طالبت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، السلطات المصرية، بمنع "تجنيد الأطفال في سيناء، واستخدامهم في الأعمال العدائية من جانب جماعات مسلحة"، لم تسمها، مشددة في تقريرها الختامي، الصادر أول أمس الخميس، حول أوضاع حقوق الطفل في مصر، على "ضرورة الإفراج الفوري عن الأطفال ضحايا التجنيد، ونزع سلاحهم، وإعادة تأهيلهم، ولم شملهم بأسرهم".
وتطرقت اللجنة الأممية إلى ما قالت إنه "معلومات لديها حول استخدام المدارس في شمال سيناء كقواعد عسكرية" أثناء المواجهات مع تنظيم ما يعرف بـ"ولاية سيناء"، مطالبة بـ"إصلاح وإعادة بناء المدارس التي تضررت أو دمرت أثناء أعمال العنف المسلح".
وأصدرت اللجنة ملاحظاتها الختامية تعقيبًا على مناقشة مصر تقريريها الخامس والسادس حول مدى التزامها باتفاقية حقوق الطفل، في جلستين منفصلتين عقدتا يومي 13 و14 مايو/أيار الماضي.
وإلى جانب التقارير الحكومية، تتلقى اللجنة تقارير موازية لمنظمات مجتمع مدني، تساعدها على مواجهة الوفود الرسمية للدول الأطراف بحقيقة الوضع الحقوقي على الأرض.
ومن بين التقارير التي تلقتها اللجنة، تقارير لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان رصدت أوضاع التعليم والمدارس في شمال سيناء، فضلًا عن "تجنيد الأطفال ضمن مجموعات قبلية موالية للجيش المصري في إطار حربه ضد تنظيم ولاية سيناء".
في سياق أخر، أعربت اللجنة عن "قلقها" إزاء ما وصفته بـ"إدعاءات" تلقتها حول تعرض أطفال في مصر "للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي رجال الأمن على وجه الخصوص أثناء الاستجوابات السابقة للمحاكمة"، مطالبة بـ"وضع حد لممارسة الحبس الانفرادي للأطفال".
وأفاد التقرير، الذي جاء في 17 ورقة، بتلقي اللجنة معلومات عن "أشخاص نٌفذ في حقهم أحكام إعدام على خلفية جرائم ارتكبوها بينما كانوا في عمر أقل من 18 سنة". وحثت اللجنة السلطات المصرية على التنفيذ الصارم لحظر عقوبة الإعدام على من يقل عمره عن 18 سنة، وفقًا للمادة 111 من قانون الطفل.
ولضمان حدوث ذلك، طالبت اللجنة السلطات المصرية بـ"مراجعة كافة أحكام الإعدام للتأكد من عدم وجود طفل"، فضلًا عن مطالبتها بالإسراع في إنشاء محاكم الأطفال المتخصصة، وتعيين قضاة متخصصين، وضمان حصول هؤلاء القضاة على التدريب المناسب.
وفي سياق متصل، طالبت اللجنة السلطات المصرية بـ"تجريم الاختفاء القسري بشكل صريح"، وكان الوفد المصري الذي شارك في جلستي مايو نفى وجود اختفاء قسري للأطفال.
وتعليقًا على ذلك قال الباحث بلجنة العدالة، إحدى المنظمات التي شاركت في جلستي النقاش، أسامة محمد أوغلو، لـ المنصة، إن "نفي الوفد لوجود حالات اختفاء قسري، ما هو إلا محاولة للتنصل من مسؤولية الدولة، وتأكيدًا على استمرارها في توفير الغطاء لمرتكبي تلك الجرائم". وطالب أوغلو، مصر، بالانضمام "الفوري للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري".
أطفال اللجوء
وخص التقرير الأممي الأخير "الأطفال ملتمسي اللجوء، واللاجئين والمهاجرين" بالذكر، محذرًا من احتجازهم. وتطرق إلى حالات أطفال مهاجرين، وصلوا إلى مصر دون ذويهم ورحلوا، فضلًا عن "محدودية فرص حصول الأطفال ملتمسي اللجوء والمهاجرين على الرعاية الصحية العامة".
وتطرق التقرير كذلك إلى أطفال غزة، مطالبًا السلطات المصرية بتسهيل دخول الأطفال الباحثين عن الحماية الدولية "مع السعي إلى التعاون الدولي في هذا الصدد".
وفيما يخص حقوق الفتيات، شدد التقرير على "ضرورة إلغاء جميع الأحكام التمييزية في التشريعات، ولا سيما قانون العقوبات، وتشريعات الأحوال الشخصية ضد النساء والفتيات".
وفي هذا السياق طالب بتعديل قانون الميراث "ليشمل المساواة في حقوق الميراث بين الأبناء الذكور والإناث"، مع "اعتماد قانون شامل لمكافحة التمييز" ضد كل من الأقليات العرقية والدينية والإثنية، وأطفال المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين والأطفال المثليين.
