دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ، فجر اليوم، بعد أكثر من عام من المواجهات، وبدأت سيارات النازحين العودة إلى قرى وبلدات جنوب لبنان، حسب سكاي نيوز، ما يراه خبير في دراسات الأمن "لا يعني شيئًا بالنسبة لغزة"، فيما يرى خبير في الشؤون الإيرانية الضربات التي تلقاها الحزب "أضعفت النفوذ الإقليمي لإيران بشكل كبير".
يقضي الاتفاق الذي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الموافقة عليه أمس، بانسحاب جيش الاحتلال تدريجيًا من لبنان في غضون 60 يومًا، فيما ينسحب حزب الله من جنوب لبنان إلى المناطق الواقعة شمال نهر الليطاني.
ويتضمن إخلاء المناطق اللبنانية الواقعة جنوب نهر الليطاني من أسلحة حزب الله الثقيلة، فيما يتسلم الجيش اللبناني المواقع التي يسيطر عليها حزب الله وجيش الاحتلال حاليًا، ويقدم الجيشان الأمريكي والفرنسي دعمًا فنيًا للجيش اللبناني لتنفيذ ذلك.
كما يتضمن احتفاظ كل من لبنان وإسرائيل بحقّ الدفاع عن النفس وفقا للقانون الدولي، وتتولى الولايات المتحدة رئاسة آلية خماسية للإبقاء على تواصل "مباشر" بين الأطراف المختلفة والسماح "في كل مرة يتم فيها رصد انتهاك، ولا سيما انتهاك خطير" بأن تتم "معالجته فورًا" تجنبًا لأي تصعيد.
وبينما طالبت إسرائيل بـ"الحق في التصرف" إذا انتهك حزب الله التزاماته، رفض المسؤولون اللبنانيون كتابة ذلك في الاتفاق. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمس أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيضرب حزب الله إذا لم يتوفر "تطبيق فعال للاتفاق"، وفق الجزيرة.
وفي حديثه لقناة الجزيرة أمس قال نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي "بعد مراجعة الاتفاق الذي وقعته حكومة العدو، سنرى ما إذا كان هناك تطابق بين ما ذكرناه وما اتفق عليه المسؤولون اللبنانيون.. نريد نهاية للعدوان بالطبع، لكن ليس على حساب سيادة الدولة في لبنان".
في السياق، قال الجيش اللبناني إن قواته تعمل على اتخاذ الإجراءات لاستكمال الانتشار في الجنوب وفق تكليف الحكومة اللبنانية.
ودعا الجيش اللبناني المواطنين إلى التريّث في العودة إلى المناطق الأمامية بانتظار انسحاب القوات الإسرائيلية.
وذكرت سكاي نيوز أن آلاف اللبنانيين يعودون إلى منازلهم في جنوب لبنان، وأن معظم الطرقات المؤدية إلى الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية تشهد زحمة سير نشطة.
وأوضحت أن مئات العائلات عادت إلى مدينة النبطية المدمرة بشكل شبه كامل، وإلى قرى قضاء النبطية، كما وصل مئات المواطنين الى قرى وبلدات قضاء صور وصيدا قادمين من مناطق لبنانية عدة.
وفي غضون ذلك، وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي تحذيرًا إلى النازحين من جنوب لبنان، داعيًا إياهم لعدم العودة إلى منازلهم أو الاقتراب من مواقعه في المنطقة.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، عبر إكس "إنذار عاجل إلى سكان جنوب لبنان: مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وبناء على بنوده، يبقى جيش الدفاع الإسرائيلي منتشرًا في مواقعه داخل جنوب لبنان. يحظر عليكم التوجه نحو القرى التي طالب جيش الدفاع بإخلائها أو الاقتراب من قوات جيش الدفاع في المنطقة".
لماذا قبلت إسرائيل وحزب الله بالاتفاق؟
شهدت الساحة الدولية ترحيبًا واسعًا باتفاق وقف إطلاق النار، حيث وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الاتفاق بأنه "نبأ سار" وشكر نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على جهوده، حسب فرانس 24.
واعتبر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الاتفاق خطوة أساسية نحو الاستقرار، فيما رحبت الأمم المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين به.
ودعا الرئيس الفرنسي لانتخاب رئيس جديد للبنان دون تأخير، بينما أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أهمية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
وحسبما نقلت BBC عن إعلام عبري، قبلت إسرائيل بالاتفاق بعد ضغط الإدارة الأمريكية الحالية، و"دون اتفاق كنا سنواجه قرارًا بوقف الحرب من قبل مجلس الأمن"، فضلًا عن اعتبار الاتفاق استراحة القوات في الاحتياط "التي استُنزفت بين لبنان وغزة على مدار عام كامل، والحاجة إلى التزود بالذخيرة"، والفصل بين غزة ولبنان، وقطع العلاقة بين الساحتين، وإبقاء حماس لوحدها في المعركة، مع مضاعفة الضغط العسكري، وإرسال قوات إلى غزة، وبالتالي فتح أفق لصفقة تعيد المحتجزين.
