إعلام المجلس العسكري الانتقالي
البرهان وحميدتي خلال زيارة إلى تشاد، 17 يونيو 2019

"حكومة الدعم السريع".. ضغط سياسي أم اتجاه لتقسيم السودان؟

أحمد سليم
منشور الخميس 20 فبراير 2025

طغت التطورات السياسية على المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خصوصًا بعد الإعلان عن توقيع وثيقة الإعلان السياسي والدستوري المؤقت للحكومة الموازية المزمع إقامتها في مناطق سيطرة قوات محمد حمدان دقلو، فيما أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أمس إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية تمهيدًا لتشكيل حكومة "كفاءات وطنية".

وبينما أوضح مصدر يشارك في تجهيزات تشكيل الحكومة الموازية لـ المنصة أن مواقف الحكومة السودانية في بورتسودان ورفضها إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع السبب في تشكيل حكومة موازية، أكد المحامي والسياسي السوداني المعز حضرة لـ المنصة أن الأخطر من تشكيل الحكومة الموازية الآن هو استمرار الحرب.

وتستضيف العاصمة الكينية نيروبي غدًا التوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري الذي يقود لتشكيل مجلس رئاسي وحكومة موازية وتعيين مجلس تشريعي في مناطق سيطرة الدعم السريع.

محاولة للضغط

حظي انضمام رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال عبد العزيز الحلو لمعسكر الحكومة الموازية اهتمامًا واسعًا في السودان، بسبب قوته ورفضه السابق الانحياز لأي من طرفي الصراع.

وتتخذ قوات الحلو من منطقة كاودا بجبال النوبة بولاية جنوب كردفان منطقة "محررة"، ويحكمها بعيدًا عن الحكومة المركزية في الخرطوم منذ 2011، حسب الشرق الأوسط.

وقال مصدر مطلع يشارك في تجهيزات تشكيل الحكومة الموازية حاليًا في نيروبي لـ المنصة إن بعض الاعتراضات التي وجهها الحلو قادت لتأجيل التوقيع على الوثيقة السياسية، لكنها لن ترجئ التوقيع المقرر الجمعة، نافيًا وجود خلافات جوهرية.

وأشار إلى الرغبة في أن يكون الإعلان عن الميثاق بمثابة ضغط سياسي على الجيش السوداني نحو دفعه إلى الرضوخ لجهود السلام ووقف الحرب.

"مواقف الحكومة السودانية في بورتسودان هي التي دفعت نحو تشكيل حكومة موازية، بسبب رفضها إيصال المساعدات الإنسانية والخدمات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وكذلك رفضها إصدار الوثائق والأوراق الثبوتية بالنسبة للمواطنين في هذه المناطق، إلى جانب رفضها الانصياع لكل نداءات السلام من جانب القوى الإقليمية ودول الجوار، وهي محاولات رحبت بها في السابق قوات الدعم السريع ورفضها الجيش" حسب المصدر.

وتوقع المصدر أن يكون نطاق الحكومة المزمع تشكيلها في بعض مناطق الخرطوم وكردفان وبعض مناطق النيل الأزرق وإقليم دارفور، مع تعيين مجلس تشريعي مهمته إقرار القوانين التي تلتزم بها الحكومة والرقابة على المجلس الرئاسي والوزراء.

ورفض المصدر الإفصاح عن أسماء أعضاء المجلس الرئاسي أو الحكومة، وقال إن ذلك سيأتي في مرحلة لاحقة، موضحًا أن الحكومة الجديدة سيتم الإعلان عنها من داخل السودان، دون الاستقرار بعد على مواقع الحكم الرئيسية التي سوف تحدد وفقًا لمآلات الأوضاع العسكرية الراهنة، على أن تكون هناك مرونة في تحديد موقع السلطة وفقًا لطبيعة الأوضاع الأمنية.

وشدد على أن الاعتراف بالحكومة سيأتي بقوة الفعل السياسي والعسكري وهو أمر يجب انتزاعه في مواجهة من أسماهم ميليشيات الحركة الإسلامية المتحالفين مع الجيش.

وحضر اجتماع نيروبي الأخير، الثلاثاء الماضي، عشرات الحركات المسلحة والقوى السياسية والمدنية، وأكد الحلو في كلمته، وكان أحد الحاضرين، أن الحركة الشعبية- شمال ستعمل مع الأطراف السودانية لوضع حلول جذرية لأزمات البلاد "جلها يتمثل في هيمنة المركز وتجاهل قضايا الهامش ومحاولة فرض دولة دينية في بلد متعدد الأعراق والثقافات".

