بدأت فكرته منذ أكثر من 9 أشهر، ليكون بمثابة رحلة إلى عصور ازدهار الفن والثقافة في الإسكندرية، ورغم أنه يحمل اسم الفنان التشكيلي الراحل محمود سعيد، لكنه لا يكتفي بعرض مسيرته الفنية فحسب، إنما يقدم للجمهور، للمرة الأولى، إبداعات نحو 14 فنانًا ممن عاصروه من الأجانب الذين عاشوا في مصر وتأثروا بها.
"في صحبة محمود سعيد" المعرض الفني الذي يحتضنه قصر عائشة فهمي في الزمالك، منذ 16 يوليو/تموز الماضي ويستمر حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بمناسبة مرور 60 عامًا على رحيل محمود سعيد، يضم 40 عملًا من روائع سعيد، إضافة إلى 75 عملًا لـ14 فنانًا وفنانة من أصدقائه، من مختلف الجنسيات.
رئيس قطاع الفنون التشكيلية وليد قانوش يعتبر المعرض "بحثًا وعرضًا تاريخيًا مهمًا، يدفعنا لتقييم فترة طليعة الحركة التشكيلية في مصر، بدايات القرن العشرين، التي تأثرت واستفادت من التبادل الثقافي بين الفنانين المصريين والأجانب الذين عاشوا بمصر خلال تلك الفترة، وكيف عكست أعمالهم قيم مشروع النهضة المصرية"، حسب قوله لـ المنصة.
الزائر للمعرض يشاهد اللوحات الفنية إلى جانب بوسترات تعريفية، ونصوص توضيحية، تقدم تجربة ثقافية شاملة، أو كما قال مدير عام مراكز الفنون وصاحب فكرة المعرض الدكتور علي سعيد لـ المنصة "لاحظت أن الجمهور ينقسم إلى نوعين رئيسيين، الأول مهتم بالفنون البصرية، والثاني يزور القصر بدافع السياحة والتاريخ".
لجذب النوع الأخير للمعرض الذي يفتح أبوابه مجانًا للزوار يوميًا على فترتين، من التاسعة صباحًا إلى الثانية ظهرًا، ومن الخامسة حتى التاسعة مساءً، عدا الجمعة، يقول سعيد "قررنا عرض الأعمال الفنية مع تقديم شرح وافٍ بجانب كل لوحة، مع توضيح علاقة الفنانين ببعضهم البعض والسياق التاريخي الذي أنتجت فيه هذه الأعمال، بهدف تسهيل عملية الاستيعاب والتقدير الفني لدى الجمهور غير المتخصص".
من متاحف الجزيرة ومحمود سعيد والفنون الجميلة بالإسكندرية، ومحمد محمود خليل وحرمه بالقاهرة، جُمعت لوحات المعرض، بالإضافة لأعمال تُعرض للمرة الأولى تمت استعارتها من مقتنين بعد التأكد من أصالتها، وفق سعيد.
الطابقان الأول والثاني من قصر عائشة فهمي يستحوذان على لوحات محمود سعيد، الأول يضم بورتريهات حملت الطابع الأرستقراطي رسمها لعائلته، فنرى زوجته وابنته وعمه في لمحات من الحميمية والدفء، إلى جانب 3 بورتريهات ذاتية، وفي الثاني نرى الإسكندرية حاضرة بشوارعها ونسائها وبحرها الذي يزين خلفية لوحاته.
في القاعة الأرضية تتجاور لوحات 14 فنانًا من أصدقاء محمود سعيد، من إيطاليا وفرنسا واليونان وسويسرا، على رأسهم معلماه إميليا دافورنو كاسوناتو وأرتوو زانييري، إلى جانب روجيه بريفال وجوزيبي سيباستي وأرستيد بابا جورج ولوران مارسيل ساليناس وكليا بدارو وكارلوس سوارس، والمصري الوحيد المشارك جوزيف مزراحي، أول فنان مصري يدرج اسمه في موسوعة الفنانين العالميين "بينزيت".
بدأت فكرة المعرض منذ أكثر من 9 أشهر، يقول علي سعيد "كان الهدف الرئيسي تسليط الضوء على دور الفنانين الأجانب الذين عاشوا وعملوا في مصر خلال فترة التحول الفني المهمة في نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، نظرًا لإسهاماتهم الجوهرية في تأسيس الفن المصري الحديث".
تزامنت الفكرة مع اقتراب مرور 60 عامًا على رحيل محمود سعيد "ما دفعنا إلى التفكير في إقامة معرض يخلد ذكراه ويقدم أعماله للجمهور القاهري، الذي قد لا يتمكن من زيارة متحفه بالإسكندرية"، حسبما قال مدير عام مراكز الفنون، مؤكدًا أن لوحات سعيد لها قيمة فنية وتاريخية لا تقل عن قناع توت عنخ آمون.
يعتبر محمود سعيد أحد روّاد الحركة التشكيلية في مصر والعالم العربي، وهو نجل محمد سعيد باشا رئيس وزراء مصر، وخال الملكة فريدة زوجة الملك فاروق، وتعود جذور عائلته إلى أصول تركية قوقازية.
درس الفنان في كلية فيكتوريا العريقة، وتعلّم في منزل والده مع معلمين مصريين وأجانب، ثم التحق بمرسم الفنانة الإيطالية إميليا كاسوناتو دافورنو، ثم مرسم أرتورو زانييري.
بالتزامن مع حصوله على ليسانس الحقوق، أقام معرضه الأوّل عام 1918 في الإسكندية، وبعدها بعامين حصل على دروس في أكاديمية جوليان بباريس.
ورغم نبوغه كأحد روّاد الحركة التشكيلية، حافظ على ترقّيه في سلك القضاء حتى وصل إلى أعلى المناصب إلى أن استقال عام 1947 وتفرّغ للفن، وكان أول رسام مصري يحصل على جائزة الدولة التقديرية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1960، وشُيّع في جنازة مهيبة عام 1964.