تضاربت تصريحات السلطات المصرية حول السفينة كاثرين/The MV Kathrin، التي يشتبه في حملها "مواد متفجرة كانت في طريقها إلى إسرائيل" ورست في ميناء الإسكندرية، خصوصًا أن عدة دول رفضت خلال الشهور الماضية التعاون معها، وتزامن مع مرور سفينة حربية ترفع علم إسرائيل قناة السويس.
نفت القوات المسلحة المصرية، في بيان، أمس، التعاون مع إسرائيل، دون الإشارة إلى السفينة كاثرين التي ترفع علم ألمانيا، أو السفينة الأخرى العابرة من القناة.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ "تنفي القوات المسلحة المصرية بشكل قاطع ما تردد على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الحسابات المشبوهة بشأن مزاعم مساعدة مصر لإسرائيل في عملياتها العسكرية".
وأضاف عبد الحافظ أنه "لا يوجد أي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل"، كما دعت القوات المسلحة الجميع إلى تحري الدقة في تداول المعلومات، مؤكدة أنها "درع الوطن وسيفه لحماية مقدراته والدفاع عن الشعب المصري العظيم".
ما قصة كاثرين؟
قبل عدة شهور، تحديدًا في أغسطس/آب الماضي، منعت ناميبيا السفينة كاثرين، التي كانت وقتها ترفع علم البرتغال، الرسو في موانيها، مؤكدة التزامها بموقفها الرافض "للتواطؤ في جرائم الحرب الإسرائيلية".
وصرّحت وزيرة العدل إيفون دوساب، لصحيفة New Era الحكومية، آنذاك، بأنها طلبت من هيئة المواني في بلادها بعدم السماح للسفينة بالرسو، التزامًا بواجبها في ضمان امتثال ناميبيا للمعاهدات الدولية، وخاصة اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
في سبتمر/أيلول الماضي، علق وزير خارجية البرتغال باولو رانجيل، في مقابلة أجرتها Política، أن "نصف حمولة السفينة تتجه إلى شركة أسلحة إسرائيلية"، وأنها "تنقل مواد ستستخدمها 3 شركات تصنيع أسلحة، واحدة منها إسرائيلية".
وأوضح الوزير أنه حصل على معلومات إضافية من مالك السفينة تفيد بأن المواد سيتم تفريغها في مينائين على البحر الأدرياتيكي، في الجبل الأسود وسلوفينيا، حيث ستنقل المواد بعد ذلك إلى وجهاتها النهائية، التي تشمل إسرائيل ودولتين من حلف الناتو، هما بولندا وسلوفاكيا.
وأشار الوزير إلى أن "السفينة لا تتجه مباشرة إلى إسرائيل، بل ستفرغ حمولتها في البحر الأدرياتيكي ليتم نقلها لاحقًا، بحرًا أو برًا، إلى بولندا وسلوفاكيا وإسرائيل". وذكر أن هذه المعلومات تأتي بناءً على استفسارات وجهت إلى مالك السفينة، الذي أكد تفاصيل الشحن بدرجة من المصداقية اعتبرها الوزير مقبولة. وطلبت السلطات البرتغالية، مؤخرًا، من السفينة التحول من العلم البرتغالي إلى العلم الألماني، وفق رويترز.
وتتبعت المنصة أمس، موقع السفينة التي مرت مؤخرًا من ميناء الإسكندرية، فوجدناها وفق موقع my ship tracking في البحر الأدرياتيكي، ما يدعم حديث وزير الخارجية البرتغالي.
ونامبيا ليست الوحيدة التي رفضت التعاون مع السفينة، إذ منعت الحكومة المالطية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي كاثرين من دخول مياهها الإقليمية، مؤكدة عدم تسامحها مع أي أنشطة تعد تواطئًا في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
وأكدت حكومة مالطا لصحيفة Times of Malta قرار الحظر، بعد دعوات من حركة "جرافيتي"، التي حذرت من أن السماح للسفينة كاثرين بالرسو في مالطا سيجعل الحكومة "متواطئة في الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين".
وأوضحت حكومة مالطا أن مالك السفينة طلب إذنًا للتوقف داخل حدودها لتغيير الطاقم، لكن الطلب قوبل بالرفض، كما لم يسمح للسفينة بالتزود بالوقود.
