وثقت منظمة العفو الدولية مخالفة السلطات المصرية لاتفاقية اللاجئين، بإعادة 800 منهم من السودانيين إلى بلادهم في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2024 "بدون إجراء تقييمات فردية لحالتهم، أو إتاحة الفرصة أمامهم لطلب اللجوء، أو الطعن في قرارات الترحيل"، حسب تقرير "كبلونا وكأننا مجرمون خطرون.. الاحتجاز التعسفي والإعادة القسرية للاجئين السودانيين في مصر"، الذي أصدرته منظمة العفو الدولية أمس الأربعاء.
وأرجع التقرير حملة "الاعتقالات الجماعية" للسودانيين، إلى قرار الإدارة المصرية بتقنين أوضاع الأجانب المقيمين في مصر بصورة غير شرعية، في أغسطس/آب 2023. ويشترط القرار لتقنين الأوضاع دفع المقيمين الأجانب بصور غير شرعية ما يعادل 1000 دولار مع وجود مستضيف مصري، خلال مهلة 3 أشهر، ومُددت المهلة بعد ذلك في ديسمبر/كانون الأول الماضي ثلاثة أشهر أخرى، ثم في مارس الماضي لستة أشهر إضافية.
وفيما أكد التقرير على أن حملات التتبع الأمنى للاجئين سببها دخول السودانيين بسبل غير نظامية إلى مصر.
وتحظر المادة 31 من اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين والتي وقعت عليها مصر، على الدولة ملاحقة اللاجئين الذين يدخلون إلى أراضيها بسبل غير شرعية. وتنص المادة على أن "تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية، بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني، على اللاجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة".
كذلك حظرت الاتفاقية في المادة 32 منها طرد اللاجئين، قائلة "لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئًا موجودًا في إقليمها إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام".
واستعانت المنظمة بشهادات 19 من المتضررين السودانيين إلى جانب أربعة من القادة المجتمعيين داخل الجالية السودانية في مصر، ومحامٍ شارك في الدفاع عن لاجئين، وأقارب وأصدقاء للاجئين سودانيين اعتقلوا أو رحلوا.
260 معتقل سوداني منذ سبتمبر
ورصد التقرير قبض الشرطة المصرية وقوات حرس الحدود على 260 سودانيًا منذ سبتمبر/أيلول 2023، "من بينهم ما لا يقل عن 11 طفلًا" لا يتجاوز عمر أصغرهم العامين، وذلك لعبورهم إلى مصر "بصورة غير نظامية، أو لأنهم ليست لديهم إقامة سارية". وأن السلطات احتجزتهم بين "بضعة أيام وستة أسابيع، ثم قامت بإبعادهم".
ونوهت المنظمة إلى صعوبة الوقوف على إجمالي السودانيين الذين تم القبض عليهم في مصر أو ترحيلهم منذ بدء الصراع المسلح في السودان في أبريل 2023، لأن "السلطات المصرية لم تقدم أي إحصائيات، ولم تقر علنًا بانتهاج سياسة الترحيل".
وأرسلت المنظمة نتائج تقريرها في 12 أبريل الماضي إلى وزارة الداخلية المصرية ووزارة الدفاع والمجلس القومي لحقوق الإنسان، إلا إنها لم تتلق رد إلا من المجلس القومي، والذي نفى بعد 4 أيام من استلامه التقرير تزايد وتيرة القبض على السودانيين، "زاعمًا أن السلطات تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي".
التفتيش الأمني بالقاهرة والجيزة
شهدت محافظتي القاهرة والجيزة منذ سبتمبر الماضي "عمليات الإيقاف والتفتيش الأمني الجماعي للاجئين والمهاجرين لفحص وثائق إثبات هويتهم"، وفق تقرير العفو الدولية الذي أشار إلى أن التفتيش ركز على الأحياء المعروفة باستضافة الأجانب "مثل السادس من أكتوبر وأرض اللواء وفيصل" بالإضافة إلى "وسط القاهرة مثل العتبة ورمسيس".
وأوضح أن عمليات التفتيش تتم من قبل عناصر شرطة "يرتدون الزي الرسمي أحيانًا والملابس المدنية في أغلب الأحيان"، مشيرًا إلى تمركزهم في "حافلات تحمل أو لا تحمل شارات تابعة للشرطة، تقف في الشوارع العامة، أوعند نقاط تفتيش مؤقتة".
وتابع أن التوقيف يحدث للأفراد عند ركوب وسائل النقل أو المشاة" مستهدفين "الأفراد السود في الغالب، ويأمرونهم بإخراج وثائق هويتهم"، على أن يتم "اعتقال" الأجانب الذين لا يجدون في حوزتهم تصاريح إقامة سارية، حتى وإن كانوا مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، ورغم ما يوفره هذا التسجيل من حماية.
وكشف التقرير مأساة أربعة سودانيين قُبض عليهم في 26 ديسمبر الماضي من إحدى نقاط التفتيش الأمنى في مدينة السادس من أكتوبر، قال أحدهم، والذي تحفظت المنظمة على نشر اسمه، بأنهم عُرضوا على النيابة ووجهت لهم تهمة "عدم حيازة تصاريح إقامة سارية، لكنها أمرت بإخلاء سبيلهم في اليوم التالي بعدما قدموا تصاريح إقامة سارية".
