جددت أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ونحو 700 من المعماريين ونشطاء حقوق الإنسان والأفراد، أمس، مطالبهم بضرورة التحرك العاجل لوقف هدم جبانات القاهرة التاريخية، بوصفها "جزءًا عزيزًا بل مقدس من تراثنا الثقافي وليست مجرد أحجار".
وطالب البيان، الموقّع من أحزاب الاشتراكي المصري والتحالف الشعبي الاشتراكي والدستور والمصري الديمقراطي الاجتماعي، بوقف "موجات التدمير الممنهج الذي تتعرض له جبانات مصر التاريخية منذ أربع سنوات على مراحل متتالية".
وسعيًا لوقف عمليات الهدم الدائمة، أهاب البيان بكل "شرفاء الوطن الوقوف ضد هذه الجريمة"، مؤكدًا أن تلك العمليات تتوقف مؤقتًا مع تصاعد الرفض المجتمعي "الذي يعبر عنه الفزع من مشاهد الجرافات وهي تزيل حجارة يعود عمرها لأكثر من ألف عام، وتدك عظام الموتى بقسوة وعنف غير مسبوقين، دون أي اعتبار للتاريخ أو الأعراف الإنسانية أو الديانات السماوية".
وأشار البيان، الذي وقعت عليه "منظمات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبيت فاطمة للتنمية والثقافة، وقضايا المرأة المصرية ومبادرة إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية"، إلى أن مشهد الجرافات التي تهاجم المواقع التراثية المقدسة لدى المصريين بكل أطيافهم وانتماءاتهم، وتنشر الدمار والخراب، بات يثير الحزن والأسى "وكأننا نشهد ساحة معركة".
تراجع تكتيكي
وفي أعقاب الجدل الذي أثارته مشاهد هدم قبة مستولدة محمد علي باشا، بمقابر الإمام الشافعي، قرر وزير الثقافة أحمد هنو، الأحد الماضي، وقف عمليات الهدم بالمنطقة بشكل مؤقت، لحين التنسيق مع الجهات المعنية للبقاء على الأضرحة في مكانها أو بحث إمكانية نقل الأضرحة الأخرى في مكان آخر لاستكمال مشروع المحور المروري الجاري إنشاؤه.
لكن الموقعين على البيان اعتبروا تلك الخطوة تراجعًا تكتيكيًا كما حدث في المرات السابقة التي تعرضت فيها عشرات المدافن ذات القيمة المعمارية والمعنوية للهدم، دون تقديم أي تبرير لهذا "الدمار الشامل"، الذي طال أهم المدافن ذات القيمة الكبيرة، خاصة تلك المدرجة على قائمة جهاز التنسيق الحضاري في العام الماضي "هذا يدفعنا للتساؤل عن الهدف الحقيقي وراء هذا الاستهداف المتعمد والإصرار عليه، بل وعن سبب إخراج نصف المدافن المسجلة من قائمة الجهاز تمهيدًا لإزالتها".
وتكرر ذلك الأمر في سبتمبر 2023 استجابة للضغط الشعبي، الذي تزامن مع التوسع في أعمال الهدم بمقابر الإمام الشافعي، إذ قررت السلطات مطلع الشهر الجاري وقف الأعمال بشكل مؤقت، بحسب أربعة مصادر ذات صلة بالأمر تحدثت إليهم المنصة، في تقرير سابق.
ما الحل؟!
ولا يرى الموقعون على البيان مبررًا منطقيًا لتوجه الحكومة، خاصة في ظل وجود بدائل للإزالة قدمتها لجنة شكلها مجلس الوزراء من متخصصين في التخطيط العمراني والحفاظ على التراث عام 2003، برئاسة وزير التعليم العالي.
ولفت البيان إلى أن تلك اللجنة أعدت دراسة لجدوى مشروع الطرق والكباري الذي بدأ تنفيذه في 2020، وأثبتت أنه "غير مجدٍ لأنه لا يوفر سوى دقيقتين"، مرجحة استغلال شبكة الطرق الحالية والمستحدثة دون المساس بالجبانات التاريخية، كمشروع بديل.
وإزاء ذلك، طالب البيان باستعادة اللجنة المشكلة سابقًا للبدء في تنفيذ المشروع الذي اقترحته وتمت الموافقة عليه، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المؤسفة التي حدثت العام الماضي، بالإضافة إلى إلغاء مشروع المحاور المرورية الحالي وإحلال مشروع اللجنة البديل محله.
كما طالب الموقعون عليه بضرورة التخلي عن مشروع إزالة الجبانات التاريخية للقاهرة المقترح ضمن المخطط الاستراتيجي للقاهرة، وإعادة المدافن المشطوبة، التي لم تُزَل بعد، إلى قائمة جهاز التنسيق الحضاري، وإعادة تركيب المآذن الأربعة التي تم فكها في قرافة السيوطي، وهي "الغوري، المسيح باشا، السلطانية، قوصون الساقي".