يشهد سوق السجائر اضطرابًا كبيرًا منذ نهاية الشهر الماضي، نتيجة لاختفاء أغلب أنواع السجائر وتعديل أسعار كل الأنواع المتوفرة في السوق، دون الإعلان الرسمي عن أي زيادة في الأسعار منذ أبريل/نيسان الماضي.
خلال جولة للمنصة على أكشاك ومحلات تبيع السجائر في مناطق مختلفة بالقاهرة، لاحظت اختفاء أنواع "L&M"، و"كليوباترا"، و"وينستون"، و"تارجيت"، و"ميريت" وغيرها، وحال توفرها تختلف أسعار العبوة الواحدة من محل إلى آخر، حتى لو كانا في نفس الشارع. شملت الجولة مناطق وسط البلد والزمالك والمقطم والمعادي وحلمية الزيتون وعين شمس.
ولا تختلف الأسعار كثيرًا من منطقة إلى أخرى، الفارق جنيهين وأحيانا ثلاثة، لكنها تباع بارتفاع عن السعر الرسمي المعلن من قبل شركات الدخان بما يزيد عن 50%.
في أحد الأكشاك بشارع 9 بحي المقطم، تباع علبة سجائر كليوباترا بسعر 57 جنيهًا، بينما سعرها الرسمي المعلن في أبريل الماضي 24 جنيهًا، والكشك نفسه يبيع سجائر "L&M" بسعر 65 جنيهًا بينما يبيعها كشك بجواره بـ60 جنيهًا فقط، في وقت كان يبلغ سعرها الرسمي 39 جنيهًا، قبل أن تعلن الشركة المنتجة لها، فيليب موريس زيادة أسعارها الأسبوع الماضي إلى 42 جنيهًا.
لماذا تبيع الأكشاك بأسعار أعلى؟
بينما تؤكد شركة الشرقية للدخان أنها لم ترفع أسعار السجائر منذ الإعلان الرسمي في أبريل الماضي، أشار سامح مصطفى، بائع في كشك بمنطقة حلمية الزيتون، إلى أنه يحصل على السجائر من السوق السوداء بسبب غياب مندوبي شركات السجائر خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف مصطفى للمنصة "في العادة المندوبين بيجوا كل يوم أو كل يومين ناخد منهم بالسعر الرسمي ونضيف عليه مكسبنا 2 أو 3 جنيه بالكتير، لكن من أكتر من شهر المندوب بيجي مرة في الأسبوع وساعات مرة كل أسبوعين.. وبدل ما كان بيديني كميات تغطي شغلي بقى بيقولي أنت ليك خرطوشة واحدة بس (10 علب) فأنا بشتري من السوق السوداء".
نفس الشكوى تطرق إليها إبراهيم سعد، بائع بأحد أكشاك منطقة المعادي، مشيرًا إلى أنه لجأ إلى السوق السوداء التي يبيع كل تاجر فيها بالسعر الذي يريده، وقال "الأسبوع اللي فات دفعت غرامة 3000 جنيه بعد تفتيش من الحكومة.. قولتلهم أنا شاري بالغالي وممكن أوديكم للتاجر اللي باعلي قالولي ملناش دعوة". ودفع البائع الغرامة لبيعه بسعر أعلى من السعر الرسمي.
ويرى إبراهيم أنه مجرد حلقة في سلسلة طويلة تبدأ من الشركة وتنتهي عنده، وقال "أنا اللي في وش الناس بس أنا أعمل إيه أنا بشتري غالي ولازم أكسب.. والناس معاها حق سعر السجائر بقت أغلى من الحشيش في السوق".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 قرر جهاز حماية المستهلك "إلزام كافة شركات إنتاج وتصنيع واستيراد وتوزيع السجائر بأنواعها وبدائلها، وكذا المعسل بأنواعه بطباعة الأسعار على كافة المنتجات بشكل واضح وغير قابلة للمحو، مع جواز طباعة السعر بشكل إلكتروني بتقنية (Q.R code)، وذلك في مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ صدور القرار"، بهدف منع التلاعب في الأسعار.
ويسأل محمد الجميل، صاحب كشك في منطقة عين شمس، عن المصدر الذي يحصل منه تجار السوق السوداء على السجائر، "أكيد في ناس في الشركات بتبيع لهم السجائر.. ما هو مش منطقي يبقى الكل مش لاقي السجائر وهما عندهم".
وفي حديث مع المنصة يقدر رئيس شعبة الدخان والسجائر باتحاد الصناعات المصرية، إبراهيم إمبابي، الخسائر التي تكبّدها قطاع السجائر في مصر نتيجة ظهور السوق السوداء بنحو 100 مليار جنيه، في ظل تحقيق التجار مكسب في العلبة بنحو 25 جنيهًا.
