تظاهر آلاف العمال من الشركة الشرقية للدخان/إيسترن كومباني في الثانية من ظهر الجمعة 21 فبراير/شباط الحالي، أمام مقر النادي الاجتماعي للشركة بشارع خاتم المرسلين بحي العمرانية، أثناء انعقاد اجتماع الجمعية العامة غير العادية لاتحاد العاملين المساهمين للتصويت على بيع حصتهم في أسهم الشركة، وهتف العمال "مش حنصوت مش حنبيع.. حق ولادنا مش هيضيع".
رفض العمال التصويت على البيع، اعتراضًا على ما اعتبروه مؤامرة تحاك ضدهم لتجريدهم من ملكيتهم في أسهم الشركة بـ"سعر بخس"، مطالبين بسحب الثقة من مجلس إدارة الاتحاد، جالب عرض البيع، كما طالبوا بـ"تكويد" حصتهم في البورصة للتمكن من إدارة أسهمهم وحرية التصرف فيها.
وتمتلك الدولة ممثلة في الشركة القابضة للصناعات الكيماوية ما نسبته 20.95% من أسهم الشرقية للدخان، وتبلغ حصة شركة جلوبال للاستثمار/الإماراتية 30%، استحوذت عليها في عام 2023، في صفقة أثارت الجدل، وهي الحصة الأكبر، فيما يملك صندوق أسهم آلان جراي 7.21%، وتمتلك شركة الأريج العالمية للاستثمارات 2.99%، بعد أن باعت 9 ملايين سهم مقابل 225 مليون جنيه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حيث كانت تبلغ نسبتها قبل البيع 3.27%، ويمتلك اتحاد العاملين المساهمين نسبة 5.20%، فيما يتم تداول 41.5% من الأسهم في البورصة.
حضور اضطراري
في يناير/كانون الأول الماضي دعا مجلس إدارة اتحاد العاملين المساهمين بالشركة الشرقية للدخان، العمال، إلى اجتماع الجمعية العامة غير العادية، في 21 فبراير الحالي، للتصويت على العرض المقدم من شركة "إي إف جي هيرميس" لترويج وتغطية الاكتتاب نيابة عن أحد عملائها لشراء كامل الأسهم المملوكة للاتحاد، وتفويض رئيس مجلس إدارة الاتحاد في البيع، والتصويت على حل الاتحاد وتحديد موعد تصفيته.
ونوهت الدعوة بأنه "إذا لم يكتمل العدد القانوني يؤجل الاجتماع لمدة ساعة واحدة، ويكون الاجتماع في هذه الحالة صحيحًا إذا حضره 10% من مجموع الأعضاء"، وهو ما اضطر العمال للحضور بكثافة رغم رفضهم البيع، خوفًا من اتخاذ قرار في غيبة غالبية العمال، وفق أحد العمال لـ المنصة.
الدعوة لاجتماع الجمعية العمومية 21 فبراير 2025ويضيف العامل، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن 4700 عامل حضروا الاجتماع، ووجد العمال أن مجلس إدارة الاتحاد قدم لهم بعض الأشخاص بوصفهم تابعين للهيئة القضائية وأنهم سيقومون بالإشراف على التصويت على البيع، وفرز الأصوات، لكن العمال شعروا بشيء غريب وخاصة أنهم لم يتأكدوا من شخصية المشرفين، فرفضوا التصويت في الصناديق، مطالبين بتصويت علني، فحاول مجلس الإدارة الضغط عليهم، ما اضطرهم للهتاف برفض التصويت "مش هنصوت مش هنبيع، باطل، اقفل اقفل" في إشارة إلى غلق النادي ومغادرتهم.
ويطالب العمال بسحب الثقة من مجلس الاتحاد، متهمين إياه بالانحياز لمصلحة المشتري، كما يطالبون بتعديل البند الخاص بقيمة "الحصة" التي تعادل 57 سهمًا، للمتخارجين "المحالين على المعاش" والمقدرة بـ500 جنيه للحصة، لتعادل آخر سعر تم عرضه، لما يقع عليهم من ظلم كبير، أو تكويد الأسهم، وإصدار سندات بحصص كل عامل بحيث يمكنه التصرف فيها، معتبرين ضغوط الاتحاد إجبارًا على البيع بالإكراه، حسب العامل.