الحرب أم الانقسام؟

في المقابل، أشار المحامي والسياسي السوداني المعز حضرة في تصريح لـ المنصة إلى وجود خطر التقسيم مع الاتجاه نحو تشكيل حكومة موازية "غير أن الأخطر الذي يحيط بالسودان الآن ويسرِّع من عملية تقسيمه هو استمرار الحرب"، مؤكدًا أن الحرب قادت لتقسيم الشعب، وأن تاريخ السودان "الذي شهد فيه انقسام جنوبه كان بفعل الإسلاميين المتواجدين في السلطة وهؤلاء هم من يسيطرون على الحكم الآن".

وأوضح أن البرهان يسير في نفس اتجاه رفض وقف الحرب ووضع الركائز التي تفضي للتقسيم، وأن "حديثه السابق عن إمكانية استمراره في الحرب لأكثر من 100 عام قاد لتعقيد الأمور بعد أن سد جميع منافذ السلاح ومن ثم تحولت الحرب من عسكرية إلى قبلية ومع تشكيل حكومة موازية ستكون هناك استقطابات حادة بين أكثر من 300 مكون قبلي وجهوي في السودان". واعتبر أن التنبؤ بإمكانية التفاعل الشعبي مع الحكومة الموازية ليس معروفًا.

لكن المصدر المشارك في تجهيزات تشكيل الحكومة الموازية قلل من إمكانية أن تؤدي الحكومة إلى تقسيم السودان، قائلًا "ليس بيننا من يدعو للانفصال وليس ذلك هدفًا بالأساس، المهم أن يكون هناك ضغط سياسي وعسكري على الجيش، لأنه مع تشكيل الحكومة لن يكون الصراع بين الجيش والدعم السريع، بل سيكون بين سلطة الجيش في بورتسودان وبين حكومة الوحدة والسلام التي يعد الدعم السريع جزءًا منها، وكلما أصر الطرف الآخر على الحرب فإن العصا ستكون حاضرة للدفع به وحثه على وقف الحرب".

وقال إن الحكومة تبحث بالأساس عن اعتراف المواطنين وكل المتعاطفين مع تشكيلها في الهامش (المناطق البعيدة عن مركز العاصمة الخرطوم) بها، وليس من المعروف ماهية الدول التي يمكن أن تعترف بها حتى الآن، مشيرًا إلى جهود دبلوماسية ستقوم بها وزارة الخارجية بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة.

وكان وزير الإعلام والثقافة السوداني خالد الإعيسر أعلن أمس أن مجلس السيادة ومجلس الوزراء وافقا في اجتماع مشترك على تعديل الوثيقة الدستورية التي تنظم حكم البلاد، ويُعتقد أن هذه الخطوة قد تمهد الطريق لتقاسم السلطة مع الحركات المسلحة والقوى السياسية المتحالفة مع الجيش.

ولم يوضح وزير الإعلام تفاصيل التعديلات على الوثيقة التي جرى تأسيسها والاعتراف بها دوليًا بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، لكن المعز حضرة اعتبر تحرك البرهان عبر إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية غير قانوني.

وأعلن رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، أمس، أيضًا عزمه تشكيل حكومة انتقالية برئاسة رئيس وزراء تكنوقراط غير منتمٍ إلى أي جهة أو حزب سياسي.

وأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن قلقه من الإعلان المقرر غدًا الجمعة عن تشكيل قوات الدعم السريع حكومة موازية، الذي من شأنه أن يزيد من "انقسام" السودان و"تفاقم الأزمة".

وفي التاسع من يوليو/تموز 2011 انفصلت جمهورية جنوب السودان عن الشمال، وذلك نتيجة لاتفاق سلام أبرم عام 2005 أنهى أطول حرب أهلية في إفريقيا، حسب BBC.

خلافات سياسية

وقادت تحركات إنشاء حكومة موازية إلى انقسامات سياسية واسعة إذ هدَّد حزب الأمة القومي باتخاذ إجراءات في مواجهة رئيسه المكلف فضل الله برمة ناصر بعد مشاركته في التحالف ومخاطبته مؤتمره التأسيسي.

وقالت مؤسسة الرئاسة بالحزب إنه لم يفوض برمة ناصر أو أي عضو آخر لتمثيله في المؤتمر الذي عقدته قوى الحكومة الموازية بالعاصمة الكينية. وأضافت في بيان أن مؤسسات الحزب ستجتمع لاتخاذ القرارت اللازمة بشأن المشاركين دون تفويض.

وتبرأ الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل" من مشاركة قياديه السابق إبراهيم أحمد الميرغني في تحالف نيروبي، وقال المتحدث باسمه عمر خلف الله إن "الميرغني تم عزله عن منصب الأمين السياسي للحزب منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وإحالته للتحقيق، وبسبب عدم مثوله أمام اللجنة صدر قرار فصله عنه".

كما أعلنت مجموعة من القيادات العليا في حركة العدل والمساواة برئاسة سليمان صندل عزله من منصبه وكلفت قيادة جديدة بدلًا عنه. وبررت قرارها بأن مشاركة صندل في الحكومة الموازية تتعارض مع مبادئ الحركة وخطها السياسي.