داخل مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، يواصل البلدوزر منذ أيام أعمال هدم مقابر بعضها مر على إنشائه أكثر من 100 عام، لكنها غير مسجلة كأثر، رغم مطالبة ورثتها بتسجيلها. تجولت المنصة بين شواهد القبور التي هُدمت، والعظام التي كُشف سترها، وتحدثت إلى مسؤولين في وزارات الآثار والأوقاف ومحافظة القاهرة، وكل يلقي بالمسؤولية على الآخر.
أكد مصدر مسؤول في وزارة الأوقاف، طلب عدم ذكر اسمه، أن 2700 مقبرة وضريح صدر لهم قرار إزالة، وهي مقابر تراثية ذات هيكل معماري إسلامي تتبع الوزارة، وجهاز التنسيق الحضاري، مشيرًا إلى أنه عند إخطارهم بقرار الهدم الصادر عن محافظة القاهرة، طلبت الوزارة من الأهالي نقل الشواهد والأضرحة على نفقة الأهالي.
وأقر رئيس جهاز التنسيق الحضاري المهندس محمد أبو سعدة، أن مشروع التطوير يعود إلى محافظة القاهرة، وأنهم من جهتهم أخطروا المحافظة بكافة المقابر المسجلة في عداد المباني ذات الطراز المعماري المتميز، مشيرًا إلى أنهم يتعاملون مع كافة المباني التي لها تراث معماري متميز.
في غضون ذلك، أكد ثلاثة مصادر هم دكتور مصطفى الصادق، المهتم بتوثيق معالم القرافة، وإبراهيم طايع، مؤسس صفحة جبانات مصر، وحسام عبد العظيم، عضو مبادرة شواهد مصر، للمنصة هدم 44 مقبرة من بين الـ1700 مقبرة حتى الآن.
وتبرأ أبو سعدة من هدم تلك المقابر ذات الطراز المعماري المتميز، محملًا المسؤولية لمحافظة القاهرة، وقال إن "جهاز التنسيق قام بدوره بإخطار المحافظة". لكن المصدر في الأوقاف ألقى بجزء من المسؤولية على الجهاز.
من جانبها قالت مديرة مكتب الإعلام بمحافظة القاهرة عزة عتريس، إن المحافظة لا تخالف القانون بهدم الأماكن التي ليس لها سجل أثري طالما الهدم لتحقيق المنفعة العامة، مشيرة إلى أن المنطقة بأكملها تخضع للتطوير، بداية من القلعة إلى السيدة عائشة ونهاية بالسيدة نفيسة والدراسة، وأضافت أن "التطوير محاولة لإعادة القاهرة التاريخية الحديثة لمكانتها".
وتابعت عتريس "نحن جهة تنفيذية ليس أكثر، والقطع الأثرية لا تُمس، والمحافظة لم تستلم شواهد من المواطنين". ولفتت إلى أن المحافظة دورها يقتصر على إبلاغ أسر المتوقي بنقل الرفات من المدفن إلى مقابر العاشر من رمضان التي تقوم المحافظة بتسليمها إلى الأهالي كتعويض عن المقابر التي يتم هدمها، وقالت :"تعطي المحافظة المهلة الكافية لتنفيذ ذلك في إطار احترام حرمة الموتى".
وفي ذات السياق يؤكد رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية دكتور أبو بكر عبد الله، في تصريحات خاصة للمنصة، أن الآثار المحددة في المنطقة تم تسليمها إلى الهيئة الهندسية ولجميع الجهات ويتم المحافظة عليها.
أما المباني ذات القيمة التاريخية فهي تتبع لجهاز التنسيق الحضاري، وهي تلك التي لا تنطبق عليها شروط التسجيل داخل المجلس الأعلى للآثار، و لها طبيعة تاريخية وليس أثرية وينطبق عليها قانون 104 التابع لوزارة الإسكان، مشددًا "ليس هناك أثر يتم المساس بيه"، مستشهدًا بوجود نحو ما يقرب من 60 إلى 70 أثر بمنطقة شرق القاهرة تبدأ من القلعة حتى الإمام الشافعي ثم المجاورين والدراسة على حالهم.
ولفت المسؤول إلى أن التسجيل في وحدات الآثار الإسلامية والقبطية له اشتراطات عديدة للغاية و يخضع للمجلس الأعلى للآثار ، موضحًا أنه من الممكن أن يصدر قرار وزاري بتسجيل آثار جديدة وحينها تخضع لمراحل التسجيل الأثري.
