نفى خبراء آثار صحة الادعاءات المتداولة بشأن وجود أعمدة أو مدينة ضخمة تحت هرم خفرع، وأكدوا لـ المنصة أنها مجرد "أكاذيب يروجها غير المتخصصين"، ولا تستند إلى أي دليل علمي موثوق.
وقال عالم الآثار الدكتور زاهي حواس لـ المنصة إن المجلس الأعلى للآثار لم يمنح أي تصاريح لإجراء أبحاث داخل هرم الملك خفرع، كما لم يتم استخدام أي أجهزة رادار للكشف عن محتوياته، ما يجعل جميع المزاعم حول وجود أعمدة تحته مجرد افتراضات واهية.
وأضاف أن قاعدة هرم خفرع منحوتة بالكامل من الصخر على عمق 8 أمتار، ولم تكشف أي دراسات أثرية حديثة عن وجود أي منشآت أو أعمدة أسفلها.
وأوضح "هذه الادعاءات ستظل مجرد شائعات لا تصمد أمام الحقائق العلمية، فالحضارة المصرية القديمة كانت عظيمة بإنجازاتها الحقيقية، وليس بالأساطير التي يروجها البعض لجذب الانتباه".
مدينة تحت الهرم!
جاءت تصريحات حواس ردًا على دراسة حديثة أثارت جدلًا عالميًا، حيث زعم فريق من الباحثين من إيطاليا واسكتلندا أنهم اكتشفوا "مدينة ضخمة تحت الأرض" تمتد لمسافة تزيد عن 6500 قدم أسفل أهرامات الجيزة، أي أنها أكبر بعشر مرات من الأهرامات نفسها.
وادعى الباحثون أنهم استخدموا تقنيات متطورة تعتمد على نبضات الرادار لإنشاء صور عالية الدقة للهياكل المزعومة تحت الأرض، بنفس الطريقة التي يستخدم بها السونار لرسم خرائط أعماق المحيطات.
وأشارت الدراسة، التي لم تخضع لمراجعة علمية مستقلة، إلى اكتشاف ثمانية هياكل أسطوانية رأسية تمتد لأكثر من 2100 قدم تحت الهرم، بالإضافة إلى مزيد من التكوينات غير المعروفة على عمق 4000 قدم، ووصف بيان صحفي صادر عن الفريق البحثي النتائج بأنها "رائدة"، معتبرًا أنها قد تعيد كتابة تاريخ مصر القديمة.
من جانبه، وصف عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير هذه الدراسة بأنها "ادعاءات تفتقر إلى أبسط المعايير العلمية، وتقع في دائرة المبالغات، بل وربما التضليل".
وأوضح عبد البصير لـ المنصة أن أي اكتشاف أثري حقيقي يجب أن يُنشر أولًا في دورية علمية موثوقة بعد مراجعة دقيقة من خبراء مستقلين، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة، حيث اقتصر الأمر على مؤتمر صحفي وتصريحات إعلامية، دون أي ورقة علمية منشورة أو إعلان رسمي من وزارة السياحة والآثار المصرية أو المجلس الأعلى للآثار.
وأضاف أن التقنيات الجيوفيزيائية مثل الرادار المخترق للأرض/GPR والتحليل الزلزالي قادرة على مسح أعماق محدودة لا تتجاوز عشرات الأمتار في أفضل الأحوال، لذا فإن الادعاء بوجود هياكل ضخمة على عمق 600 متر يعد خيالًا علميًا لا يستند إلى أي أساس تقني.
وأكد أن حتى أعمق الأنفاق في العالم لا تصل إلى هذه الأرقام بسهولة "فكيف يمكن الحديث عن غرف ضخمة تحت الأهرامات دون أن تترك أي أثر أو تتسبب في انهيارات"، لافتًا إلى أن "قاعات آمينتي" ليست سوى استدعاء للأساطير الهرمسية والغنوصية التي لا علاقة لها بعلم المصريات، ولم يظهر أي دليل نصي أو بردي يؤكد وجود مثل هذه القاعات في الحضارة المصرية القديمة.
فرقعة إعلامية
وأعرب مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية عن قلقه من أن أحد مروّجي هذه الادعاءات كورادو مالانجا هو باحث معروف في مجال "الأجسام الطائرة المجهولة/UFOs" وله تاريخ في الترويج لنظريات المؤامرة حول الكائنات الفضائية، مما يضع هذه الادعاءات في إطار الإثارة الإعلامية والشعبوية أكثر من كونها بحثًا علميًا جادًا.
وأكد عبد البصير أن العلم الأثري الحقيقي يعترف بوجود أنفاق وغرف صغيرة أسفل بعض الأهرامات، مثل بئر أوزوريس بهضبة الجيزة، والغرف التي كشفتها عمليات المسح الحديثة، لكن جميعها تقع ضمن حدود منطقية من حيث العمق والحجم، ولا ترقى إلى اعتبارها "مدينة تحت الأهرامات".
واختتم "نحن أمام موجة جديدة من الخيال يُسوَّق على أنه علم".
قوبلت هذه المزاعم بتشكيك واسع من قبل علماء مستقلين خارج مصر أيضًا، حيث وصفها خبير الرادار في جامعة دنفر والمتخصص في علم الآثار البروفيسور لورانس كونيرز بأنها "مبالغة كبيرة".
وأوضح لورانس لديلي ميل أن التكنولوجيا المستخدمة لا يمكنها اختراق الأرض إلى هذا العمق، ما يجعل فكرة وجود مدينة ضخمة تحت الأهرامات غير منطقية.
وقال عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة الدكتور عبد الرحيم ريحان لـ المنصة إن ادعاءات وجود مدينة سرية أسفل الأهرامات لا تستند إلى أي أدلة أثرية أو تاريخية، واصفًا إياها بأنها مجرد "فرقعة إعلامية" لا علاقة لها بالعلم.
وأوضح ريحان أن الدراسات الجادة التي أجريت على مدار عقود باستخدام تقنيات متطورة، لم تكشف عن أي بنى تحتية ضخمة أو أنفاق عميقة بحجم مدينة أسفل الأهرامات.
وأضاف أن الحضارة المصرية القديمة تركت لنا وثائق ونصوصًا تشير إلى طريقة بناء الأهرامات ووظائفها، ولم يرد في أي مصدر تاريخي موثوق أي إشارة إلى وجود مدينة خفية تحتها.
وتابع أن العلم الأثري يعتمد على الأدلة المادية الملموسة وليس على التخمينات المثيرة، داعيًا إلى تحري الدقة في نقل مثل هذه المعلومات وعدم الانسياق وراء الشائعات التي تفتقر إلى الأساس العلمي.