استقرت وزارة التربية والتعليم على عدم تطبيق قرارات الفصل النهائي على 68 ألف طالب منقطع عن الدراسة منذ العام الدراسي الماضي وحتى انتهاء الترم الأول من العام الدراسي الجاري، على أمل عودتهم مرة أخرى إلى المدارس، بعد تقديم إغراءات مالية وعينية لهم، ولأسرهم، وفق مصدر قيادي مطلع بقطاع التعليم العام تحدث لـ المنصة، في وقت شكك خبيران تربويان في جدوى هذا الحل، بعد أن صارت المدارس بيئة طاردة للتلاميذ.
واعتبر المصدر، وهو مطلع على الملف، طلب عدم نشر اسمه، أن "الدعم الاقتصادي عامل سحري في إعادة الطلاب"، لكن الأكاديمية بثينة رمضان، وهي عضوة في مركز البحوث التربوية الحكومي، شككت في ذلك، قائلة لـ المنصة إن الانقطاع لأسباب اقتصادية هو الأساس، ويأتي من بعده الشق التربوي في ارتفاع الكثافات الطلابية بالمدارس وعجز المعلمين وصعوبة المناهج وغياب الشرح، ولكن "علاجها بالمساعدات فقط لا يكفي".
ووصل عدد المنقطعين عن الدراسة 14 ألفًا و960 طالبًا في العام الدراسي 2018 – 2019، ثم ارتفع العدد إلى 20 ألفًا العام قبل الماضي 2021- 2022، ثم قفز العام الجاري إلى 68 ألفًا، وفق المصدر القيادي الذي وصف الطالب المنقطع بأنه "الذي لم يذهب إلى المدرسة لمدة عام دراسي سابق وآخر لاحق".
حجم الأزمة
ووصف القيادي في الوزارة، التقارير الواردة إليهم من المديريات بشأن معدلات الانقطاع خلال العامين الماضي والحالي بـ"غير مرضية"، موضحًا "محافظة القاهرة مثلًا بها 21 ألف منقطع من إجمالي مليونين و554 ألف طالب في مدارس العاصمة، وهناك إدارات تعليمية صغيرة بها أربعة آلاف منقطع".
وأضاف "للأسف، العدد الأكبر في المرحلة الابتدائية بقرابة 42 ألف طالب، وباقي النسبة موزعة على الصفوف الإعدادية".
وتابع "لأن العدد زاد، قررنا تشكيل لجنة في كل إدارة تعليمية على مستوى الجمهورية، تبحث سبب المشكلة، وليه الرقم ارتفع بالشكل ده. لكن التصور اللي عندنا وبنتحرك من خلاله بعد ما بحثنا مشكلة حوالي 3 آلاف طالب، إن معظم الطلبة دي انقطعت لظروف اقتصادية".
خطة الوزارة
"بنحاول نشوف حل نرجعهم يا بفلوس يا بمساعدات عينية بحيث يبدأوا منتظمين من العام الدراسي المقبل 2024 - 2025"، على أن يقدم تلك المساعدات "رجال أعمال ومؤسسات المجتمع المدني وبعض الشركات والمصانع الكبرى"، حسب المصدر.
وتابع "هنوفر احتياجاتهم، من ملابس وأدوات وشنطة، وهندفع ليهم مصاريفهم القديمة والجديدة، وهياخدوا مجموعات تقوية مجانًا، واتفقنا مع وزارة التضامن علشان أسرة الطالب تدخل ضمن منظومة معاش تكافل وكرامة"، مختتمًا بقوله "ده أقصى ما عندنا نعمله".
المساعدات لا تكفي
وعلقت الخبيرة بثينة رمضان، في حديثها لـ المنصة، على الشق الاقتصادي قائلة "الناس فعلًا مبقاش عندها قدرة تودي عيالها المدرسة، لأنها أصبحت مكلفة جدًا، وحتى لو الأب اتصرف ودفع، ابنه ممكن يروح ميلاقيش مدرس ولا مكان يقعد فيه، ولو احتاج ياخد درس تقوية مش بيلاقي معاه يدفع، علشان كده المدرسة بقيت بيئة طاردة لبعض الطلاب اللي أهاليهم مبقاش عندهم طاقة إنهم يعلموا ولادهم".