وقتلت غارات حزب الله على إسرائيل 45 مدنيًا في شمال إسرائيل وهضبة الجولان السوري المحتل. وقالت السلطات الإسرائيلية إن 73 جنديًا إسرائيليًا على الأقل قتلوا في شمال إسرائيل، وهضبة الجولان وفي معارك بجنوب لبنان، وفق الجزيرة.
على الجانب الآخر، يرى جانب كبير من المراقبين، لم تسمهم BBC، أن حزب الله بات يواجه تحديات كبيرة، خاصة على مستوى الجبهة الداخلية، مع ما طال لبنان من تدمير، وبروز أصوات في لبنان تتهم الحزب بأنه جر الدمار على البلاد. ويضيف المراقبون الضغوط الأمريكية المتزايدة على الحزب سببًا من أسباب قبوله الاتفاق.
وحسب آخر إحصائية معلنة من وزارة الصحة اللبنانية، قتل العدوان الإسرائيلي 3768 شخصًا وجرح 15 ألفًا و699 آخرين منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وغالبية الحصيلة وقعت بعد أن كثفت إسرائيل هجومها في سبتمبر/أيلول الماضي.
وحتى سبتمبر الماضي، أعلن حزب الله عن مقتل نحو 500 من مقاتليه، لكنه توقف عن إعلان المزيد من القتلى.
التركيز على إيران
وفي كلمته أمس للإعلان عن وقف النار في لبنان، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن اتفاق وقف إطلاق النار "يعني أننا سنركز على التهديد الإيراني الآن"، مشيرًا إلى نجاح جيش الاحتلال في تدمير قدرات حزب الله على إنتاج الصواريخ، وقال "أعدنا حزب الله سنوات للوراء وقتلنا نصر الله".
"يمثل حزب الله أهمية استراتيجية بالغة للنظام الإيراني على المستويات العسكرية، السياسية، والعقائدية"، كما يؤكد الخبير في الشؤون الإيرانية، حسن راضي للحرة، ويوضح أن "الحزب لعب دورًا محوريًا في تحقيق أهداف إيران الإقليمية عبر بناء قوة ضاربة في المنطقة".
من جانبه، يصف الكاتب والباحث السياسي جورج العاقوري حزب الله بأنه "الابن البكر لتصدير الثورة الإيرانية". ويؤكد أن قوة الحزب لا تقتصر على الجانب العسكري، بل "تمتد لتشمل الأبعاد الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية والمالية، مما جعله أداة رئيسية في تحقيق الأهداف الإقليمية لإيران"، كما يشير إلى أن الحزب يمثل "نافذة لإيران على البحر المتوسط والجبهة مع إسرائيل".
ويوضح راضي أن "النظام الإيراني استثمر عقودًا في بناء حزب الله وتجهيزه، ولا يمكن تعويض ما خسره من قوته بسهولة حيث يحتاج الأمر لعقود"، ويشدد على أن "الضربات التي تلقاها الحزب، أضعفت النفوذ الإقليمي لإيران بشكل كبير، ومن الصعب جدًا أن تستطيع لعب دورها الإقليمي كما كان قبل 7 أكتوبر".
مستقبل غزة
وحول تأثير القرار على العدوان المستمر على غزة، قال زميل مشارك كبير في دراسات الأمن في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن إتش إيه هيلير، لشبكة CNN، إن اتفاق حزب الله وإسرائيل المحتمل "لا يعني شيئًا بالنسبة لغزة".
وأضاف هيلير "لا أعتقد أن إبرام أي اتفاق بشأن لبنان من المرجح أن يزيد من احتمالات إبرام اتفاق في غزة"، وذكر أنه لم تكن هناك مفاوضات وقف إطلاق نار جوهرية في غزة لفترة طويلة.
وقُتل أكثر من 44 ألف فلسطيني في غزة منذ بدء الحرب قبل أكثر من عام، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.
ومع ذلك، قال مسؤول أمريكي كبير الأسبوع الماضي لم تسمه CNN إن الاتفاق مع حزب الله من شأنه أن "يرسل إشارة إلى حماس" بأن إسرائيل وشركاءها سيبذلون قصارى جهدهم للتوصل اتفاق يعيد المحتجزين في غزة.
وقال تقرير للبنك الدولي نشرته الجزيرة إن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان تقدر بنحو 2.8 مليار دولار مع تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية جزئيًا أو كليًا.
وقال مختبر المدن في بيروت التابع للجامعة الأمريكية إن الضربات الجوية الإسرائيلية هدمت 262 مبنى على الأقل في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها.
وألحق جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضًا أضرارًا واسعة النطاق بقرى وبلدات في سهل البقاع وجنوب لبنان.
وقدر تقرير البنك الدولي الأضرار التي لحقت بالزراعة بنحو 124 مليون دولار وخسائر تزيد على 1.1 مليار دولار، بسبب فوات الحصاد نتيجة تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين.