علق قاضٍ فيدرالي أميركي اليوم السبت، بشكلٍ مؤقت، الصلاحيات الممنوحة لوزارة الكفاءة الحكومية التي يقودها الملياردير إيلون ماسك، للوصول إلى سجلات وزارة الخزانة التي تحتوي على بيانات شخصية حساسة مثل الضمان الاجتماعي وأرقام الحسابات المصرفية لملايين الأميركيين.
واعتبرت الدعوى التي رفعها 19 مدعيًا عامًا ديمقراطيًا أمام محكمة فيدرالية في نيويورك، أن إدارة ترامب سمحت لفريق ماسك بالوصول إلى نظام المدفوعات المركزي لوزارة الخزانة على نحو يشكل انتهاكًا للقانون الفيدرالي، وفق وكالة أسوشيتد برس.
وأشار القاضي الذي ينظر الشق العاجل في القضية، إلى احتمال حدوث "ضرر غير قابل للإصلاح" نتيجة الوصول إلى هذه الأنظمة، من بينها مخاطر التسريبات وتعريض الأنظمة للهجمات السيبرانية، وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة على الأمن القومي والاقتصاد الأمريكي.
وأمر القاضي جميع المسؤولين الذين حصلوا على صلاحيات الوصول منذ 20 يناير/كانون الثاني الماضي بتدمير أيّ نسخٍ لديهم من المواد التي تمّ نسخها من سجلات وزارة الخزانة وأنظمتها. كما حظر منح وصول إضافي لهؤلاء المسؤولين. وحدّد يوم 14 فبراير/شباط الجاري لنظر تفاصيل القضية.
وأنشأ ترامب لدى توليه الرئاسة الشهر الماضي وزارة الكفاءة الحكومية، المعروفة باسم DOGE، ووضع ماسك على رأسها لاكتشاف وإزالة ما اعتبرته إدارة ترمب إسرافًا في الإنفاق الحكومي.
وفي وقت سابق، أكد 13 نائبًا عامًا ديمقراطيًا من بينهم ممثلون عن ولايات كاليفورنيا وكونيتيكت ومين وميريلاند ونيويورك، في بيان مشترك، عزمهم اتخاذ إجراءات قانونية "حمايةً للدستور، والحق في الخصوصية، والتمويل الأساسي الذي يعتمد عليه ملايين الأمريكيين".
تضارب للمصالح ومخالفة للقوانين

إيلون ماسكوأثار قرار تعيين إيلون ماسك على رأس DOGE جدلًا في الأوساط السياسية الأمريكية، إذ صدر القرار بأمر تنفيذي دون الحصول على تفويض انتخابي أو موافقة برلمانية. مع تزايد الأصوات التي تنتقد عدم الالتزام بالإجراءات القانونية الدقيقة، إذ يعتبر الدخول إلى نظم مالية حساسة انتهاكًا لقانون الخصوصية لعام 1974 ومخالفة لقوانين الأمن السيبراني، مثل قانون تحديث أمن المعلومات الفيدرالي لعام 2002.
وأكد زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، على ضرورة أن تخضع أي تغييرات في وظائف الوكالات الفيدرالية الحساسة لموافقة الكونجرس، في مواجهة قراراj فردية قد تُمكّن وزارة ماسك من فرض أجندتها دون مساءلة كافية.
وتشير تقارير إلى عدم مراعاة المعايير الأمنية اللازمة عند تعيين بعض أعضاء فريق وزارة الكفاءة الحكومية. وقد وصف آلان باتلر من مركز المعلومات الإلكترونية للخصوصية هذا الوضع بالانتهاك الضخم للخصوصية، محذرًا من خطورة منح مثل هذه الصلاحيات لشباب تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا دون اتباع الإجراءات الأمنية المعتادة.
وأشارت صحيفة الجارديان إلى أن ماسك، دون أي سلطة قانونية، يتمتع بمنصب استشاري مؤثر، لافتة إلى القلق المتصاعد من مخالفة قوانين تضارب المصالح والتصاريح الأمنية، خاصةً بالنظر إلى عقود شركاته مع الحكومة ومصالحه الدولية.
وأكد أليكس جويل، ضابط الخصوصية والحريات المدنية السابق في مجتمع الاستخبارات، أن هذه الإجراءات تمثل تجاوزًا دستوريًا واضحًا، إذ لا يحق للرئيس منح مثل هذه الصلاحيات دون الالتزام بإجراءات صارمة تضمن حماية المعلومات الحساسة.
