يبدأ مجلس النواب في جلسته العامة غدًا الأحد، مناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي أثارت مواده المتعلقة بالأخطاء الطبية والاعتداء على المنشآت وصندوق التعويضات عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء، الكثير من الجدل والاحتجاجات النقابية خلال الأشهر الماضية.
ووافقت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، على مشروع قانون المسؤولية الطبية وسلامة المريض، بعد إلغاء المادة 29 المثيرة للجدل، التي كانت تبيح الحبس الاحتياطي في الأخطاء الطبية.
وقال العضو المستقيل من مجلس النقابة العامة للأطباء إبراهيم الزيات، إن مشروع القانون إذا صدر بصيغته الحالية فسيكون "هو والعدم سواء"، مردفًا "لا تزال هناك العديد من التعديلات التي كانت سببًا في تقدمنا بالاستقالة من المجلس لعدم الاستجابة لها".
وكان الزيات واحدًا من خمسة أعضاء استقالوا من مجلس النقابة مطلع يناير الماضي، وهم أحمد على وأحمد السيد وطارق منصور وأحمد الهواري، عقب قرار مجلس النقابة بتأجيل اجتماع الجمعية العمومية اعتراضًا على مشروع القانون، بعد الاستجابة لبعض مطالب النقابة.
واعتبرت نقابة الأطباء في ديسمبر/كانون الأول أن مشروع القانون"يهدد المنظومة الصحية بالكامل"، وتضامنت معها نقابة الصحفيين.
ومنتصف يناير/كانون الثاني الماضي، التقى نقيب الأطباء، أسامة عبد الحي برئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي، وسلمه مطالب النقابة بشأن مشروع القانون، وتشمل ضرورة التمييز بوضوح بين المسؤولية المدنية والجنائية، وتعريف الإهمال الطبي الجسيم بشكل واضح ودقيق، وإلغاء عقوبة الغرامة في حالات الخطأ الفني الوارد حدوثه والاكتفاء بالتعويضات لجبر الضرر. أما الإهمال الجسيم فتكون عقوبته جنائية بالحبس أو الغرامة وتعويض المريض.
وقال الزيات لـ المنصة، إن مشروع القانون لا يتضمن موادَ تحاسب الطبيب الأجنبي حال وقوع أي أخطاء طبية، متابعًا "وفي حالة وجود طبيب مساعد مصري مع الطبيب الأجنبي الذي ارتكب الخطأ، فسيتحمل الطبيب المصري العواقب".
وشدد على ضرورة تغليظ عقوبات الاعتداء على المنشآت الطبية، حيث إنها ضعيفة مقارنة بالعقوبات الموجودة في الدول المجاورة، مستطردًا "لا يجوز أن تكون عقوبة الاعتداء على المنشآت الطبية غرامة قدرها 50 ألف جنيه والحبس لمدة عام، في حين غرامة الطبيب حال وقوع خطأ طبي تصل إلى 2 مليون جنيه وحبس يصل إلى 5 سنوات".
الحبس أو الغرامة
من ناحيتها، قالت عضوة لجنة الشؤون الصحية بالمجلس، إيرين سعيد، إنها تعتزم التقدم بطلب تعديل المادة 27 الخاصة بالعقوبات على مقدمي الخدمة الطبية، ليكون الحد الأدنى للغرامة مساويًا للحد الأدنى للأجور وألَّا يتجاوز الحد الأقصى 100 ألف جنيه.
وتنص المادة 27 من مشروع القانون الذي حصلت المنصة على نسخة منه، على أن يعاقب بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه كل من ارتكب خطأ طبيًا سبب ضررًا محققًا لمتلقي الخدمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سوات وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم.
وبررت إيرين سعيد لـ المنصة، اقتراحها بأن أجور غالبية الأطباء زهيدة ولا يستطيعون تحمل هذه الغرامة الكبيرة، مردفة "مرتبات أطباء المستشفيات الحكومية لا تتجاوز 9 أو 10 آلاف، وبالتالي إذا أخطا أحد منهم فإن الحد الأدنى للغرامة سيكون مساويًا لدخل عام من عمله".
وأعربت البرلمانية عن حزب الإصلاح والتنمية عن معارضتها مطلب الأطباء بإلغاء الغرامة ووصفته بأنه "أمر صعب للغاية"، وبررت ذلك بأن القانون "يجب أن يتضمن عقوبة جنائية، وبما أنه تم حذف المواد الخاصة بالحبس في قضايا الأخطاء الطبية، فكان هناك ضرورة لوضع بند الغرامة".
كما نوهت إلى عزمها طلب تعديل المادة 20 والخاصة بصندوق التعويضات عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية، لإلغاء مساهمة الصندوق في تعويض المتضررين من الخدمة الطبية، ليقتصر دوره على إحالتهم إلى شركة تأمين عن الأخطاء الطبية.
وقالت إن النص الحالي لا يضع حدودًا دنيا وقصوى لمساهمة الصندوق، فضلاً عن إنه لم يحدد حالات مساهمته جزئيًا وكليًا، كما إنه لم يتضمن شرائح تأمينية مختلفة، مستطردة "يجب أن تحل محله شركة تأمين يقوم الأطباء بتسديد اشتراكات إليها وبناء على المبلغ الذي يقوم الطبيب بدفعه للاشتراك ستحدد مظلة التغطية التأمينية المناسبة له".
غموض المسؤولية
واتفق عضو لجنة الشؤون الصحية مكرم رضوان، على ضرورة إدخال مزيد من التعديلات على مشروع القانون، مضيفًا أنه سيتقدم بتعديل لوضع تعريف واضح للطبيب المسؤول عن الحالة المرضية.
وأوضح رضوان لـ المنصة، قائلًا إن كل حالة مرضية يتابعها طبيب استشاري وطبيب مقيم، وبالتالي هذا قد يُنتِج غموضًا بشأن المسؤولية عن أي خطأ محتمل.
ورأى رضوان أن تخفيف العقوبات من شأنه توفير بيئة آمنة للأطباء، مستطردًا "ليس من الجيد أن يشعر الأطباء بالخوف والتردد قبل اتخاذ أي إجراءات طبية مع الحالات المرضية".
بدوره، قال نقيب الأطباء، أسامة عبد الحي، إنه رغم استجابة لجنة الشؤون الصحية لبعض التعديلات التى طرحتها النقابة على مشروع القانون، لا تزال هناك ملاحظات أساسية وجوهرية على القانون تتمسك بها النقابة، لضمان صدور قانون عادل ومنصف للمسؤولية الطبية.
فيما رأي الأمين العام الأسبق لنقابة الأطباء، إيهاب الطاهر، ضرورة تعديل تعريف الخطأ الطبي الجسيم، حيث إن مصطلحات "الإهمال" و"التقصير" و"الرعونة" و"عدم الاحتراز" هي مصطلحات مطاطة وتقبل التأويل، كما إنه من المحتمل محاسبة الطبيب على خطأ طبي غير جسيم بحجة أنه ينطوى على شبهة إهمال أو تقصير وعدم احتراز.
ويُعرِّف مشروع القانون الخطأ الطبي الجسيم بأنه الخطأ الطبي الذي يبلغ حدًا من الجسامة، بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققًا، وينشأ عن إهمال أو تقصير أو رعونة أو عدم احتراز، ويشمل ذلك على وجه الخصوص، ارتكاب الخطأ الطبي تحت تأثير مسكر أو مخدر أو غيرها من المؤثرات العقلية، أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبي أو عن طلب المساعدة له، على الرغم من القدرة على ذلك وقت وقوع الحادثة.
وقال الطاهر لـ المنصة إن "مطالبنا أن يتم تعريف الخطأ الجسيم بأنه الخطأ الذي وقع أحد الأسباب الآتية حصرًا: ممارسة المهنة بشكل متعمد خارج نطاق الترخيص فى غير حالات الطوارئ، أو العمل تحت تأثير مسكر أو مخدر، أو استخدام طرق علاجية تجريبية في غير حالات التجارب السريرية الرسمية، أو القيام بإجراء طبي مخالف للقوانين، مثل تجارة الأعضاء أو الإجهاض غير القانوني".