وفي السياق نفسه، يشير أبو بكر إلى أنهم تسلموا من مجموعة من الشباب المهتمين بالآثار ما له قيمة تاريخية، ويخضع للجنة علمية لتقرر اللجنة إذا كان هذا أثري أم لا، وقال "لكن في كل الأحوال الوزارة ترحب بكل قطعة لها قيمة تاريخية في منطقة التطوير".
الهدم أسرع
من غير المتوقع أن تنجو كل المقابر من معول الهدم. ويقول مؤسس صفحة جبانات مصر إبراهيم طايع، والذي يتردد على تلك المقابر بصورة شبه يومية منذ بدأ الهدم "يوميًا نقوم بمساعدة عدد من الشباب ونعمل على نقل شواهد الملوك وغيرهم من الرموز وتسليمهم إلى الآثار بحوش الباشا، فهنا يوجد تاريخ يتم إزالته".
ويستكمل الأستاذ بجامعة القاهرة الدكتور مصطفى الصادق، والمهتم بتوثيق معالم القرافة، "هذا لم يكن تطوير، ولا احترام لحرمة الموتى، فهناك مقابر تم إزالتها يعود عمرها لـ 100 و200 عام"، ويتسأل "لماذا لم يتم الاستفادة من تلك الشواهد فهذه المدافن من الممكن أن يتم استغلالها؟"، بينما يشير إلى مقبرة محمد محمود رئيس الوزراء الذي تم بناؤها سنة 28 أو 38، ويعلق بأسى "المبنى خرافي وسوف تتم إزالته".
فيما أضاف إبراهيم طايع "نحن نجلس هنا يوميًا، نشاهد التاريخ وهو يمحى، وأمس جاءت لجنة مشكلة من قبل وزارتي السياحة والآثار والأوقاف وجهاز التنسيق الحضاري لدراسة الوضع، ولكن دون جدوى مع استمرار الهدم، و يوميًا نتواجد هنا كي ننقذ بقايا الشواهد، فيوجد مدافن بمقابر الإمام الشافعي لها تاريخ وذات قيمة تراثية تاريخية و مدافن في منتهى الجمال، خلال أيام سوف تتحول إلى كوم تراب".
رقدوا هنا
تعج المنطقة بالكثير من المقابر المميزة، فما أن تلتقي بمدفن قبة حسين باشا المعروفة بقبة كلزار هانم 1265 هجرية، والتي تعود إلى نهايات عصر محمد علي باشا، في قرافة الإمام الشافعي، حتى تجد مدفن رئيس وزراء مصر السابق محمود سامي البارودي، ومدفن الروائي يحيى حقي. وفي منطقة أخرى، تُصادف مدفن عميد الأدب العربي طه حسين، وغيرهم .
تتقدم أكثر، لتصادف مقابر شهداء ثورة 1919، محمد منصور وعباس أفندي محمد ، وهي المقابر الوحيدة الباقية لشهداء الثورة.
ضمن المنطقة قيد التطوير تجد أيضًا حوش الشيخ محمد رفعت، كما يوجد حوش الدرملي، وحوش حق العظمة عباس، ومدفن إمامة ابن محمد ابن يحيى ابن حازم ابن يحيى 221 هجرية 229 م وقبره يعود للعصر العثماني.
ما تم هدمه بالفعل
حتى تلك اللحظة تم هدم 44 مقبرة تراثية تعود لأكثر من 1100عام ، منها قبر حاجى أحمد أغا، الذي توفي سنة 136 هجرية ودفن بقرافة الإمام الشافعي، ومدفن سليمان بك غنام وأسرته وهو من أعيان وعمد بشتيل وبداخله قبر وزير الصناعة والاقتصاد الوطني في عهد الملك فاروق محمود سليمان غنام.
كما هُدم قبر عبد الرحمن الكواكبي، أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي من مواليد 1855 م، والذي توفي في 1902م ودفن بقرافة المجاورين، وحوش محمد راتب باشا وحوش فاطمة برالتنى الشمالي وإسماعيل سليم إسماعيل صدقي ومصطفى رياض، وقبر عباس أفندي.
كما لم ينجُ أيضًا قبر الإمام ورش، أحد رواة القرآن، وهو من مواليد مدينة قفط بمحافظة قنا صعيد مصر، وروايته هي الأشهر بين المسلمين بعد رواية حفص، وقبر عبيدة ابنة كامل القرشي من سنة 221 هجرية الموافق 836 ميلادية عمره أكثر 1100، ومدفن حسن أفندي حسبي معتوق محمد علي باشا، وشاهد القاضي قاسم رسمي .