وأعلن ماسك سابقًا عن خطة جريئة تهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي السنوي بمليارات الدولارات، مع تقارير تشير إلى إمكانية خفض النفقات بمبالغ هائلة تصل إلى تريليونات الدولارات. وتبرز هذه الخطة طموحًا متجاوزًا للتوقعات في سياق إعادة هيكلة الإدارة الفيدرالية.
مثل الأنظمة الشمولية
ويتزامن ذلك مع تقرير نشرته مجلة WIRED، عن سيطرة شخصيات مقربة من ماسك على مكتب إدارة شؤون الموظفين الأمريكي/OPM، الجهة المسؤولة عن الموارد البشرية للحكومة الفيدرالية.
جاء ذلك في إطار توجهات ترامب لإعادة هيكلة الإدارة الحكومية، مما أثار مخاوف من إمكانية تحويل المكتب إلى أداة سياسية تُستخدم لفرض الولاء وتقليص عدد الموظفين لصالح الموالين للرئيس.
تعكس سلسلة التحركات الجريئة التي بدأها ماسك داخل إدارة ترامب تحولات واسعة في الإدارة الفيدرالية
أيضًا أثارت بعض التقارير مخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي لمراجعة الوظائف وتحديد الموظفين المستهدفين بالفصل. وجرى تداول رسائل إلكترونية تحث الموظفين على الإبلاغ عن زملائهم المشاركين في مبادرات التنوع والشمول/DEIA، وهي ممارسات تشبه الأنظمة الشمولية.
ووصف ستيفن كيلمان، الأستاذ الفخري في جامعة هارفارد، هذه التغييرات بأنها غير مسبوقة، مؤكدًا أن مكتب إدارة شؤون الموظفين لم يكن مؤسسة سياسية. تاريخيًا، كانت التعيينات السياسية في المكتب محدودة، ولكن التحول الأخير يعكس محاولة تحويله إلى أداة لتنفيذ أجندة الإدارة الحالية.
وأعرب السيناتور الديمقراطي رون وايدن من ولاية أوريجون، والعضو البارز في لجنة المالية بمجلس الشيوخ، عن مخاوفه من العواقب الاقتصادية المترتبة على منح DOGE وصولًا كاملًا إلى النظام المستخدم في توزيع رواتب الموظفين الفيدراليين والمدفوعات للمقاولين والضرائب.
كما حذر خبراء الأمن من أن إساءة استخدام هذه الصلاحيات قد يؤدي إلى تعطل كارثي للنظام المالي، مما يسبب اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق، مستشهدين بحادثة اختراق مكتب إدارة شؤون الموظفين عام 2013 التي أدت إلى سرقة بيانات ملايين الموظفين.
على الصعيد القانوني والسياسي، تقدمت نقابات العمال الاتحادية مثل اتحاد الموظفين الحكوميين الأمريكي والاتحاد الدولي لموظفي الخدمة بدعوى قضائية فيدرالية ضد وزارة الخزانة، معتبرة أن منح DOGE صلاحيات واسعة ينتهك خصوصية المواطنين ويشكل تهديدًا للأمن القومي. كما أعربت سيناتور إليزابيث وارن في رسالة موجهة إلى وزير الخزانة سكوت بيسينت عن قلقها، مطالبةً بتوضيح أسباب منح هذه الصلاحيات التي تعرض خصوصية ملايين المواطنين للخطر.
في سياق متصل، أحدثت إجراءات إدارة ترامب وماسك لتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية/USAID ردود فعل عديدة. خاصة الإشارة إلى عدم دستورية هذه الإجراءات، لأن إنشاء أو تفكيك الوكالات الفيدرالية والتحكم في إنفاقها من اختصاص الكونجرس وحده.
تعكس سلسلة التحركات والتعيينات الجريئة التي بدأها ماسك داخل إدارة ترامب تحولات واسعة في الإدارة الفيدرالية الأمريكية، إذ تلتقي قضايا الشفافية والمساءلة مع تحديات الأمن السيبراني والتدخل السياسي في مؤسسات الدولة.
قد يشكل حكم تقييد الوصول الذي صدر اليوم محاولة من السلطة القضائية لحماية حقوق المواطنين، ولكنه سيفتح الباب أمام معارك قانونية طويلة المدى. فتعيين ماسك والقرارات التنفيذية المرتبطة به يشير إلى محاولة لإعادة تشكيل الجهاز الحكومي وفقًا لأجندة تفضّل مصالح النخب الاقتصادية، وتثير المخاوف من قدرتهم غير المقيدة على الوصول إلى نظم مالية حساسة، واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتغيير هيكل الوظيفة العامة.