وبعدها حاولت السفينة التوجه إلى ميناء بار في الجبل الأسود، الذي كان وجهتها النهائية. لكن بيانات نظام تتبع السفن AIS أظهرت أنها بقيت على حدود المياه الإقليمية لأكثر من 27 ساعة دون أن تدخل الميناء، ثم غيّرت وجهتها نحو الجنوب.
وفي تقرير لقناة TRT World، قبل أسبوعين، فإن البحر الأدرياتيكي في الأسبوعين الماضيين شهد دراما متعلقة بسفينة يُزعم أنها تحمل متفجرات متجهة إلى إسرائيل.
ودعت منظمة العفو الدولية، الجمعة، دولتي سلوفينيا والجبل الأسود إلى عدم السماح للسفينة كاثرين بالرسو في موانيهما.
والأسبوع الماضي، رفع محامون مدافعون عن حقوق الإنسان دعوى قضائية في برلين، سعيًا لمنع شحنة وزنها 150 طنًا من المتفجرات ذات الاستخدام العسكري على متن كاثرين، وفق رويترز.
كاثرين في مصر
تضاربت البيانات والتصريحات المصرية حول السفينة، ما عكس حالة من الارتباك. ففي البداية نقلت القاهرة الإخبارية، مساء الخميس، عن مصدر رفيع المستوى، لم تسمه، نفي "استقبال ميناء الإسكندرية للسفينة الألمانية كاثرين المحملة بمواد عسكرية موجهة إلى إسرائيل".
وأوضح المصدر أن "هذه الادعاءات عارية من الصحة، وتأتي في سياق محاولات من جهات وأبواق مناهضة لتشويه دور مصر التاريخي والثابت في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني".
وعقب نحو ساعتين، أصدرت وزارة النقل بيانًا منافيًا، يقر بمرور كاثرين من الميناء، ويبرر ذلك.
وقالت "تنفي وزارة النقل ما تم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن سماح الحكومة المصرية لسفينة ألمانية بالرسو في ميناء الإسكندرية، وتؤكد الوزارة أن هذا الخبر غير صحيح". لكن البيان تابع أن "السفينة كاثرين، برتغالية الجنسية وترفع العلم الألماني، قد رست بالفعل في ميناء الإسكندرية لتفريغ شحنة لصالح وزارة الإنتاج الحربي، وقد تقدمت بطلب رسمي لمغادرة الميناء باتجاه ميناء حيدر باشا في تركيا لاستكمال خط سيرها".
وفي غضون ذلك، تقدم الناشط السياسي أحمد دومة ببلاغ إلكتروني، أمس، للمكتب الفني للنائب العام بشأن السفينة كاثرين، عريضة رقم 969918، وجاء فيها "أطالب بفتح تحقيق في المعلومات المتاحة حول رسو سفينة تسمى كاثرين في ميناء الإسكندرية محملة بمواد متفجرة لدولة الكيان الصهيوني، واتخاذ اللازم من التحفظ على السفينة ومنع تحميل حمولتها على أي سفينة أخرى".
وقال دومة على فيسبوك "تحركت السفينة كاثرين من فيتنام حاملة شحنة متفجرات مبعوثة إلى شركة تصنع أسلحة لجيش الاحتلال الصهيوني. بسبب الضغوط الشعبية والمعارضة الرسمية من بعض الدول أُجبرت السفينة على تغيير علمها ومُنعت من الرسو في عدة بلدان منها مالطا وناميبيا وأنجولا".
وأضاف "وصلت السفينة ميناء الإسكندرية يوم 28 أكتوبر 2024 بتوكيل للمكتب المصري للاستشارات البحرية، حيث تم تفريغ حمولتها التي أدرجها موقع الهيئة العامة لميناء الإسكندرية الرسمي تحت وصف 309712 طن حربي"، موضحًا "تستعد السفينة كاثرين لمغادرة الميناء يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".
ووفقًا لبيانات ميناء الإسكندرية على موقعه الإلكتروني غادرت السفينة كاثرين، التي ترفع علم ألمانيا، الميناء عند تمام الساعة 2:45 فجر الجمعة، بعد رسوها في الساعة الثانية ظهر 28 أكتوبر الماضي، بتوكيل ملاحي من المكتب المصري للاستشارات الملاحية EMCO.
