كشفت وزارة البترول والثروة المعدنية، اليوم، عن اعتمادها زيادات جديدة على أسعار الغاز الطبيعي للمنازل منذ سبتمبر/أيلول الماضي، دون الإعلان عنها في حينها أو نشرها في الجريدة الرسمية، على نحو يهدد تلك الزيادات بالبطلان، لمخالفتها أحكام المحكمة الدستورية العليا، التي أبطلت فيها المحكمة قرارات حكومية لعدم نشرها في الجريدة الرسمية.
كانت الإعلامية لميس الحديدي أعلنت في بوست على فيسبوك، أمس، إقرار الحكومة زيادات جديدة على أسعار الغاز الطبيعي للمنازل، في أعقاب زيارة مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا لمصر، وتأكيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن "الحكومة المصرية تُراعي ألا يضع برنامج صندوق النقد الدولي أي أعباء إضافية على كاهل المواطنين".
وصباحًا، نشرت مواقع صحفية مصرية أخبارًا حول تفاصيل الأسعار الجديدة للغاز الطبيعي، التي أصبحت 3 جنيهات للمتر المكعب بدلًا من 2.60 جنيه للأسر التي تستهلك حتى 30 مترًا مكعبًا من الغاز، و4 جنيهات للمتر المكعب بدلًا من 3.35 جنيه للأسر التي تستهلك ما بين 31-60 مترًا مكعبًا من الغاز، و5 جنيهات للمتر المكعب بدلًا من 4 جنيهات للأسر التي تستهلك أكثر من 60 مترًا مكعبًا من الغاز.
وفي معرض نفيها لتلك الأخبار قالت وزارة البترول، في بيان، إن "ما تم تداوله ونشره هو بشأن الأسعار التي تم اعتمادها ضمن الحزمة الأخيرة في شهر سبتمبر 2024، في ظل السعي لتضييق الفجوة القائمة بين الأسعار وتكاليف الإنتاج".
وبالبحث في أرشيف القرارات الوزارية بالجريدة الرسمية، اتضح أن آخر القرارات المنشورة المتعلقة بإقرار زيادات جديدة على المواد البترولية والمحروقات عمومًا هي قرارات وزير البترول الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الخاصة بزيادة أسعار البنزين والغاز الطبيعي المضغوط المستخدم كوقود للسيارات والمازوت، دون أن تتضمن تلك القرارات أي إشارة لإقرار أسعار جديدة للغاز الطبيعي المستخدم في المنازل والنشاط التجاري.
كما تبين عدم نشر الجريدة الرسمية للقرار الوزاري الخاص بزيادة أسعار أسطوانات البوتاجاز الصادر في 15 سبتمبر الماضي، الذي تداولت المواقع صورة غير رسمية عنه.
من جانبه، قال مصدر حكومي مسؤول بمجلس الوزراء لـ المنصة إن تلك الزيادات أقرت بالفعل وصدر بها قرار رسمي خلال شهر سبتمبر الماضي، وصدرت تعليمات من وزارة البترول بتعميمها داخليًا على مستودعات الغاز والشركات المسؤولة عن تحصيل فواتير الغاز المنزلي، بحيث تسلمت كل شركة نسخة من القرار مختومة وموقعة من وزير البترول.
وبرر المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، عدم نشر القرار في الجريدة الرسمية بتحسب الحكومة من تسببه في إحداث غضب شعبي، لافتًا إلى أن الحكومة باتت تتحوط من نشر قرارات الزيادة تجنبًا لذلك الأمر، مؤكدًا أن ذلك أيضًا ما شهدته الزيادات الأخيرة التي أقرت على أسعار شرائح الكهرباء، إذ لم تنشرها الحكومة هي الأخرى حتى الآن في الجريدة الرسمية للسبب ذاته.
ويخالف امتناع وزارة البترول عن نشر تلك القرارات في الجريدة الرسمية على غرار نشرها لقرارات زيادة أسعار باقي المحروقات، ما انتهت إليه أحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن وجوب نشر التشريعات والقرارات الحكومية في الجريدة الرسمية، استيفاءً لأوضاعها الشكلية.
وسبق للمحكمة التأكيد في أكثر من حكم على ضرورة نشر التشريعات بما تتضمنه من قوانين وقرارات حكومية ذات صفة تشريعية في الجريدة الرسمية تنفيذًا لأحكام الدستور، مشددة في آخر هذه الأحكام على أن نشر القاعدة القانونية يمثل ضمانًا لعلانيتها، وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وفق منطوق الحكم الذي نشرته الجريدة الرسمية، واطلعت عليه المنصة.
واعتبرت المحكمة، في حكمها الصادر في 9 مايو/آيار 2020، أن ذلك النشر يكفل وقوف المواطنين على ماهية ومحتوى القاعدة القانونية ونطاقها، ويقف حائلًا دون تنصلهم منها، و"لو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًّا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيًا".
وشددت المحكمة على أن إجبار المواطنين على الالتزام بقواعد قانونية معينة، دون نشرها في الجريدة الرسمية، يتضمن إخلالًا بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، مؤكدة أن "القاعدة القانونية التي لا تنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها".
وأبطلت المحكمة، بموجب ذلك الحكم قرار محافظ الجيزة رقم 6299 لسنة 1999 بشأن حظر تحويل الوحدات السكنية إلى غرض آخر في نطاق مدينة الجيزة والأحياء التابعة لها، لعدم نشره في الجريدة الرسمية.
كما سبق للمحكمة إصدار حكم مشابه في 3 يونيو/حزيران 2012، بعدم دستورية أحد قرارات محافظ المنوفية لذات السبب المتمثل في عدم نشره بالجريدة الرسمية، معتبرة أن عدم نشر ذلك القرار قبل تطبيقه "يزيل عن القواعد التي تضمنها صفة الإلزامية، فلا يكون لها وجود قانوني".