر تشغيل الأطفال، عوضًا عن ساعات عمل الطويلة، حيث ثبت أن هؤلاء الفتيات كُن يعملن لساعات تتجاوز العشر والاثنتى عشرة ساعة يوميًا، وهو ما يخالف القانون الذي يحدد الحد الأقصى لعمل الأطفال بست ساعات فقط.

وفضلًا عما سبق، شدد التقرير على أن ظروف العمل القاسية تلك تشهد انعدامًا تامًا للسلامة المهنية، حيث تُجبر العاملات على العمل دون تزويدهن بأي أدوات وقائية للتعامل مع بيئة العمل الخطرة، مثل المبيدات الكيماوية، مما يعرض صحتهن العامة والإنجابية لمخاطر جسيمة.

استراتيجيات تمكين لا تحمي 

وعلى صعيد التعامل الحكومي مع تلك الأوضاع، انتقد التقرير "الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030"، مشيرًا إلى أنها على الرغم من اعترافها بأن القطاع الزراعي يستوعب 25% من طاقة النساء في القطاع غير الرسمي، إلا أنها لم توفر لهن الحماية الكافية.

واعتبر أن الاستراتيجية ركزت بدلًا من ذلك على تمكين النساء في القطاعات الرسمية الأكثر حظاً، واكتفت بالدعوة لوضع قوانين "فضفاضة" لحماية العاملات في القطاع غير الرسمي دون آليات تنفيذ واضحة.

ونوه التقرير إلى أن قانون العمل الجديد، المزمع تطبيقه في سبتمبر/أيلول 2025، لا يوفر هو الآخر حماية كافية للعاملات الموسميات، بل أحال تنظيم شؤونهن إلى قرارات وزارية، مما يبقي على حالة غياب الضمانات القانونية والحمائية لهن، وأبرزها عدم وجود عقود عمل.

نقل غير آمن وتعويضات في مهب الريح

وأبرزت الحادثة، وفقًا للتقرير، غياب أي التزام من جانب أصحاب العمل بتوفير وسائل نقل آمنة للعاملات، حيث يتم الاعتماد على "مقاول أنفار" يستخدم سيارات متهالكة وغير مخصصة للطرق السريعة، ويقوم بتحميلها بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية لتقليل النفقات التي تُقتطع من أجور العاملات الزهيدة أصلاً.

وحتى بعد وقوع الكارثة، يطرح التقرير تساؤلات حول مصداقية التعويضات التي وُعدت بها أسر الضحايا، حيث "أفادت تقارير بعدم صرفها أو بتدخل جهات إدارية لاقتطاع نصف مبالغ التعويضات من الأهالي وإجبارهم على التبرع بها للدولة".

وإزاء ذلك، أوصى التقرير بضرورة إعادة النظر في سياسات دمج النساء في سلاسل الإنتاج الزراعي لضمان حقوقهن الأساسية في الأجر العادل، وعقود العمل، والتأمين الصحي.

كما طالب يتضمين شروط واضحة للحماية والسلامة للنساء العاملات في الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية، فضلًا عن توسيع برامج الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة غير المنتظمة من النساء للتصدي للفقر.

وأخيرًا، دعا التقرير الدول المستوردة للمنتجات المصرية للتأكد من أن عمليات الإنتاج لا تنتهك حقوق المرأة والطفل قبل إبرام أي عقود استيراد.

وفي وقت سابق، اعتبرت الحركة المدنية الديمقراطية أن حادث الطريق الإقليمي "صورة موجعة لانعدام العدالة الاجتماعية وغياب الحد الأدنى من مقومات الأمان والكرامة للعاملات في مصر".

ولم تكن واقعة مصرع الـ18 فتاة في المنوفية هي الأولى، بالنسبة لأرواح العاملات، ففي 21 مايو/أيار 2024، لقيت 17 فتاة مصرعهن وأصيبت ثمانية أخريات، إثر سقوط سيارة ميكروباص كانت تقلهن، من أعلى معدية نهرية بمنطقة أبو غالب بدائرة مركز شرطة منشأة القناطر، وكن عائدات من عملهن بإحدى مزارع محافظة المنوفية.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، لقي 8 شباب وفتيات، مصرعهم إثر سقوط سيارة نصف نقل كانت تقل 22 عامل وعاملة دون سن الـ18 عشر، من أعلى معدية بفرع رشيد، بالقرب من قرية القطا التابعة لمركز منشأة القناطر بالجيزة، خلال عودتهم من العمل بإحدى مزارع الدواجن، إلى منازلهم بقرية التفتيش التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية.