انفرجت الجهود الدبلوماسية للمفاوضات الخاصة بوقف النار في غزة أخيرًا عن أجواء إيجابية، إذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس، تفاصيل مقترح لاتفاق على ثلاثة مراحل، قال إن إسرائيل قدمته لوقف النار في غزة، فيما استقبلته حماس بـ"إيجابية" وفق بيان للحركة أمس.
ولا يختلف المقترح الإسرائيلي- الأمريكي، الأخير، كثيرًا عما دارت حوله المفاوضات على مدار شهور وعرف بـ المقترح المصري، إذ قام أيضًا على ثلاثة مراحل لإنهاء القتال، غير أن المقترح الأخير لم يُعلن عددًا محددًا للمحتجزين الذين ستسلمهم حماس في المرحلة الأولى، على عكس السابق، كما يمثل اجتياح إسرائيل رفح الذي تمسكت به من قبل، نقطة خلاف أخرى في مسار التفاوض.
ووفق ما أعلنه الرئيس الأمريكي، أمس، يقوم المقترح الإسرائيلي على "ثلاث مراحل".
وأوضح بايدن "تمتد المرحلة الأولى لستة أسابيع، وستتضمن وقف إطلاق نار كامل وشامل، وانسحابًا لكافة القوات الإسرائيلية من كافة المناطق المأهولة في غزة، وإطلاق سراح عدد من الرهائن، بمن فيهم النساء والشيوخ والجرحى، وذلك مقابل الإفراج عن المئات من السجناء الفلسطينيين. سيتم الإفراج عن رهائن أمريكيين في خلال هذه المرحلة ونريدهم أن يعودوا إلى منازلهم".
وأشار إلى أنه خلال المرحلة الأولى أيضًا سيتم إعادة رفات بعض المحتجزين لدى حماس، "وسيعود المدنيون الفلسطينيون إلى منازلهم وأحيائهم في كافة مناطق غزة، بما في ذلك الشمال".
وسبق ومثلت عودة النازحين إلى الشمال نقطة خلاف خلال المفاوضات على مدار الشهور الماضية، إذ تمسكت حماس بعودة جميع النازحين، فيما اقترحت إسرائيل شروطًا لعودة النساء والأطفال وكبار السن فقط دون الشباب في سن التجنيد.
وتابع بايدن أنه خلال المرحلة الأولى أيضًا "سترتفع كمية المساعدات الإنسانية مع 600 شاحنة محملة بالمساعدات تدخل إلى غزة يوميًا. ويمكن توزيع المساعدات بشكل آمن وفعال إلى كافة المحتاجين إليها في إطار وقف إطلاق النار، كما سيقوم المجتمع الدولي بتسليم مئات الآلاف من الملاجئ المؤقتة، بما في ذلك الوحدات السكنية".
وشدد "سيبدأ كل ذلك وأكثر بشكل فوري حال الموافقة على الاقتراح بشكل فوري".
ونبه الرئيس الأمريكي إلى أن إسرائيل وحماس ستتفاوضان خلال الأسابيع الستة التي تتكون منها المرحلة الأولى على الترتيبات اللازمة للوصول إلى المرحلة الثانية، "التي تتضمن وقفًا نهائيًا للأعمال العدائية".
واستطرد بايدن، في تصريحاته للصحفيين أمس، "اسمحوا لي أن أكون واضحًا وأشير إلى أنه ثمة عدد من التفاصيل التي ينبغي التفاوض عليها للانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية. وتريد إسرائيل ضمان حماية مصالحها، ولكن الاقتراح يشير إلى أنه حال استغرقت المفاوضات فترة أطول من ستة أسابيع، سيتواصل وقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات مستمرة".
وتستمر مصر إلى جانب قطر والولايات المتحدة في "ضمان استمرار المفاوضات إلى حين التوصل إلى كافة الترتيبات والتمكن من الشروع بالمرحلة الثانية"، حسب بايدن.
وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية، قال بايدن إنها "ستتضمن الإفراج عن كافة الرهائن الأحياء المتبقين، بمن فيهم الجنود الرجال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ويتحول وقف إطلاق النار المؤقت بحسب العبارات التي استخدمها الاقتراح الإسرائيلي إلى وقف دائم للأعمال العدائية حال أوفت حركة حماس بالتزاماتها".
