الحساب الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي على إكس
الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، 18 أكتوبر 2023

حرب لبنان تضع أوزارها.. مَن انتصر؟ من خسر؟ ماذا ينتظر غزة؟

أحمد سعداوي محمد الخولي
منشور الأربعاء 27 نوفمبر 2024

فور الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تبارى كل طرف في التأكيد على انتصاره بعد مواجهات استمرت لأكثر من عام، وبينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أعدنا حزب الله سنوات للوراء وقتلنا نصر الله"، قالت قيادات في الحزب إن الاتفاق جاء خوفًا من انهيار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. 

المستفيد الأكبر من وقف الحرب

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فجر اليوم، بعد أكثر من عام من الضربات المتبادلة، وشهرين وثلاثة أيام من المواجهات المباشرة، وبدأت سيارات النازحين العودة إلى قرى وبلدات جنوب لبنان.

ودعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري النازحين من قراهم في الجنوب إلى العودة مفعمين بالأمل والإرادة التي عجزت آلة العدو عن كسرها وهزيمتها في ميادين المواجهة، حسب الوكالة الوطنية للإعلام.

في المقابل لم يعلن موعد عودة سكان الشمال الإسرائيلي إلى مستوطناتهم، وقال مسؤول أمني إسرائيلي لم تسمه CNN إن "بإمكان سكان شمال إسرائيل أن يقرروا بأنفسهم موعد العودة إلى ديارهم".

واحتفلت وسائل الإعلام القريبة من حزب الله بما اعتبروه "انتصارًا للمقاومة"، وقال تليفزيون المنار التابع لحزب الله، إن الاحتلال "لم يذهب إلى المفاوضات برغبة أو خيار، بل دُفع إليها مضطرًا بعد فشل جيشه في تحقيق أي من أهدافه العسكرية والسياسية"، وأنه "لم يجد العدو في النهاية سوى الرضوخ لواقع الميدان وقبول سقف التفاوض الذي وضعه لبنان".

هذا المحتوى هو نفس ما جاء في افتتاحية الأخبار المقربة من الحزب، التي أشارت إلى أن الاتفاق "هو في الحقيقة نسخة مكرّرة عما انتهت إليه حرب تموز 2006"، وأن "ما يجب أن يعلمه اللبنانيون أن العدو الإسرائيلي هو من أرسل بداية الأمريكيين إلى بيروت، طلبًا للتفاوض".

ولفتت إلى أن المقترح الإسرائيلي في البداية كان يهدف إلى تطبيق القرار 1559، الذي يقضي بنزع سلاح حزب الله والسماح به فقط في يد الجيش اللبناني، فأصبح مقترحًا يهدف إلى تطبيق 1701، "نتيجة لبطولة المقاومين في الميدان وثباتهم الأسطوري حقًا، ولإرادة سياسية صلبة".

وفي أغسطس/آب 2006، تبنّى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 1701، الدّاعي إلى وقفٍ كامل للعمليات القتالية في لبنان، ووضع نهاية للحرب الثانية بين إسرائيل ولبنان التي استمرت 34 يومًا حينها.

وطالب القرار الأممي حزب الله بالوقف الفوري لكل هجماته ضد إسرائيل، كما طالب الأخيرة بالوقف الفوري لكل عملياتها العسكرية، وسحب كل قواتها من جنوب لبنان.

من المنتصر؟

احتفاء كل طرف من طرفي الحرب بانتصاره وانهزام الطرف الآخر، انسحب أيضًا على الخبراء والمتابعين للشأن اللبناني، إذ اعتبر المستشار الأكاديمي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد مجاهد الزيات أن اتفاق وقف إطلاق النار  يعد "انتصارًا كاسحًا لإسرائيل بعدما حاصرت ودمرت القدرات العسكرية لحزب الله"، وهو ما يختلف معه الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عبد العليم محمد، الذي شدد على أن "إسرائيل لم تحقق ما كانت تنشده من تغيير في منطقة الشرق الأوسط".

وأوضح الزيات لـ المنصة أن "إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الاتفاق الذي يضمن لها رجوع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي كان يرفض الحزب تطبيقه في السابق".

وأضاف أن أمريكا مارست ضغوطًا على إسرائيل لإنهاء الحرب على أن تضمن ألا يمثل حزب الله تهديدًا لها في الفترة المقبلة، أو السماح بإدخال أي سلاح للحزب من خارج لبنان.

ولفت إلى أن "إسرائيل حققت ما تريد، بينما فقد حزب الله جزءًا كبيرًا من ثقله وتأثيره داخل لبنان"، مبينًا أن إيران دفعت حزب الله لقبول الاتفاق لسببين أولهما الحفاظ على ما تبقى من قدرات حزب الله، وثانيهما إبداء حسن النوايا لعقد صفقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

وأوضح الزيات أن المرحلة المقبلة من الحديث الدولي سيكون حول تسليح حزب الله وهل سيسمح بتسليحه أم لا.

وتابع "الحزب لن يفكر في أي قتال في الوقت الحالي بسبب فقده الكثير من شعبيته والبيئة الحاضنة له بعد تدمير القرى الشمالية وتهجير السكان الشيعة منها".

وبشأن قدرة الجيش اللبناني على فرض سيطرته على الجنوب اللبناني، قال الزيات إن "التركيز الدولي والإقليمي خلال الفترة المقبلة سيكون على دعم الجيش ليكون حاجزًا بين إسرائيل وما بقي من حزب الله".

وتابع أن إيران تخلت عن فكرة وحدة ساحات المقاومة ودعم حزب الله لحركة حماس التي كان يروج لها خلال فترة الحرب، مضيفًا "سقط الوهم الذي كان يتحدث عن وحدة الساحات للمقاومة، وأمريكا وإسرائيل نجحتا في فصل الساحات لأن في الأخير إيران تبحث عن مصالحها وفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة".