ويرجع إمبابي ظهور ظاهرة السوق السوداء في السجائر إلى تخزين التجار للسجائر، بعد الحديث عن ضريبة جديدة سترفع أسعارها. ورُفع دور انعقاد البرلمان دون إقرار أي تغييرات بخصوص السجائر، ومن المفترض أن يعود للانعقاد في أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
لكن وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ياسر عمر، يرفض ذلك التفسير، قائلًا للمنصة إن "كلام شعبة الدخان كلام مغلوط"، مرجعًا السوق السوداء للسجائر إلى أن مدخلات صناعة السجائر غالبيتها مستورد، من الخارج "فممكن يكون الحاجات المستوردة مش موجودة بالكميات الكافية وبالتالي إنتاج المصانع انخفض، وأصبح العرض أقل من الطلب، وهنا ظهرت الأزمة".
ولم ينفِ رئيس شعبة الدخان والسجائر انخفاض الطاقات الإنتاجية للشركات بنسبة قدرها بين 15 و20% بسبب قلة المخزون المتوفر لديها من المواد الخام وعلى رأسها التبغ، في ظل نقص السيولة الدولارية المتوفرة للشركات، مشيرًا إلى أن قيمة البضائع المستوردة لقطاع السجائر نحو 500 – 700 مليون دولار سنويًا.
وكان إمبابي قال أمس، في تصريحات تليفزيونية إن المواد الخام المتوفرة تكفي عملية الإنتاج لشهر ونصف فقط.
وحمل النائب البرلماني التجار جزءًا من الأزمة، قائلًا في ظلها يظهر "التجار الجشعين، وهم في الأساس موجودين وهناك وكلاء جشعين، وبقى فيه سعر موازي للسعر الرسمي".
وسبق وأكد الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب بشركة الشرقية للدخان هاني أمان، في تصريحات تليفزيونية نهاية الشهر الماضي أن أزمة السجائر الحالية سببها الوحيد التجار الذين أخفوا البضائع على أمل زيادة أسعارها بداية من السنة المالية الجديدة، مؤكدا "حجم الإنتاج يكفي الاحتياج اليومي للسوق".
اتهامات متبادلة
وأمام حالة الجدل حول أسباب الأزمة الحالية يؤكد رئيس شعبة الدخان في تصريحاته إلى للمنصة أن "الحل الوحيد حاليًا إصدار التعديل التشريعي لتلك الضريبة.. ولما تواصلنا مع مجلس النواب قالوا إحنا في إجازة".
وأضاف إمبابي بأن "الضريبة الجديدة كان من المفترض أن تُطبّق منذ بداية العام المالي الحالي لتحقيق مستهدفات الحكومة من الضرائب على السجائر والتبغ في الموازنة"، مشيرًا إلى أن "تأخر التطبيق لن يجعل الحكومة تحقق الضريبة المستهدفة". وأضاف للمنصة أن زيادة الضريبة المقترحة سوف تكون من 4 - 4.5 جنيهات للسجائر الشعبية، و6.5 - 9 جنيهات للسجائر المتوسط،ة و7 - 9 جنيهات للسجائر مرتفعة السعر، وبالتالي سيرتفع السعر الرسمي ويتم القضاء على السوق السوداء.
لكن وكيل لجنة الخطة والموازنة ياسر عمر أكد للمنصة أنه "لم يصل إلى البرلمان خلال دور الانعقاد الماضي أي شيء يخص السجائر"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن "مجلس النواب لن يكون سعيدًا بفرض ضرائب أيًا كان نوعها على المواطنين.. ومش مفروض المجلس يتطوع ويقول هاتلونا قانون نفرض به ضرائب على الناس".
وكان رئيس اللجنة فخري الفقي قال في تصريحات صحفية، إن مجلس الشعب سوف يناقش قانون الضرائب الجديدة على السجائر بداية دور الانعقاد الرابع أكتوبر المقبل. وهو ما رآه إمبابي، في حديث سابق للمنصة خطوة سوف تزيد من تذبذب الأسعار بالسوق المحلي، وهي السبب في تطبيق شركة فيليب موريس قرار الزيادة الأخيرة.
وتستهدف الحكومة تحقيق ضرائب بقيمة 86.9 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي 2023- 2024 بزيادة 5.9 مليارات جنيه عن العام المالي الماضي الذي بلغت فيه 81 مليار جنيه.
من يسيطر على سوق الدخان؟
ويعمل في السوق المصرية، تحت لواء أيسترن كومباني، أربع شركات رئيسية، هي "فيليب موريس"، المنتجة لسجائر "ميريت ومارلبورو وإل إم"، وتمتلك الحصة التسويقية الأكبر في سوق السجائر الأجنبية، وشركة "بريتيش أمريكان توباكو"، وشركة "اليابانية الدولية JTI" التي تنتج سجائر "وينستون وكاميل"، وشركة "المنصور انترناشيونال" (وكيل إمبريال) والتي تنتج سجائر "ديفيدوف".
وفي يونيو/ حزيران الماضي أعلنت الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" أنها في التسعة أشهر السابقة لـ 31 مارس/آذار الماضي حققت إجمالي مبيعات بقيمة 54.82 مليار جنيه، بزيادة 7% عن الفترة نفسها السنة المالية السابقة. وحتى بداية 2021 قررت الحكومة المصرية إفساح المجال للقطاع الخاص من خلال طرح مزايدة لرخصة جديدة لتصنيع السجائر خارج حدود الشرقية للدخان.