وتابع دومة أن "مرور شحنة ذات طبيعة حربية تابعة لجيش العدو في ميناء مصري يمثل خرقًا واضحًا لالتزامات مصر بعدة قوانين دولية ومعاهدات عربية". وطالب بالتحقيق في رسو السفينة كاثرين في ميناء الإسكندرية وإصدار أمر عاجل بالتحفظ عليها ريثما يتم التحقيق في الواقعة والتثبت من مصدر الشحنة والشركة المالكة لها ووجهتها".
كما طالب التحقيق مع المسؤولين عن السماح للسفينة كاثرين بالرسو في ميناء الإسكندرية، وإدراج المكتب الاستشاري المصري على قائمة الكيانات الإرهابية وفقًا لقانون 8 لسنة 2015 "لتورطه في تسهيل هذه الجريمة"، ومنع استقبال "أي شحنات حربية أخرى متجهة إلى جيش الاحتلال الصهيوني أو أي شركة تزوده بالسلاح أو الخدمات".
بلاغ دومة ليس الأول، إذ تقدم محامون ونشطاء، الخميس الماضي، ببلاغ إلى النائب العام للمطالبة بالحجز على كاثرين، اختصم رئيس مجلس الوزاراء مصطفى مدبولي، بصفته، ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية اللواء أحمد حواش بصفته، والمدير التنفيذي لشركة المكتب المصري للاستشارات البحرية EMCO راندا عبد الله، المسؤول عن التوكيل الملاحي للسفينة.
ومن بين مقدمي البلاغ "مختار منير، حازم صلاح، أسماء نعيم، ماهينور المصري، إسلام سلامة، ممدوح جمال، محمد عواد، خلود سعيد، رشا عزب".
وكانت المنصة تواصلت، الخميس، مع شركة "المكتب المصري للاستشارات البحرية"، للاستفسار عن علاقته بكاثرين، وفي البداية أكد الشخص الذي رد على الهاتف أن الشركة بالفعل هي الوكيل البحري للسفينة كاثرين، وأنها من أنهى إجراءات دخولها إلى الميناء. وعند سؤاله عن طبيعة حمولة السفينة، وما يثار بشأن تفريغها "شحنة مواد متفجرة كانت في طريقها إلى إسرائيل"، جاء الرد بأن المدير المسؤول والمخول بالإجابة عن هذا السؤال في اجتماع، مع وعد بالرد بعد نصف ساعة، لم يتسنَ الحصول عليه حتى وقت النشر.
سفينة حربية إسرائيلية تعبر القناة
ومن جهة أخرى، تداول رواد على السوشيال ميديا أمس، مقطع فيديو يُظهر عبور سفينة حربية إسرائيلية، ترفع علمي إسرائيل ومصر، قناة السويس.
وتأكدت صفحة FactCheck بالعربي من صحة الفيديوهات المتداولة لعبور السفينة الإسرائيلية في قناة السويس، إذ أظهرت المقاطع علامة تحمل الرقم 160 على شارع شهداء اليمن في منطقة بورتوفيق. وبعد التحقق، وُجدت فيديوهات سابقة من نفس الموقع، بما فيها بث مباشر من صفحة أخبار بصراحة يظهر العلامة نفسها، مع لافتة أخرى تبدأ بالرقم 4 أسفلها.
وقالت هيئة قناة السويس في بيان، مساء أمس، إنها ملتزمة بتطبيق اتفاقية القسطنطينية الدولية، التي تكفل حرية الملاحة في القناة لكل السفن، سواء التجارية أو الحربية، دون تمييز على أساس الجنسية.
وأوضحت الهيئة أن عبور السفن الحربية "يخضع لإجراءات خاصة تتوافق مع بنود الاتفاقية، التي تضمن حرية المرور في القناة في أوقات السلم والحرب".
واتفاقية القسطنطينية هي معاهدة وُقعت في 29 أكتوبر 1888 بين مجموعة من القوى الكبرى في ذلك الوقت، شملت المملكة المتحدة، والإمبراطورية الألمانية، والإمبراطورية النمساوية المجرية، والإمبراطورية الروسية، والدولة العثمانية، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا.
وتنص الاتفاقية على ضمان حرية الملاحة في قناة السويس، واعترفت رسميًا بسيادة مصر على القناة، كما ألزمت الدول الموقعة باحترام سلامة القناة والامتناع عن القيام بأي عمليات عسكرية فيها.
ورغم أن الاتفاقية منحت مصر سيادة شكلية على القناة، إلا أن إدارتها وسيطرتها الفعلية كانت محدودة وتحت نفوذ القوى الاستعمارية حتى تأميم القناة عام 1956.