تصوير سالم الريس، المنصة
مجمع الشفاء في قطاع غزة، أكتوبر 2023

"الشفاء" هدفًا.. مُجمع طبي تعتبره إسرائيل "ثكنة عسكرية"

سالم الريس
منشور الأحد 12 نوفمبر 2023

بعد خروجه عن الخدمة تمامًا، ينتظر العاملون والمقيمون في مجمع الشفاء الطبي، بين الحين واﻵخر، هجومًا من قِبل قوات الاحتلال، التي قصفت فجر اﻷحد آبار المياه داخل المجمع، إضافة إلى استهداف المباني المحيطة به.

وحسب المدير العام لوزارة الصحة في غزة منير البُرش، لـ المنصة، فإنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف خلال الأيام الثلاث الأخيرة عددًا من المباني الطبية وسيارات الإسعاف والنازحين داخل ساحات المجمع.

وأعلن منسق أطباء بلا حدود في مستشفى الشفاء محمد حواجرة، السبت، خروج مُجمع الشفاء عن الخدمة تمامًا، بعد حصار جيش الاحتلال المستشفى لليوم الثالث على التوالي من كل الاتجاهات، واستمراره بإطلاق النار والقذائف على المُجمع الطبي.

ولفت حواجرة، في بيان اطلعت المنصة على نسخة منه، إلى تراكم جثث القتلى داخل وأمام البوابة الرئيسية للمجمع الطبي من الناحية الشرقية، دون تمكن طواقم الإسعاف والطواقم الطبية من الوصول للمصابين والقتلى.

التحريض الإسرائيلي

بدأ التركيز الإسرائيلي على "الشفاء"، بعد قرابة ثلاثة أسابيع من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حينما نشر جيش الاحتلال، على صفحة إكس للمتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، خريطة تفصيلية لمباني المُجمع الطبي، مُدعيًا "اختباء قادة حركة حماس، وكتائب القسام، تحت المنشآت الطبية"، إلى جانب ادعائه أنّ "أنفاقًا تتبع المقاومة الفلسطينية تؤدي إلى أسفل مباني المستشفى".

واستمر التحريض الإسرائيلي على المُجمع الطبي، ربما ليبرر خطته، ومسار جنوده، الذين اجتاحوا قطاع غزة بالدبابات والآليات العسكرية من محاور واتجاهات عدّة، حتى وصلوا لـ"الشفاء"، وحاصروا المكان وقصفوه، بعد ترهيب وتهديد نحو 40 ألف نازح كانوا يقطنون داخل ساحته، وفي الشوارع المحيطة به.

ويعتبر مُجمع الشفاء مجمعًا حكوميًا يتبع وزارة الصحة الفلسطينية، وهو أكبر مؤسسة صحية تقدم خدمات طبية في القطاع، أسسه الانتداب البريطاني عام 1946، أي قبل قيام إسرائيل، وخضع للاحتلال عام 1967، ثم أصبح تابعًا للسلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو، وتطورت مبانيه وأقسامه مع الوقت، حتى صار يضم 3 مستشفيات متخصصة، ويعمل فيه قرابة 25% من العاملين في مستشفيات القطاع.

مجمع الشفاء الطبي في غزة

ويقع المُجمع الطبي على مفترق طرق في المنطقة الغربية لمدينة غزة، ويطل على شارعي عز الدين القسام والوحدة، وتبلغ مساحته 45 ألف متر مربع. كان المجمع في البداية عبارة عن أكشاك صغيرة هدفها تقديم الخدمات والرعاية الطبية للمرضى، لكن بعد زوال الانتداب البريطاني، وخضوع القطاع للحكم المصري، خضع المستشفى للإدارة المصرية، التي عملت على توسعة أقسامه، وزيادة عدد أسرّته، خلال أقل من عقدين من الزمن، وهي فترة الحكم المصري، وحتى احتلال إسرائيل لغزة عام 1967.

وعقب النكسة، قررت إسرائيل إعادة بنائه على نظام المستشفيات الإسرائيلية، ليضم عددًا أكبر من غرف المرضى تتسع كل واحدة منها لثلاثة مرضى، إلا أنّه مع الزيادة السكانية، وكونه يغطي جميع مدن قطاع غزة، لم يعد كافيًا لاستيعاب العدد.