وأضاف "ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة التي تبدأ فيها خطة إعادة إعمار كبرى لغزة. وستتم أيضا في خلالها إعادة رفات من تبقى من الرهائن الذين قتلوا إلى عائلاتهم".
وكانت حماس تمسكت سابقًا بأن ينص أي اتفاق على وقف دائم للحرب، مع ضمانة دولية بتنفيذ إسرائيل لهذا الشرط والتزامها به، وهو ما رفضه الجانب الإسرائيلي على لسان العديد من مسؤوليه.
ووجه بايدن حديثه إلى الداخل الإسرائيلي قائلًا "ينبغي أن يعرف الشعب الإسرائيلي أنه يتقدم بهذا العرض بدون أي مخاطر إضافية على أمنه لأنه دمر قوات حماس على مدى الأشهر الثمانية الأخيرة. لم تعد حماس قادرة على شن هجوم مماثل للسابع من أكتوبر/تشرين الأول، في هذه المرحلة، وهو ما مثل هدف الإسرائيليين الرئيسي في الحرب وهو هدف محق بصراحة".
وأشار الرئيس الأمريكي إلى معارضة البعض في إسرائيل للصفقة "أعرف أن بعض الأطراف في إسرائيل لن تتفق مع هذه الخطة وتدعو إلى تواصل الحرب إلى أجل غير مسمى، وبعض هذه الأطراف في الائتلاف الحكومي وقد أوضحت أنها تريد احتلال غزة ومواصلة القتال لسنوات وأن الرهائن ليسوا أولوية بالنسبة إليها".
وأكد موقف واشنطن الداعم لهذه الصفقة قائلًا "لقد حثثت القيادة الإسرائيلية على دعم الصفقة على الرغم من أي ضغوط".
وشدد بايدن على أن هذه الخطة في صالح إسرائيل "لا يسعنا أن نضيع هذه اللحظة. إن الحرب إلى أجل غير مسمى سعيًا وراء فكرة النصر الكامل غير المحددة، لن تؤدي إلا إلى تعثر إسرائيل في غزة واستنزاف مواردها الاقتصادية والعسكرية والبشرية وتعزيز عزلتها في العالم. لن تعيد الحرب إلى أجل غير مسمى الرهائن إلى منازلهم ولن تحقق الهزيمة الدائمة لحماس ولن تؤمن الأمن المستدام لإسرائيل".
كما حث الرئيس الأمريكي حماس على قبول الصفقة "تقول حماس إنها تريد وقف إطلاق نار، وتمثل هذه الصفقة فرصة لتثبت ما إذا كانت تعني ذلك فعلًا. يتعين على حماس قبول الصفقة".
"لقد دعا الناس في مختلف أنحاء العالم ولعدة أشهر إلى وقف إطلاق نار. وحان الوقت الآن لترفعوا أصواتكم وتطالبوا حماس بالجلوس على الطاولة والموافقة على هذه الصفقة وإنهاء هذه الحرب التي بدأتها" حسب بايدن.
حماس ترد
وعلى نحو لافت، ردت حماس فورًا على الصفقة، وقالت في بيان عبر موقعها الرسمي، إنها "تنظر بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب بايدن من دعوته لوقف إطلاق النار الدائم، وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار وتبادل للأسرى".
وأكدت الحركة "الاستعداد للتعامل بشكل إيجابي وبنّاء مع أي مقترح يقوم على أساس وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكامل من قطاع غزة وإعادة الإعمار وعودة النازحين إلى جميع أماكن سكناهم وإنجاز صفقة تبادل جادة للأسرى إذا ما أعلن الاحتلال التزامه الصريح بذلك".
الدبلوماسية تعمل
وفي سياق متصل، واصلت الدبلوماسية الأمريكية فورًا العمل في إطار المقترح الأخير. وأجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن "اتصالات منفصلة يوم الجمعة مع وزراء خارجية السعودية وتركيا والأردن لمناقشة اقتراح لوقف فوري لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن"، وفق ما نقلته رويترز عن الخارجية الأمريكية، حسب سويس إنفو.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن بلينكن الذي أجرى الاتصالات الهاتفية على متن الطائرة أثناء عودته إلى واشنطن من براج أكد لنظرائه أن "الاقتراح يصب في مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين".
من جانبه رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بخطة بايدن لوقف النار في غزة، قائلًا عبر إكس، "لقد شهدنا الكثير من المعاناة والدمار في غزة. حان الوقت للتوقف".