حذّرت ورقة بحثية من تهديدات محتملة تحيط بتحرير العلاقة الإيجارية في نظام الإيجار القديم، أبرزها مساعي شركات استثمار عقاري وهيئات حكومية فاعلة في قطاع الإسكان، للاستحواذ على المباني الخاضعة لهذا النظام، وسط غياب ضمانات كافية لحماية المستأجرين أو تحقيق العدالة في إعادة توزيع الثروة العقارية.
الورقة التي أصدرتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وأعدها الباحث العمراني إبراهيم عز الدين، جاءت تحت عنوان "نظام الإيجار القديم والتحديات التشريعية والعمرانية في مصر".
ناقشت الورقة تعقيدات النظام الراهن من زوايا قانونية واجتماعية واقتصادية، مؤكدة أن العلاقة الإيجارية القديمة باتت تمثل بؤرة صراع بين ثلاث قوى رئيسية؛ المستأجرين، والملاك، وطرف ثالث يتمثل في شركات الاستثمار والهيئات الحكومية الساعية للهيمنة على العقارات.
ووفقًا للبيانات الواردة في الورقة، التي اعتمدت على تعداد سكان مصر 2017 الصادر عن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن نحو 7% من الأسر المصرية تقيم في وحدات تخضع لنظام الإيجار القديم، ويتركز 81% منهم في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية. ويبلغ عدد الوحدات العقارية التي يشملها النظام حوالي ثلاثة ملايين وحدة، 54% منها تُستخدم لأغراض سكنية، و46% تُستخدم لأغراض تجارية وإدارية وخدمية.
وأكدت الورقة أن النظام يمثل من جهة نقطة قوة كبيرة للمستأجرين، لما يوفره من استقرار سكني وإيجارات منخفضة، بينما يمثل من جهة أخرى نقطة ضَعف لأصحاب العقارات الذين لا يحققون عائدًا يتناسب مع القيمة السوقية لممتلكاتهم.
ورصَد عز الدين في الورقة تنامي دور طرف ثالث يستفيد من التغيرات الجارية، مشيرًا إلى أن شركات الاستثمار العقاري وهيئات حكومية تسعى للاستحواذ على العقارات القديمة وإعادة طرحها بأسعار مضاعفة.
واستشهد بحالة شركة "الإسماعيلية" التي استحوذت على نحو 15 ألف متر مربع من المباني التراثية في وسط البلد، تشمل قرابة 25 مبنًى من الطراز المعماري المميز.
وفي الاتجاه ذاته، استعادت شركة "مصر لإدارة الأصول العقارية"، التابعة لشركة مصر القابضة للتأمين، نحو 9000 متر مربع من الوحدات الخاضعة لنظام الإيجار القديم بوسط القاهرة، وبدأت في إعادة تسويقها بعد التوصل لاتفاق مع المستأجرين السابقين على نسبة من الأرباح المستقبلية.
وسلّطت الورقة الضوء على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة باعتبارها لاعبًا حكوميًا رئيسيًا، تسهّل لها الدولة الاستيلاء على الأراضي والمباني عبر قانون نزع الملكية. ومنذ تعديل قانون الهيئة في 2018، مُنحت صلاحية نزع ملكية أحياء كاملة، وهو ما وصفته الورقة بتحول جذري يُمكّن الهيئة من التوسع في تملّك المباني الخاضعة لنظام الإيجار القديم بعد إزالة العوائق القانونية، تمهيدًا لإعادة طرحها ضمن مشروعات جديدة بأسعار أقرب للقطاع الخاص.
ونبّهت الورقة إلى أن الهيئة تعتمد على سياسات تسويقية تحقق أقصى ربح، مثل بيع الوحدات للمصريين في الخارج بالدولار، ما يطرح تساؤلات حول عدالة توزيع موارد الدولة وفرص السكن الملائم للفئات الأقل دخلًا.
كما حذّرت من أن تحرير العلاقة الإيجارية، سواء بتشريع برلماني متوقع قبل نهاية الدورة الحالية في يونيو/ حزيران 2025، أو بتطبيق مؤجل بعد عدة سنوات، دون وجود ضمانات كافية، قد يؤدي إلى موجة من الإخلاء القسري، ويدفع العديد من الأسر إلى المساكن العشوائية أو غير الرسمية، في ظل فجوة كبيرة بين مستوى الإيجارات الجديد المتوقع وقدرة السكان الفعلية على الدفع.
وأوصت الورقة بفرض رقابة فعالة على سوق العقارات للحد من المضاربة، واعتماد سياسات ضريبية تضبط النشاط العقاري، وتوجيه الاستثمارات الحكومية والخاصة نحو الإسكان الاجتماعي والميسور، واستعادة الدولة لدورها في إنتاج الإسكان، والحد من منطق التربح، خاصة في المشروعات التي تستهدف الفئات المهمشة.
ودعت إلى إلزام المطورين العقاريين بتخصيص نسب من المشروعات للفئات غير القادرة، مع دعم مباشر للأسر من خلال برامج قروض ميسّرة أو أنظمة التأجير التمليكي، إلى جانب مراجعة قوانين التنمية العمرانية بما يضمن اتساقها مع مبادئ العدالة الاجتماعية، ووضع تعريف قانوني واضح للإخلاء القسري يراعي المعايير الدولية، مع توفير تعويضات وبدائل مناسبة للسكان المتضررين.
وفي إطار تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، دعت الورقة البحثية إلى اعتماد زيادات إيجارية تدريجية تراعي معدلات التضخم أو الدخل الفعلي، وإلغاء الامتداد التوريثي لعقود الإيجار باستثناء الزوجة ولمدة انتقالية محددة، وحصر الوحدات الشاغرة الخاضعة للإيجار القديم وتحريرها تدريجيًا بآليات تضمن الإنصاف، مع فرض قيود مشددة على إنهاء العقود أو الإخلاء دون بدائل سكنية مناسبة، وإنشاء صندوق دعم القيمة الإيجارية للمستأجرين والملاك، يتم تمويله من الدولة وعوائد التصالح في مخالفات البناء.
وشددت على ضرورة حماية المباني ذات القيمة التاريخية من الهدم أو البيع خلال الفترة الانتقالية، ومنع نقل ملكيتها لشركات استثمارية أو هيئات حكومية بهدف المضاربة.
وسبق أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية ثبات أجرة الأماكن المؤجرة لأغراض السكن الخاضعة للقانون رقم 136 سنة 1981، المعروف بقانون الإيجار القديم، وألزمت مجلس النواب بالتدخل "لإحداث التوازن في العلاقة الإيجارية".
وسبق ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023 إلى ضرورة تحديث قانون الإيجارات القديمة، مشيرًا إلى أن 2 مليون وحدة "أصحابها ماتوا" فارغة وغير مستغلة بسبب هذا القانون، لكن القانون لم يُدرج رسميًا على الأجندة التشريعية لمجلس النواب حتى الآن، واقتصر الأمر في فبراير/شباط الماضي على مخاطبة البرلمان الحكومة لحصر هذه الوحدات، تمهيدًا لحوار مجتمعي حول الملف. فيما تشهد لجان البرلمان المتخصصة مناقشات دورية لسيناريوهات إصلاح قانون الإيجار القديم.