ويشير العامل إلى أنهم تلقوا تهديدات من أعضاء بمجلس الإدارة بتفريغ الكاميرات وتقديم بلاغات ضد متزعمي العمال بتهمة ممارسة الشغب والبلطجة، وهو ما قد يتسبب في فصلهم وحبسهم، للضغط عليهم من أجل الموافقة على البيع، مؤكدًا على أنه لم يقم أحد من العمال بأي أعمال شغب أو بلطجة كما يدعي مجلس الاتحاد، وما حدث مجرد تعبير عن الرأي.
صورة من احتجاجات العمال خلال الجمعية العمومية 21 فبراير 2025شكوك تتزايد
يقول عامل ثانٍ لـ المنصة "من فترة طويلة فيه كلام متداول داخل الشركة عن عروض مقدمة لشراء حصة العمال في أسهم الشركة، ما كنش عندنا مانع نبيع لو السعر مناسب، كنا شايفين إن 3500 جنيه كسعر لـ(الحصة) مبلغ كويس جدًا، لكن غموض عرض الشراء الأخير، والمبلغ المطروح (2018 جنيهًا للحصة) واللي تقريبًا نص المبلغ اللي احنا متوقيعنه، وإصرار مجلس إدارة اتحاد العاملين المساهمين على تمرير عرض البيع بأي طريقة، قبل نهاية السنة المالية، خلانا نقلق ونتشكك في الأمر".
ويضيف العامل، طالبًا عدم نشر اسمه، أنه منذ أسابيع يطوف أعضاء مجلس الإدارة على عمال الشركة في المجمع الصناعي بالسادس من أكتوبر، ومصنع الطالبية، ومصنع محرم بك بالإسكندرية، ومصنعي منوف وأبوتيج، وطنطا، وعمال المخازن المختلفة، إضافة لعمال المبيعات والشحن، لإقناعهم بالموافقة على العرض المقدم "كان في استماتة غير مفهومة من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد على إقناع العمال بالبيع".
وبلغت قيمة العرض المقدم 2018 جنيهًا لـ"الحصة" التي تساوي 57 سهمًا، لكل عامل عدد من الحصص، تختلف بحسب سنوات خدمته في الشركة، فيما لم يفصح مجلس إدارة اتحاد العاملين المساهمين، لا في الدعوة لاجتماع الجمعية العامة ولا خلال انعقادها في 21 فبراير الجاري، عن الجهة التي ترغب في الشراء، واكتفى المجلس بتسمية شركة السمسرة "إي إف جي هيرميس" التي قدمت العرض نيابة عن أحد عملائها، حيث تسبب إخفاء المجلس اسم الشركة الراغبة في الشراء، في زيادة شكوك العمال حول الصفقة.
ويقول عامل آخر لـ المنصة إنه قبيل عقد اجتماع الجمعية العامة اتفق عدد من العمال على البحث وراء العرض المقدم وأسباب إصرار المجلس على إتمام عملية البيع قبل انتهاء السنة المالية، وأنهم توصلوا إلى بعض الأشياء، منها أن الشركة سوف تعتمد خلال العام المالي المقبل خطة استغلال الأصول.
ويوضح العامل، طالبًا عدم نشر اسمه، "تمتلك الشركة أراضي في الإسكندرية والجيزة، ومقرات إدارية، ومخازن المانسترلي والزمر بالعمرانية، وجميعها غير مستغلة، سوف يتم إدراجها في خطة استغلال الأصول، وهي أصول تقدر بمليارات الجنيهات، كما سيتم تحويل بعض الأصول إلى مستشفيات ومولات تجارية، لتعظيم قيمتها، ما سوف يضاعف قيمة السهم عدة مرات".
بيع بالإكراه
يقول مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مالك عدلي لـ المنصة إن مجالس اتحادات العاملين المساهمين هي مجرد ممثل عن العمال مهمته أن يحافظ على ملكيات العمال لصالحهم، وفي عملية البيع بالتحديد لا بد من عقد جمعية عمومية غير عادية لتفويض المجلس بالبيع، وأحد خصائص عملية البيع أن يكون رضائيًا، وأن أي وسيلة للضغط أو التحايل لاستصدار تفويض بالبيع على غير رغبة الأغلبية، هي وسيلة مخالفة للقانون ويعد بيعًا بالإكراه.
ويضيف عدلي أن من حق العمال سحب الثقة من مجلس الاتحاد خلال انعقاد الجمعية العمومية إذا رأوا أنه لا يمثل مصالحهم أو يمارس ضغوط لتمرير قرارات دون رغبتهم، كما يمكنهم رفع دعوى عزل عن طريق التقاضي.
ويشير عدلي إلى أن أي إجبار للعمال من قبل المجلس على البيع لمصلحة آخرين هو إهدار للمال العام "لأن أموال اتحادات المساهمين هي أموال عامة حتى وإن كانت داخل شركات قطاع خاص".
من جانبه قال رئيس النقابة العمالية بالشرقية للدخان وليد هليل لـ المنصة إن موقف النقابة منذ بداية الحديث عن العروض المقدمة لشراء حصة العمال في أسهم الشركة كان محايدًا، واقتصر دورها على تنسيق جلسات بين مجلس الاتحاد والعمال لشرح العرض المقدم، مشيرًا إلى أنه حضر جلسات مع العمال، وأكد خلال تلك الجلسات على أن "قرار قبول أو رفض البيع هو قرار حر للعمال، وليس من سلطة أحد الضغط عليهم لا من داخل الشركة أو خارجها، وأن النقابة سوف تعمل على ضمان ذلك".
وتعليقًا على ما حدث خلال الجمعية العامة من رفض العمال التصويت، اعتبر هليل أن أي طريقة يستخدمها العمال للتعبير عن رأيهم هي طريقة مشروعة، طالما لم يقم أحد بأي أعمال تخريب
ويعتقد هليل أن سبب ما حدث هو عدم الاتفاق على آلية التصويت قبل عقد الجمعية العامة "فمجلس الاتحاد رأى أن تكون عملية التصويت السري عبر الصناديق بوصفها طريقة منظمة، لكن العمال تخوفوا وأرادوا التصويت العلني المباشر، وكان من الممكن مناقشة الآلية والاتفاق عليها خلال اجتماع الجمعية العامة، وأنه يجب تلافي هذا الخلاف في الجمعية المقبلة، للوصول إلى قرار يمثل غالبية العمال".
وفيما يتعلق بالعرض يقول هليل إن العرض المطروح يزيد 4 أضعاف عن قيمة الحصة داخل الصندوق للزملاء المتخارجين، من الذين يخرجون على المعاش، والمقدرة بـ500 جنيه، مشيرًا إلى أن فكرة التكويد لم تطرح من الأساس على الجمعية العامة للاتحاد والتي انعقدت في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأن ما تم هو تفويض العمال لمجلس إدارة الاتحاد لجلب عروض ودراستها وعرضها على الجمعية العامة، لكنه يؤكد أن الرأي الأخير للعمال فهي أسهمهم وهم أحرار في تقدير قيمتها.
وحاولت المنصة التواصل مع رئيس مجلس اتحاد العاملين المساهمين بالشركة الشرقية للدخان أشرف عموري عبر واتساب لسؤاله حول ما حدث في الجمعية العمومية من رفض العمال التصويت على البيع ومنح المجلس تفويضًا بذلك، ومطالبهم بسحب الثقة، وموقف المجلس، لكنه لم يرد حتى موعد نشر التقرير.
فيما يتوقع العمال مواصلة مجلس الاتحاد ضغوطه عليهم خلال الجمعية العامة المقبلة والتي من منتظر أن يتم الدعوة لها في شهر مارس/آذار المقبل.