تصميم أحمد بلال لـ المنصة
رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع

تقدم عسكري للجيش السوداني.. هل يوقف مسارات "الدعم السريع" السياسية؟

أحمد سليم
منشور الخميس 27 فبراير 2025

سرَّع الجيش السوداني خطواته العسكرية نحو السيطرة على العاصمة الخرطوم، ويضاعف خطواته نحو فتح منافذ تصل بقواته إلى الجبهة الشرقية من مدنية الفاشر وهي عاصمة إقليم دارفور غربًا لفك الحصار عن قواته هناك، وذلك تزامنًا مع التوقيع على ميثاق سياسي تشارك فيه قوات الدعم السريع وعدد من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة في دارفور وكردفان تمهيدًا للإعلان عن حكومة موازية للحكومة السودانية التي تؤدي مهام عملها بشكل مؤقت من مدنية بورتسودان أقصى شرق البلاد.

واعتبر القيادي بحركة جيش تحرير السودان، جناح مني آركو مناوي، آدم والي، في تصريح لـ المنصة، أن الانتصارات العسكرية التي يحققها الجيش في أكثر من ولاية سيكون لها تأثيرها على الوضع السياسي، خاصة على الخطوات التي أقدمت عليها قوات الدعم السريع في نيروبي، فيما أكد عضو هيئة محامي دارفور نصر الدين يوسف لـ المنصة أن الحرب التي اندلعت في السودان قبل ما يقرب من عامين هي من أجل السلطة والثورة، كان يتم التخطيط لها مسبقًا من الطرفين ولم تندلع فجأة.

وأعلن الجيش السوداني، الاثنين، سيطرته على جسر "سوبا" الاستراتيجي على نهر النيل الأزرق أقصى جنوب العاصمة الخرطوم، مضيفًا "تم دحر المتمردين (الدعم السريع) في سوبا شرق وجسر سوبا وطردهم من الأعيان المدنية بالمنطقة"، فيما لم تعلق قوات الدعم السريع فورًا على بيان الجيش السوداني.

وتعد هذه المرة الأولى التي تصل فيها قوات الجيش إلى جسر سوبا منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان من العام 2023، إذ يمهد ذلك لدخول الجيش إلى منطقة شرق النيل التي ما زالت تحت سيطرة قوات الدعم السريع على أطراف العاصمة الخرطوم.

وتحد السيطرة على جسر سوبا من تحركات قوات الدعم السريع الموجودة في منطقة شرق النيل، التي لم يتبقَ لها غير جسر واحد "جسر المنشية" على النيل الأزرق والرابط بين شرق النيل وأحياء مدينة الخرطوم الشرقية.

والأحد، استعاد الجيش السيطرة على مدينة القطينة جنوب الخرطوم، وتقدم باتجاه منطقة جبل أولياء التي تعد مدخل الخرطوم من الناحية الجنوبية الغربية والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وبينما تسيطر "الدعم السريع" على جسر "سد جبل أولياء" الرابط بين مدينة الخرطوم وأم درمان على النيل الأبيض، أضحى الجيش السوداني محكمًا قبضته على الثمانية جسور الأخرى التي تربط بين مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وبحري وأم درمان، حسب وكالة الأناضول.

انسحابات متسارعة

وقال آدم والي القيادي بحركة جيش تحرير السودان جناح مني آركو مناوي (متحالفة مع الجيش السوداني) إن الانتصارات العسكرية التي يحققها الجيش في أكثر من ولاية سيكون لها تأثيرها على الوضع السياسي، خاصة على الخطوات التي أقدمت عليها قوات الدعم السريع في نيروبي، وأن استعادة ما يقرب من 80% من العاصمة الخرطوم يجعل مسلحي قوات الدعم في جزر منعزلة عن باقي أماكن سيطرتها وهؤلاء يطالبون بشكل مستمر بأن يصل إليهم الدعم غير أن ذلك لا يحدث على الأرض بفعل سيطرة الجيش على الجسور التي من شأنها أن تصل بالإمدادات إليهم.

وأضاف لـ المنصة أن سيطرة قوات الجيش على كثير من المناطق في الخرطوم دون قتال يبرهن على أن الانسحابات تأتي بشكل متسارع من قوات الدعم السريع وأنه ليست لديهم القدرة على الدخول في مواجهات مطولة ويؤثر ذلك على تماسكهم الميداني، وأن فرار العناصر المسلحين مع ترك الأسرى والسلاح والعربات العسكرية يشير لحالة إنهاك عسكري تسهل من مهمة إحكام السيطرة على العاصمة وكذلك القضاء على جيوب قوات الدعم على تخوم ولاية الجزيرة (وسط السودان).

وأشار إلى أن الجيش السوداني استطاع الأحد فك الحصار الواقع على مدينة الأُبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان وتقع في وسط السودان الغربي، وهو بذلك يتقدم خطوة نحو الطريق الذي يؤدي إلى مدينة الفاشر باعتبارها المدينة الوحيدة التي ما زالت تحت سيطرة الجيش في دارفور، وتخضع لحصار قوي من قوات الدعم السريع، مضيفًا "الخطوة القادمة نحو الوصول لمنطقة الفولة وهي عاصمة غرب كردفان وما زالت تسيطر عليها قوات الدعم السريع ثم الوصول إلى الفاشر من الجهة الشرقية".

وتابع "في حال تحقق ذلك فإن الجيش سيكون قد حاصر قوات الدعم السريع التي تدفع بعتاد يصل لأكثر من 20 ألف مقاتل وآلاف المدرعات والعربات العسكرية من الشمال حيث تتمركز القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش في الفاشر وكذلك من الشرق حال وصول القوات القادمة من كردفان"، لافتًا إلى أنه من المتوقع عند وصول القوات إلى منطقة ود بندة هي أيضًا تتبع غرب كردفان يبدأ تحرك الجيش شمالًا في الفاشر نحو فك الحصار المفروض عليها وسيكون هناك كماشة على قوات الدعم من الشمال والشرق".

وبدأت بوتيرة متسارعة، تتناقص مساحات سيطرة "الدعم السريع" لصالح الجيش بولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربًا لإقليم دارفور (5 ولايات) وتسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات فيه، بينما لم تمتد الحرب لشمال البلاد وشرقها.

ولم تحدد قوات الدعم السريع بعد موقع المدنية التي من المقرر أن تستضيف الحكومة الموازية المزمع تشكيلها، واكتفى الموقعون على الميثاق بالتأكيد على أن "الإعلان الرسمي عن تشكيل الحكومة وأعضائها سيكون "من داخل البلاد في الأيام المقبلة".

فيما توقع آدم والي أن تتجه قوات الدعم السريع للإعلان عن حكومتها من مدينة كادوا في ولاية جنوب كردفان وهي خاضعة لسيطرة الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو والذي وقع مؤخرًا على الميثاق السياسي، مشيرًا إلى أن الإعلان عن تشكيل حكومة من دارفور يبقى صعبًا لأنه لا يوجد توافق قبلي على قوات الدعم السريع، كما أن هذه المدينة تظل تحت سيطرة الحركة الشعبية منذ سنوات ويصعب الوصول إليها من جانب الجيش باعتبارها منطقة جبلية ومحصنة بسلاح الطيران.

وتتخذ قوات الحلو من منطقة كاودا بجبال النوبة بولاية جنوب كردفان منطقة "محررة"، ويحكمها بعيدًا عن الحكومة المركزية في الخرطوم منذ 2011.

وأنهى الجيش السوداني، الاثنين، جزئيًا الحصار المفروض على مدينة الدلنج، وهي ثاني أكبر مدن جنوب كردفان، بفتح الطريق القومي الذي يربطها بكادقلي، عاصمة الولاية، بعد دحر جيش الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو (تحالف مؤخرًا مع الدعم السريع).