بقي المُجمع الطبي على حاله خلال فترة الثمانينيات حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومع بدء الانتفاضة الفلسطينية الأولى ديسمبر/كانون الأول 1987، برز دور مُجمع الشفاء نقطة أساسية للمواجهة بين جيش الاحتلال والفلسطينيين، وكانت أول مواجهة خلال الانتفاضة، حين اقتحمه طلاب فلسطينيون لمواجهة جنود الاحتلال، وتحول إلى مركز لتجمع جيش الاحتلال، كما حاول الجنود الإسرائيليون خلال الانتفاضة سرقة جثامين الشهداء الفلسطينيين من المستشفى.

بعد توقيع اتفاقية أوسلو 1993، أصبحت إدارة المجمع في يد السلطة الفلسطينية ووزارة الصحة، وقتها تلقى دعمًا من اليابان ودول أوروبية لتطويره وإنشاء مبان جديدة، وتوسعة القديمة، واستمرت عمليات التطوير حتى أصبح مُجمعًا طبيًا يضم عددًا من المستشفيات داخله، بينها مستشفى النساء والتوليد مع حضانة للأطفال حديثي الولادة، ومستشفى للأمراض الباطنية يتبع لها قسم الغسيل الكلوي والجراحة، إضافة إلى قسم الطوارئ ووحدة العناية المركزة والأشعة وبنك الدم والتخطيط وعلاج الحروق وغيرها.

ويضم المجمع 497 سريرًا للمبيت، و93 سريرًا للرعاية الأولية، ويعمل فيه حوالي 1500 موظف، منهم ما يزيد على 500 طبيب، و760 ممرضًا، و32 صيدلانيًا، إضافة إلى 200 موظف وكادر إداري.

من دَخَل "الشفاء" فهو آمن!

"طوفان الأقصى" كانت الحرب الأخيرة التي فُرضت على الغزيين في الـسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخلالها عملت الطواقم الطبية على استقبال المصابين والجرحى بالآلاف، إلى جانب أصحاب الأمراض المزمنة، ومن هُم بحاجة إلى عمليات جراحية. لم يتوقف دور المُجمع الطبي عند هذا الحد، واستقبل آلاف النازحين من الغزيين، الذين فروا من القصف والقتل والدمار الذي أحدثه جيش الاحتلال على مدار أكثر من شهر.

ويجتمع عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين في مجمع الشفاء الطبي باعتباره مكانًا آمنًا إلى حدٍ ما، ونقطة يسهل منها الوصول إلى بقية المناطق والأحياء، كما أنه مكان يسهل منه تغطية الحدث، نظرًا لوجود كادر طبي يمكن أن يوفر معلومات عن الحالات التي يتم إسعافها.

وكغيره من المستشفيات في القطاع، واجه "الشفاء" نقصًا في المستلزمات الطبية، لا سيما مع ازدياد عدد الجرحى، الذي تجاوز الـ27 ألف جريح منذ بداية الحرب، حسب وزارة الصحة بغزة. كما عانى المستشفى نقصًا في الوقود الذي حظرت إسرائيل وصوله للقطاع، تزامنًا مع قطعها للكهرباء، ليعتمد المجمع على مولدات الكهرباء.

وحذر مدير مُجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية ووزارة الصحة بغزة، وعدد من المؤسسات الدولية، في بيان اطلعت المنصة على نسخة منه، من توقف مولدات الكهرباء بسبب عدم سماح جيش الاحتلال بدخول شاحنات سولار تتبع الأمم المتحدة من جنوب القطاع إلى شماله، لتزويد "الشفاء" وغيره من المستشفيات بالوقود، إضافة إلى استهداف جيش الاحتلال عددًا من قافلات الإسعافات والمساعدات، التي كانت متوجهة إلى شمال القطاع برفقة الصليب الأحمر والأمم المتحدة.

ونتيجة لحصار الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية، محيط مجمع الشفاء، الذي يدعي جيش الاحتلال أنه "ثكنة عسكرية للمقاومة وقادة حماس"، واستهدافه أكثر من مبنى داخله، وشبه توقف مولدات الكهرباء، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، في بيان لها على واتساب، عن "وفاة اثنين من الأطفال في الحضانات صباح الأحد، نتيجة انقطاع الأكسجين"، مؤكدة أنّ "هناك نحو 30 طفلًا آخرين لا يزالون بحاجة إلى توفير الكهرباء والأكسجين وإلا سيواجهون مصير أقرانهم".