ويتابع أن الشرطة امتنعت عن تنفيذ إخلاء السبيل "متهمة إياهم بالتسول، وهي جريمة يعاقب عليها القانون المصري بالحبس لمدة لا تتجاوز شهرين"، مضيفًا أن الشرطة في الوقت ذاته لم تحل قضاياهم للنيابة، وبعد أن "لبثوا في الحجز 45 يومًا" دون المثول أمام القضاء أو النيابة، ودون السماح لهم بالطعن في قانونية احتجازهم "أفرجت عن المسجل الوحيد فيهم لدى مفوضية اللاجئين ورحلت ثلاثة منهم إلى السودان".
وكنتيجة لذلك أدت هذه الحملات إلى "تقييد" حركة اللاجئين داخل القاهرة والجيزة "مما قلص من إمكانية حصولهم على الخدمات الأساسية وفرص العمل".
ويخالف ذلك الجزء الثاني من المادة 31 من اتفاقية 1951 للاجئين التي تنص على حقوق اللاجئين في التنقل. وتنص المادة على أن "تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض غير الضروري من القيود على تنقلات هؤلاء اللاجئين، ولا تطبق هذه القيوم إلا ريثما يسوى وضعهم في بلد الملاذ، أو ريثما يقبلون في بلد آخر، وعلى الدول المتعاقدة أن تمنح اللاجئين المذكورين مهلة معقولة، وكذلك كل التسهيلات الضرورية ليحصلوا على قبول بلد آخر بدخولهم إليه".
أسوان
باعتبارها النقطة الأولى التي يقصدها السودانيون فور وصولهم مصر، وثق التقرير 10 حوادث احتجاز تعسفي على أيدي الشرطة وقوات حرس الحدود في أسوان، بحصيلة "250 لاجئ سوداني من بينهم ما لا يقل عن 23 إمرأة و11 طفلًا"، دخلوا مصر بصورة غير نظامية خلال الفترة من أكتوبر 2023 إلى فبراير 2024.
وكان للشرطة وحدها النصيب الأكبر من هذه الوقائع بواقع سبع، قامت فيها بـ"اعتقال لاجئين سودانيين في الشارع أو عند نقاط التفتيش أو في وسائل النقل أو المستشفيات".
ويشير التقرير أيضًا إلى أن أربع وقائع من العشرة، جرى القبض فيها على سودانيين من داخل حافلات كانت تقلهم إلى القاهرة، إذ صعد رجال الشرطة إلى السيارات بزي رسمي وقبضوا على كل "من لا يحمل جواز سفر ساري المفعول أو يخلو جواز سفره من ختم الدخول".
أما قوات حرس الحدود التابعة للجيش المصري، فقالت المنظمة إنها وثقت قبضها على "200 لاجئ سوداني"، في "ثلاث وقائع منفصلة وقعت خلال الفترة بين يناير وفبراير 2024".
وطال الاحتجاز سودانيين كانوا يتلقون العلاج في المستشفيات "لما لحق بهم من إصابات في حادثي سير منفصلين في 29 أكتوبر 2023 و21 فبراير".
كذلك قالت منظمة العفو الدولية أنها علمت باعتقال "ستة نساء، تتراوح أعمارهن بين 26 و 55 عامًا، وتم نقلهن قسريًا من أحد مستشفيات أسوان إلى مراكز شرطة مختلفة في نفس المحافظة، حيث احتُجزن لمدد بلغ أقصاها 10 أيام، دون مثولهن أمام وكيل نيابة أو قاضٍ، حتى وقت ترحيلهن.
كما رصدت المنظمة ضمن ما وثقت من انتهاكات، أن "الشرطة تقاعست عن إبلاغ أي من اللاجئين المعتقلين بأسباب اعتقالهم"، مشيرة إلى أنه في حالتين على الأقل "كذبت الشرطة على اللاجئين، إذ قالت لهم إنهم سوف يظلون في الحجز ثلاث أيام ريثما يتم توفيق أوضاعهم أو إخضاعهم لاختبارات الكشف عن المخدرات"، وبدلًا من ذلك "ظلوا في الحجز حتى ترحيلهم".
رسائل إلى السلطة
وعلى خلفية هذه الانتهاكات وجهت المنظمة مجموعة من التوصيات للحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، باعتباره شريك لمصر في ملف الهجرة واللاجئين، منها "رفع القيود المفروضة على دخول السودانيين"، مع وضع حد للاعتقال والاحتجاز التعسفي للسودانيين لمجرد إنهم دخولهم مصر بصورة غير نظامية.
وفيما يخص السودانيين المحتجزين بالفعل، طالبت المنظمة بتمكينهم من الاتصال بمفوضية اللاجئين وبتقديم الحماية الدولية لهم، وإجراء "تحقيقات نزيهة ومستقلة وشاملة بشأن كافة إدعاءات التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة التي يتعرض لها اللاجئون السودانيون".
كما طالبت منظمة العفو الدولية الاتحاد الأوروبي بضرورة مراعاة الحقوق الإنسانية للمهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين، عند إبرام أي اتفاقيات في مجال الهجرة مع مصر.
يأتي ذلك في وقت تلقى سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الإدارة المصرية انتقادات، إذ تتهمها منظمات بالتغاضي عن ملف حقوق الإنسان في مصر. وسبق وطالبت 16 منظمة مصرية ودولية في رسالة وجهتها إلى الاتحاد الأوروبي في 13 يونيو/حزيران الجاري، بالإلتزام بالقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي بمراعاة ملف حقوق الإنسان في المنح المقدمة لمصر.
وعادة ما تروج الحكومة المصرية لاستقبال اللاجئين ومعاملتهم معاملة المصريين.