وتابعت "مع إن الفقراء زمان كانوا أحرص الناس إنهم يعلموا الابن، لكن فيه إحساس عند الناس إن مبقاش فيه تعليم ولا معلمين".
واتفق معها الخبير التربوي والأكاديمي بجامعة حلوان وائل كامل، قائلًا لـ المنصة إن "انقطاع 68 ألف طالب عن المدارس في سن مبكرة، مؤشر خطير على وضعية التعليم في مصر"، مضيفًا "فيه ناس بقت شايفة اللي جوه المدرسة زي اللي بره المدرسة، ومبقتش المدارس جاذبة للطلاب، فطبيعي الطلبة تهرب منها".
وتتشدد وزارة التعليم في حضور الطلاب إلى المدارس، والتأكيد المتكرر على قيادات الإدارات والمديريات بتسجيل الغياب بشكل يومي، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد الطلاب معتادي الغياب، بينما تعاني المدارس من عجز كبير في المعلمين وصل إلى 400 ألف معلم في مختلف التخصصات، وفق ما أعلنه نقيب المعلمين خلف الزناتي أمام لجنة التعليم بالحوار الوطني مايو/أيار الماضي.
وأضافت رمضان "لما يكتمل العامل الاقتصادي، مع تراجع قيمة التعليم، مع عدم وجود إتاحة في المدارس، مع زحام وعنف وضرب ومناهج معقدة، بتبقى المشكلة أكبر. لكن لما تيجي تحل من خلال شق اقتصادي، أنت بتعالج 60% من المشكلة وتسيب الباقي وده مش حل".
ووفق الأرقام التي أعلنها وزير التربية والتعليم رضا حجازي، خلال عرضه للخطة الاستراتيجية للتعليم 2024- 2029 أمام مجلس الوزراء، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن عدد طلاب المدارس حاليًا 25.5 مليون طالب، انقطع منهم 68 ألفًا.
واستطرد الخبير التربوي وائل كامل "المفروض لما تيجي تحل مشكلة، تحلها من جذورها، يعني لازم الحكومة تلتزم بتطبيق مجانية التعليم وتعيد المدرسة إلى سابق عهدها".
وأوضح أن "استمرار الوضع الحالي من ضغوطات معيشية واقتصادية خلّت بعض الأسر تتعامل مع التعليم إنه حاجة مش أساسية، بل هامشية، حتى حلول الوزارة نفسها للمشكلة عجيبة، مرة يقولك هعمل عقوبة على أسرة الطالب المنقطع، ومرة يفكروا يعملوا غرامة، والإغراءات المالية هتحل جزء من المشكلة مش كلها".
وسبق وأعلن وزير التربية والتعليم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمام الجلسة العامة لمجلس النواب، عن إعداد مشروع قانون لمواجهة التسرب والانقطاع عن التعليم، مشيرًا آنذاك إلى أنه سيتم دراسة العقوبات المناسبة لذلك والتي قد تصل للحبس، لكن غضب البرلمان حال دون تمرير مشروع القانون.
وكانت هذه المرة الثانية لاقتراح مثل هذا القانون، إذ سبق وتقدم الوزير طارق شوقي في فبراير/شباط من عام 2020، بمشروع يضع عقوبات على الأسر التي يتسرب أولادها أو ينقطعون من التعليم، لكن مجلس النواب رفضه، لتحميله المواطن أعباء مالية.
يأتي ذلك في وقت تشهد مصر أزمة اقتصادية، وشهد العام الماضي ارتفاعات متسارعة في معدلات التضخم، بلغت ذروتها في سبتمبر/ أيلول الماضي مع تجاوزها مستوى 40%، قبل أن تتراجع بنسب محدودة خلال الأشهر التالية.