أثار قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي تخصيص نحو 41.5 ألف فدان أو ما يزيد على 174 مليون متر مربع في منطقة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية بغرض دعم إصدارات الصكوك السيادية وخفض الدين العام، جدلًا واسعًا حول ما إذا كان القرار يمثل تفريطًا في الأصول أم تيسيرًا لتوفير التمويل للدولة.
وأثار القرار تساؤلات بشأن علاقة الأراضي بالصكوك، ومدى رقابة البرلمان على قرارات إصدار الدين، وطبيعة الأراضي الواردة في قرار الرئيس وفرصها الاستثمارية.
الصكوك .. هل تحد من التفريط في الأصول؟
ربط قرار رئيس الجمهورية تخصيص مساحات هائلة على شواطئ البحر الأحمر بإصدار صكوك سيادية، وحسب أحمد شوقي سليمان، خبير الصيرفة الإسلامية، فإن إصدار الصكوك يتطلب غطاء من أصول قائمة، لطبيعة هذا النمط من أدوات الدين.
وقال سليمان لـ المنصة، "يتم استخدام قطعة أرض مثلًا كضمان للصك ضد مخاطر التعثر، ويكون لمالك الصك/الدائن حق الانتفاع بالريع الناتج عن الأصل/الأرض دون ملكية الأصل بشكل مباشر".
وكانت مصر أصدرت قانونًا في 2021 لتنظيم عمل الصكوك السيادية، نص على إمكانية إنشاء "شركة تصكيك سيادي" تقوم بإصدار الصك نيابة عن الدولة، وفي نفس الوقت تمثل المستثمرين/حملة الصكوك الذين لديهم حق الانتفاع بتلك الأصول.
وأوضح سليمان أن "القانون لا يمنح المستثمرين الملكية الكاملة للأراضي التي تغطي الصك، وإنما يمنحهم الحق في الاستفادة من عوائدها، مثل إقامة مشروعات فندقية أو سياحية على الأرض".
وكانت صفقة رأس الحكمة، التي تم من خلالها إسقاط ديون خارجية للإمارات مقابل منحها مساحات من الأراضي الساحلية، تعرضت لانتقادات باعتبارها تفريطًا في الأصول العامة، ما دفع رئيس الوزراء للدفاع عنها بقوله إنها "شراكة استثمارية وليست بيعًا للأصول".
وفي رأي سليمان فإن الصكوك السيادية تمثل صيغة للاستدانة تحافظ على ملكية الدولة للأرض، وفي الوقت نفسه تعتمد في سداد الدين على عوائد من الاقتصاد الحقيقي، موضحًا أن "فكرة الصكوك تقوم على توفير موارد للدولة بالاعتماد على جذب استثمارات لأصولها القائمة".
وأشار إلى أن الصكوك تشمل أنماطًا عدة تحدد علاقة المستثمر بالأرض، لكنها في مجملها تحافظ على ملكية الدولة للأصل، وقال "صكوك الإجارة، على سبيل المثال، تتيح للمستثمرين الحصول على عوائد من المشروع من خلال ملكية منفعة المشروع وامتلاكها لحصة شائعة فيه دون امتلاك الأصل نفسه، ما يجعلها أداة آمنة تحافظ على سيادة الدولة وتوفر في الوقت ذاته سيولة قابلة للتوظيف في مشروعات تنموية مستدامة".
وكان الإصدار الوحيد للصكوك السيادية من الحكومة المصرية إصدارًا دوليًا في 2023، وجاء محملًا بفائدة مرتفعة تقارب الـ 11%، لكن إيهاب رشاد، نائب رئيس شركة مباشر كابيتال هولدنج للاستثمارات المالية، توقع أن تكون الإصدارات الجديدة من الصكوك محملة بفائدة أقل في ظل أجواء التيسير النقدي عالميًا.
وكانت الولايات المتحدة اتجهت للتشديد النقدي مع تفاقم التضخم العالمي على أثر الحرب الروسية الأوكرانية، وبدأت في خفض أسعار الفائدة في 2024 ما ساهم في خفض تكاليف الديون عالميًا.
وتوقع رشاد ألا تتجاوز الفائدة على الصكوك المصرية الجديدة 8% على الأرجح، في ظل توقعات بتراجع أسعار الفائدة عالميًا، خصوصًا مع احتمالية خفض الفيدرالي الأمريكي لأسعاره تدريجيًا.
لماذا لا نملك حق الرقابة على الصكوك؟
بفرض أن الصكوك السيادية أداة أفضل للاستدانة من السندات التقليدية، لكنها تظل محل نقد باعتبارها وسيلة للتصرف في مساحات ضخمة من الأصول لا تخضع لرقابة مجلس النواب.
يوضح النائب إيهاب رمزي، عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، لـ المنصة أن قرارات تخصيص الأراضي لا تمر على مجلس النواب بموجب الدستور والقانون.