ويستند القانون المصري في مسائل الميراث على الشريعة الإسلامية التي تقضي بمنح الذكر ضعف نصيب المرأة. ورغم النقاش القديم المتجدد حول المساواة في الميراث، إلا أن الوضع في بعض قرى الريف والصعيد يذهب أبعد منذ ذلك، إذ تقضي بعض الأعراف المجتمعية بحرمان النساء تمامًا من الميراث.
الختان
كما طالب التقرير الأممي بـ"اعتماد تشريع شامل لتجريم كافة أشكال العنف ضد الأطفال، وخاصة الفتيات". وعدّد أشكال العنف في "العنف المنزلي والجنسي والتحرش والعنف المؤسسي والجرائم المرتكبة باسم ما يسمى الشرف".
وطالب التقرير بالتنفيذ الفعال لحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية خاصة في الريف والصعيد، عبر محاكمة الجناة، بالإضافة إلى التنفيذ الفعال للتشريعات المتعلقة بالحد الأدنى لسن الزواج.
ويجرم القانون المصري ختان الإناث، إذ تنص المادة 242 مكرر على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز سبع سنوات كل من قام بختان لأنثى بأن أزال أيًا من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي. وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهةً مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت".
ووفقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية الصادر في 2022، فإن 86% من السيدات اللاتي سبق لهن الزواج وفي الفئة العمرية 15: 49 عامًا تعرضن للختان.
وأفاد المسح أن ممارسة الختان "تنخفض بوضوح، مدللًا بـ"أن 14% فقط من البنات في الفئة العمرية 0: 19 سنة تم ختانهن"، بالإضافة إلى زيادة نسبة المناهضين للختان "حوالي 3 من كل 10 سيدات يعتقدن أن ممارسة الختان لابد أن تستمر".
وعبّرت اللجنة الأممية أيضًا عن قلقها إزاء الحقوق الدينية لأطفال الأقليات من مسيحيين ومسلمين شيعة وبهائين وملحدين، معلقًا "ما زالوا يواجهون أشكالًا مختلفة من التمييز".
وتطرقت اللجنة إلى العنف المنزلي الذي يمارسه الآباء ضد الأطفال، مطالبة بإلغاء المادة 7 مكرر من قانون الطفل.
وتبيح المادة 7مكرر (أ) لـ"متولي رعاية الطفل" ما اعتبرت "حقه في التأديب المباح شرعًا"، بشرط عدم "تعرض الطفل عمدًا لأي إيذاء بدني ضار".
وقال الباحث في لجنة العدالة، لـ المنصة، إن "نسب العنف المنزلي ضد الأطفال مرتفعة للغاية في مصر"، مقدرًا إياها بـ" 75% ما بين سن (1 عام - 14 عامًا)". وسبق وذكرت لجنة الطفل في الأمم المتحدة النسب نفسها خلال جلسات الاستماع إلى الحكومة في مايو الماضي.
وأوضح أوغلو أن القانون اكتفى بـ"معاقبة كل من يرتكب انتهاكًا في حق الطفل بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وفي حالة وفاة الطفل بسبب الإهمال الأسري يحرر محضر إداري، ويحفظ لمراعاة مشاعر الأب والأم الذين فقدا طفلهما".
العنف تحت مسمى التأديب
وتابع أنه بشكل عام لا يجرم القانون المصري "تأديب الأطفال" من قبل أحد الوالدين، إلا أنه وفقًا للقانون "يمكن التقدم بشكوى إذا تم الاعتداء جسديًا على أحد الأطفال ولكن بشرط وجود شهود عيان، مما يجعله أمرًا نادر الحدوث".
وأكد أن "الشرطة غالبًا ما تتعامل مع قضايا العنف الأسري على أنها قضايا اجتماعية وليست جنائية، وفي معظم الحالات لا يتم التبليغ أو يتم رفض تحرير محاضر رسمية بالوقائع".
ووضعت اتفاقية حقوق الطفل في 1989 ووقعت عليها مصر في 1990، وبمقتضى المادة 44 من الاتفاقية تلتزم الدول الموقعة بتقديم تقرير دوري كل 5 سنوات يرصد التزامها ببنود الاتفاقية.
وحسب رئيس الوفد المصري مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان السفير خالد البلقي، في كلمته الافتتاحية في جلسة 13 مايو، فإن التقرير المصري كان مقدرًا له أن يقدم في 2016، إلا أنه تأخر حتى فبراير/شباط 2023 (تاريخ تسليم التقرير الذي ناقشته اللجنة أمس)، مفسرًا التأخير بـ"تحديات سياسية واقتصادية قبل 2014" دون توضيح تفاصيلها.