وتتعرض الدلنج، منذ الأشهر الأولى لبدء الحرب، لحصار خانق فرضته خارطة السيطرة لأطراف النزاع في المنطقة، حيث تُضيّق الدعم السريع الخناق على البلدة من الناحية الشمالية والشرقية وتمنع مرور المساعدات الإنسانية والقوافل التجارية إلى المدينة، بينما تحاصر الحركة الشعبية شمال، الدلنج من الجهة الغربية والجنوبية، ولا يسمح عناصرها بمرور الذرة والدقيق بحجة أنها سلع استراتيجية يُحظر تداولها إلا في مناطق سيطرتهم.

حرب مخطط لها

من جانبه، أكد عضو هيئة محامي دارفور، نصر الدين يوسف، أن الحرب التي اندلعت في السودان قبل ما يقرب من عامين هي من أجل السلطة والثورة، وكان يتم التخطيط لها مسبقًا من الطرفين ولم تندلع فجأة، وكان ذلك مشجعًا للحركة الإسلامية التي كانت في السلطة قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير لأن تكون طرفًا رئيسيًا فيها بحثًا عن استعادة السلطة من خلال وجودها في المعارك إلى جانب الجيش، وسيطرتها على قرار المؤسسة العسكرية وبالتالي فإن الصراع يأخذ طابعًا عسكريًا وسياسيًا، ما يجعل تقدم الجيش العسكري يؤثر على ما هو سياسي.

وأكد في تصريح لـ المنصة أن تقدم الجيش عسكريًا يربك خطوات المجموعة التي وقعت على الميثاق السياسي وكذلك يحد من التحركات السياسية والعسكرية لقوات الدعم السريع، لأن الإعلان عن تشكيل حكومة موازية يستند على توفر الأرض والنفوذ العسكري والحاضنة الشعبية وإلا فإن هذه الحكومة ستكون كأن لم تكن وأن التجارب العديدة في المنطقة والتي ارتكنت فقط على تكوين حكومة من المنفي لم تجد دعما من المجتمع الدولي أو المنظمات الدولية ويظل تأثيرها محدودًا مقارنة بحكومة الأمر الواقع الحالية في بورتسودان.

وشدد على أن قوات الدعم السريع ترتكن على الحاضنة الشعبية بين القبائل العربية واسعة الانتشار في إقليم دارفور، وهناك تطور سياسي مهم في كون الموقعين على الميثاق السياسي انضمت إليهم بعض الحركات المسلحة وهي تتشكل من قبائل غير عربية وإفريقية كانت تحارب قوات الدعم السريع قبل سقوط نظام البشير أبرزها حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي التي يقودها عضو مجلس السيادة السابق الهادي إدريس وكذلك جزء من حركة العدل والمساواة جناح سليمان صندل إلى جانب اقتراب انضمام حركة جيش تحرير السودان جناج عبد الواحد محمد النور وهي صاحبة النفوذ القوي في دارفور.

ووقعت قوات الدعم السريع و23 كيانًا، السبت، ميثاقًا تأسيسيًا لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تخضع لسيطرتها، وجرت مراسم التوقيع في العاصمة الكينية نيروبي وسط تعتيم إعلامي، بعد أن أثارت الخطوة جدلًا واسعًا في السودان وكينيا.

ونص الميثاق الذي يعد بمثابة دستور مؤقت لدوائر الحكم المتوقع أن تكون في مناطق الدعم السريع على "تأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة"، وتضمن الميثاق أيضًا "حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني أو قيام أي حزب سياسي أو تنظيم سياسي بالدعاية السياسية على أساس ديني أو عنصري، وشدد على "أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية دون أدنى تمييز على أي أساس عرقي أو ديني أو ثقافي أو لغوي أو جهوي".

ومنذ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.