يشير رمزي إلى أن مجلس النواب مختص بالرقابة على السلطة التنفيذية، المتمثلة في الحكومة، وإعداد القوانين وإقرار القوانين وإصدارها، وإقرار الاتفاقيات والقروض، وإقرار الميزانية العامة للدولة، "هذه اختصاصات مجلس النواب على سبيل الحصر. فإذا كانت السلطة التنفيذية خصصت أراضي، فهذه قرارات إدارية ليس من سلطة مجلس النواب إقرارها أو رفضها".
وأضاف أن "سلطتنا رقابية لو رأينا أن هناك فسادًا أو مخالفة للقانون، في هذه الحالة نستخدم أدواتنا الرقابية، لكن ليس من سلطة مجلس النواب إقرار أو منع القرارات الإدارية".
ولفت رمزي إلى أن صفقة رأس الحكمة كانت قرار تخصيص ولم يتدخل مجلس النواب فيه، مثل القرار الرئاسي بشأن الصكوك السيادية، ولا يحق للمجلس التدخل إلا لو وجد أحد النواب شبهة فساد.
وحاول عضو مجلس النواب طمأنة المتخوفين من هذا النوع من القرارات معتبرًا أنها وسيلة لجذب المستثمرين وتتبعها معظم دول العالم، وقال "لا داعي لحالة الذعر"، مشيرًا إلى المستثمرين المصريين يشترون أيضًا أراضي للاستثمار في الإمارات والسعودية.
من ناحيته، اعتبر النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل القرار "فكرة ذكية جدًا"، مشيرًا إلى أن قراره النهائي وموقفه منها يترتبان على التفاصيل التي ما زالت غير معلنة.
وقال إمام لـ المنصة "فكرة أن الدولة تأخذ قطعة أرض تطرحها للاستثمار، والعائد يُستخدم لتخفيض الدين، سواء كان محليًا أم أجنبيًا فكرة ذكية، لكن السؤال؛ هل هذا الاستثمار سيكون عبر البيع والشراء أم بنظام حق الانتفاع؟ إذا كان حق انتفاع، فهذا ممتاز وتكون الفكرة عظيمة".
وأضاف "مشكلتي ليست مع البيع بحد ذاته، أنا ليبرالي ولا أمانع بيع أي شيء طالما يتم بشكل صحيح. الفكرة في التفاصيل. لو تمت عملية البيع بشفافية واضحة وطُرحت على الجميع، فلا مشكلة لدي. لذلك، أقول لك إن الشكل العام والتفاصيل هما الأهم".
ماذا نعرف عن أراضي الصكوك السيادية؟
منذ أن ظهر قرار رئيس الجمهورية في النشرة الرسمية أمس، ذكر أكثر من موقع صحفي أن هناك إصدارًا للصكوك السيادية تم ترتيبه بالفعل وسيتم تغطيته بقطعة أرض في منطقة رأس شقير.
ووفق حديث اللواء ممدوح نديم، رئيس مدينة رأس غارب بالبحر الأحمر، لـ المنصة، فإن رأس شقير، هي منطقة تعدين تقع على سواحل البحر الأحمر، كان مخططًا لها قبل صدور القرار الرئاسي الأخير أن تجتذب استثمارات إنتاجية.
وقال "كان مخططًا للمنطقة أن تجتذب مشروعات في مجال إنتاج الأمونيا الخضراء وطاقة الرياح".
فيما يكشف مصدر مسؤول بهيئة المجتمعات العمرانية لـ المنصة أن الأراضي الواردة في القرار الرئاسي، أعدت الحكومة تصورًا كاملًا لتعميرها، بحيث تضم مشروعات سكنية وتجارية ولإنتاج الطاقة الخضراء.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، "قيمة الأرض هناك ستختلف بشكل كبير مع تنفيذ المخطط المستهدف، لكنها ستظل أقل الأسعار عالميًا عند تقييمها بالدولار لتكون جاذبة للاستثمارات الأجنبية".
وأوضح أن "المنطقة جاذبة للمستثمرين العرب والسياح الأجانب بشكل كبير، كونها مشتى جاذبًا للغاية وتضم كميات كبيرة ومتنوعة من الشعاب المرجانية والمحميات الطبيعية الخلابة".
وبشكل عام، يرى مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، أن الأراضي محل التصكيك تعد أصولًا عالية الجاذبية للمستثمرين، ما سيعزز من إصدارات الصكوك المرتقبة.
وقال شفيع لـ المنصة إن الأراضي المخصصة للصكوك تفوق في حجمها منطقة رأس الحكمة، وهي قريبة من طريق العين السخنة والمناطق اللوجستية المحيطة بها ما "يعزز من فرص التصدير والاستثمار الصناعي فيها، ويجعلها أصلًا جاذبًا للتمويل".