على النقيض من تحليل الزيات، يرى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عبد العليم محمد، أن إسرائيل لم تحقق ما كانت تنشده من تغيير في منطقة الشرق الأوسط، لافتًا في حديثه مع المنصة إلى أنه "بعد حديث نتنياهو عن تغيير الشرق الأوسط تبين أن الحرب لم تسفر عن تغيير خطير سوى تدمير الجنوب اللبناني وإضعاف قدرات حزب الله، لكن التغيير الذي كان ينشده نتنياهو لم يحدث".

واعتبر أن الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني خلال 60 يومًا يؤكد أن وقف إطلاق نار تحت الاختبار للتأكد من التزام حزب الله وعدم إدخال أي مساعدات عسكرية إليه.

وأكد الخبير بمركز الأهرام أن حزب الله لا يزال جزءًا من المعادلة في لبنان حتى الآن، والاتفاق فرصة لاستعادة تشكيل صفوفه، مشيرًا إلى أن إيران كانت بحاجة إلى مثل هذا الاتفاق لكونه نوعًا من التهدئة حفاظًا على وجود حزب الله السياسي والعسكري والانفتاح على التعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة لدونالد ترامب.

واتفق عبد العليم مع الزيات في استبعاد حدوث اقتتال بين حزب الله والجيش اللبناني باعتباره القوة الداخلية الرادعة لضمان عدم خوض حرب جديدة، إذ قال إن إيران التي تحرك حزب الله قبلت بهذا الاتفاق لاستعادة تقويم صفوف الحزب ومشاركته سياسيًا، بخلاف الدعم الدولي والإقليمي للجيش اللبناني لفرض سيطرته على المنطقة الحدودية.

لماذا وافق حزب الله ورفضت حماس؟

يطرح المؤرخ والأكاديمي شريف يونس، على فيسبوك، أسئلة حول الأسباب التي دفعت الحزب إلى الموافقة على وقف إطلاق النار بينما رفضت حركة حماس، رغم أن ما تعرض له الحزب لا يقارن رغم فداحته بما تعرضت له حماس.

وقال "ما تعرض له شيعة لبنان في الجنوب والضاحية من التهجير وظروفه إلى الخسائر البشرية والمادية ما يطلعش حاجة جنب اللي اتعرض له أهل غزة"، فلماذا "تنازل الحزب عن سبب الحرب الأساسي المُعلن (إسناد غزة) في حين حماس لم تتنازل عن مطالبها الأساسية رغم إن اللي موجود منها على الأرض جماعات متفرقة؟".

وقال يونس إن الفرق الجوهري في أن الحزب "مكوِّن ضمن مكونات دولة لبنان، وإضعافه بشدة عسكريًا وتهجير قاعدته الشعبية مس بقوة مكانته في التركيبة اللبنانية، ومس بمكانة حزب الله نفسه وسط قاعدته الشعبية"، مضيفًا "بالتالي فيه دافع قوي للحد من اختلال التوازن بين الطوائف وبين حزب اللـه نفسه وبقية القوى السياسية- الطائفية في لبنان وإيقاف تراجع مكانته وسط قاعدته الشعبية". 

وأشار إلى أن "تعميق الفرق دا بين مصير لبنان ومصير الحزب والشيعة كان واضح في كيفية إدارة إسرائيل للحرب على جنوب لبنان، سواء من ناحية العمليات العسكرية، أو سياسيًا بتأكيدها المستمر على إنها عايزة انسحاب حزب الله وإنهاء وجوده العسكري، وبالعكس، بتطالب بانتشار الجيش اللبناني الرسمي في الجنوب".

في المقابل، حسب يونس، "بالنسبة لحماس، هزيمتها مش بالضرورة خالص لصالح منافسها الرئيسي وهو السلطة الفلسطينية في رام الله، لأن إسرائيل تستهدفهم هما الاتنين، وأصلا تركيزها هو على الضفة مش غزة. وعلشان كدا فيه مفاوضات (فاشلة لحد دلوقت) في ضم حماس لمنظمة التحرير".

وتابع يونس أن "الحرب الإسرائيلية على حزب الله هدفها محدود، هو القضاء على قوة الحزب، في حين إن الحرب مع القوى الفلسطينية عموما، وحماس خصوصا، تهدف للتخلص من وجود حماس السياسي في الضفة وغزة". 

مستقبل غزة!

يفتح الاتفاق على وقف الحرب في لبنان الباب أمام إنهائها أيضًا في غزة، حسب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عبد العليم، الذي قال إن زوال جبهة الإسناد يجبر حماس على الاستماع للرؤى المختلفة وضرورة إنهاء الحرب.

وهو ما أكدته حماس في بيان إذ أعربت الحركة عن التزامها بالتعاون مع أيّ جهود لوقف إطلاق النار في غزة.

وقالت في بيانها، "معنيون بوقف العدوان على شعبنا، ضمن محددات وقف العدوان على غزة التي توافقنا عليها وطنيًا؛ وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة".

واعتبرت الحركة أن اتفاق إسرائيل دون تحقيق شروطها التي وضعتها، "هو محطة مهمّة في تحطيم أوهام نتنياهو بتغيير خارطة الشرق الأوسط بالقوّة، وأوهامه بهزيمة قوى المقاومة أو نزع سلاحها".

وقال أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي لـ المنصة إن مفاوضات غزة ستكون الجولة التالية وستشهد الأيام المقبلة تفاهمات وصولًا إلى وقف إطلاق النار في القطاع وإطلاق سراح المحتجزين، قبل 20 يناير/كانون الثاني المقبل، وسيكون لمصر دورًا كبيرًا في ذلك.