صوَّت البرلمان الليبي، بالإجماع، الثلاثاء، على إنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، واعتبار حكومة شرق البلاد برئاسة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة، وذلك بعد يومين من لقاء خليفةِ فتحي باشاغا مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مدينة العلمين الجديدة.
تطورات الأحداث في المشهد الليبي لم تقف عند إعلان المتحدث باسم مجلس النواب الليبي عبد الله بليحق، الثلاثاء، التصويت بالإجماع على إنهاء ولاية السلطة التنفيذية التي جاءت بالمرحلة التمهيدية، إذ قرر البرلمان كذلك "سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي، وإعطاء الصفة لرئيس البرلمان عقيلة صالح".
وخلال الجلسة قال صالح إن حكومة الوحدة "فشلت في أداء مهامها وعجزت عن تنظيم الانتخابات"، وإن مجلس النواب "يسعى إلى تحقيق سلطة واحدة قادرة على السيطرة والعدالة بين الشعب".
"العاصمة طرابلس وقعت تحت سيطرة عصابات مسلحة أعلنت وجودها وقوتها بعد انتخابات مجلس النواب، تنازلنا من أجل اتفاق يرضي الجميع، لكن هناك مجموعة تريد بقاء الوضع على ما هو عليه"، قالها صالح.
"نحن أمام مرحلة مفصلية"، حسب صالح، مضيفًا "علينا تحمل مسؤولياتنا للعمل على المصالحة وتشكيل سلطة تحقق الحكم المحلي وتنهي المركزية، سعينا لتحقيق العدالة ووضعنا خارطة الطريق بعد فشل حكومة الوحدة في تحقيق مهامها، وسعينا بصدق وإخلاص إلى إخراج الدولة إلى مرحلة الاستقرار".
لم ترد حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة الدبيبة، على قرار مجلس النواب، إلا أنها تعتبر حكومة الشرق، برئاسة حماد، سلطة موازية لا تحظى بالاعتراف الدولي، وهو ما أعلنته صراحة الأحد الماضي، عقب لقاء حماد مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
حماد التقى مدبولي في مدينة العلمين الجديدة، في أول زيارة له خارج البلاد منذ تكليفه بتشكيل حكومة شرق البلاد من مجلس النواب الليبي في مايو/ أيار 2023، خلفًا لفتحي باشاغا.
ومجلس الوزراء المصري قال في بيانه يومها "رئيس الوزراء يستقبلُ نظيره الليبي بمقر الحكومة في العلمين الجديدة"، وهو ما أغضب حكومة الوحدة، التي استنكرت استقبال مصر لـ"أجسام موازية لا تحظى بأي اعتراف دولي".
وقالت، في بيان، إن "هذه الخطوة ليست ذات أي أثر واقعي، لكنها خروج عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والاحتراب"، وحمّلت القاهرة "المسؤولية الأخلاقية والسياسية المحلية الإقليمية والدولية".
واحتجاجًا على استقبال حماد في مصر، أبلغت حكومة الوحدة مسؤولين في المخابرات المصرية، ضمن العاملين بسفارتها في العاصمة طرابلس، بمغادرة أراضي البلاد فورًا، حسب وسائل إعلام رأت أن لقاء مدبولي وحماد يعد "اعترافًا رسميًا" بشرعية الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان.
عقيلة صالح وصف موقف حكومة الوحدة بـ"التصرفات غير المسؤولة"، وفق الشرق الأوسط، وقال إن ما صدر من "تصرفات وممارسات ضد مصر لا يمثل الليبيين؛ لما تربطهم مع الشعب المصري من علاقات تاريخية وطيدة، لن يعكر صفوها أي محاولات أو خلافات".
تزامنًا مع الخلافات السياسية المتصاعدة، تصاعدت عمليات التحشيد العسكري في اتجاه مدن غرب ليبيا، من جانب قوات الشرق الموالية لخليفة حفتر، المعروفة باسم "الجيش الوطني"، إلى جانب اشتباكات في طرابلس بين القوى العسكرية الداعمة لحكومة الوحدة.
وكان رد الناطق باسم الجيش أحمد المسماري حول التحشيد العسكري، حسب العربية، أن الهدف السيطرة الكاملة على الحدود لمواجهة حالة عدم الاستقرار التي تشهدها بعض دول الجوار مثل مالي والنيجر وتشاد، ومواجهة حركة الهجرة غير النظامية التي ازدادت في هذه المناطق الحدودية خلال الأيام الأخيرة.
وأمام تلك التوترات، أعرب مراقبون، لم تسمهم العين الإخبارية، عن مخاوفهم من تكرار سيناريو 2019، الذي شهد معارك بين الجيش الليبي وقوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني، آنذاك، استمرت أشهرًا، قبل أن يتراجع الجيش الليبي إلى الجفرة وسرت وسط ليبيا.
"سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر" حسبما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يونيو/حزيران 2022، قائلًا إن أي تدخل مصري مباشر في ليبيا بات شرعيًا، مؤكدًا أن "جاهزية القوات المصرية للقتال صارت أمرًا ضروريًا".
وتأتي أهمية سرت من كونها تبعد بنحو ألف كيلو متر عن الحدود المصرية، وتتوسط المسافة بين عاصمة البلاد طرابلس، وبنغازي على الساحل الليبي، وتجعل السيطرة على سرت الطريق مفتوحًا لإحكام القبضة على المواني النفطية في منطقة الهلال النفطي شرق ليبيا، التي تضم أكبر مخزون للنفط.
جنوب سرت تقع قاعدة الجفرة الجوية، ولا يفصلها عنها سوى طريق مفتوح لا يتجاوز 300 كيلو متر، وتعد قاعدة الجفرة من أكبر القواعد الجوية الليبية، كما تشكل غرفة عمليات رئيسية لقوات الجيش الوطني الليبي.
ومنطقة الجفرة تقع وسط البلاد، وتبعد بنحو 650 كيلو مترًا جنوب شرق طرابلس، وهي محور ربط بين الشرق والغرب والجنوب، ويعني السيطرة على قاعدة الجفرة، تقريبًا السيطرة على نصف ليبيا.