
"حاضر من وراء القضبان".. أمنيات ودعوات لأشرف عمر في عيد ميلاده
"اركض وكأن العالم يزحف خلفك
وكأن الدنيا واسعة
وفضاء الزنزانة أرحب مما ظنوا"
كانت هذه رسالة زميلنا الشاعر عبد الرحمن مقلد، لزميله المحبوس رسام الكاريكاتير أشرف عمر ضمن رسائل كثيرة كتبتها أسرته وأصدقاؤه ومحاموه في الفعالية التي نظمتها المنصة الأربعاء 21 مايو/أيار الجاري للاحتفال بعيد ميلاد أشرف الأول في السجن.
حرص الجميع على أن يكتبوا إلى أشرف أمنياتهم في دفتر رسائل أُعد لذلك، على أمل أن يقرأها بعد انتهاء الكابوس الذي بدأ مع اختطافه من منزله يوم 22 يوليو/تموز 2024 بعدما اقتحمت قوة أمنية بزي مدني مقر سكنه، واقتادته مكبلًا ومعصوب العينين إلى جهة غير معلومة، وأخفته قسريًا، حتى ظهوره بعد يومين أمام نيابة أمن الدولة.
حينها، اتهمت النيابة أشرف بـ"نشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون"، لكن هذه الديباجة القانونية لم يستسغها عمر الجباخنجي والد أشرف.
https://www.youtube.com/watch?v=tsVPRXt2po4سأل المهندس عمر في كلمته "أنا لغاية دلوقتي مش قادر أفهم تُهمة أشرف إيه؟ الراجل بيعبِّر بالكاريكاتير عن كل اللي إحنا حاسين بيه وبنتكلم عنه، وبيعبر عن الوضع اللي احنا عايشين فيه، اللي هو غير مسبوق، فيه معاناة من كل شيء، أشرف كان بيحاول يعبر عن ده باعتباره مواطن مصري أصيل. فمازلت أقول هي تهمة أشرف إيه؟".
رغم محاولة المحامي الحقوقي خالد علي في كلمته الإجابة عن سؤال والد أشرف، إلا أنه لم يجد إجابة فأعاد الصياغة "السؤال مش إيه تهمة أشرف، السؤال هو العقل والمنطق فين؟ هو ليه إحنا مصممين نحبس ولادنا وشبابنا بالسنوات في هذا الأمر؟"، مضيفًا "اللي أزعجهم واللي خلاهم حبسوا أشرف مش أي حاجة غير رسوماته اللي بتعبَّر عن الناس. وأعتقد إن ده تمن غالي وأشرف بيدفعه بشرف، وأسرته بتدفعه بشرف".
وتناول عمر في عدة رسومات أزمات الكهرباء والديون، وسألته النيابة خلال التحقيقات عن رسوماته المنشورة في المنصة، ومسودات أخرى لرسوم كاريكاتيرية لم تُنشر بعد.
وأقيم على هامش الحفل معرض لرسومات أشرف، وما رسمه المتضامنون معه من مصر ودول العالم، بينما شارك كل من مخلوف ومصطفى سالم برسومات رسموها أثناء الحفل تضامنًا مع أشرف.
لفت انتباه ندى مغيث، زوجة أشرف لوحاته المعلقة في الحفل، وقالت في كلمتها "أول ما دخلت من الباب فيه إحساس كده جميل قوي، حواليا رسومات أشرف، وحواليا رسومات ناس رسمت عن أشرف، واسم أشرف في كل مكان. وأصحاب أشرف طبعًا ده الأساس، وصورة أشرف وعليها الحرية لأشرف".
وشاركت ندى الحاضرين شهادة تقدير مدرسية حصل عليها أشرف عندما كان عمره 13 سنة، في مجال فن الكاريكاتير من إدارة التبين التعليمية - توجيه الصحافة المدرسية، "كان بيتكرّم وهو طفل على فن الكاريكاتير، واتحبس وهو كبير على فن الكاريكاتير". بينما يؤكد خالد علي أن "اللي زي أشرف يستحق الحرية"، لأن قيمة الكاريكاتير التعبير عن نبض الناس، والاشتباك مع القضايا التي تمسهم، سواء كانت اجتماعية أو سياسية، "لو ما كانش الكاريكاتير هيمس الناس محدش هيحس بيه".
أشرف ليس وحده في السجن، بل هناك الكثير من الشباب معه، بحسب خالد علي، "بتهم هي في الحقيقة مضحكة على قد ما هي مؤلمة، وهتفضل معلّمة في روحنا، ومعلمة في أرواحهم"، منتقدًا ما اعتبره "ضياع جلال تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية"، موضحًا "زمان كانت فكرة اتهام حد إنه إرهابي حاجة يتهز ليها الأرض. ده إرهابي؟ أنت خليت كلمة إرهابي أو جريمة إرهابية وسط كل عدد الشباب والبنات اللي موجودين في السجون بقت في الحقيقة حاجة مضحكة جدًا".
ووجه خالد التحية إلى المحاميين نبيه الجنادي ومختار منير لوجودهما الدائم في التحقيقات مع أشرف، والمنظمات الحقوقية التي قادت حملات للإفراج عنه.
واعتبرت رئيسة تحرير المنصة نورا يونس، في كلمتها، أن حملات التضامن ساعدت على مرور الأوقات الصعبة على فريق المنصة بسبب غياب زميلنا خلف القضبان.
وأشارت نورا إلى حملات التضامن الواسعة سواء من رسامين داخل مصر أو خارجها أرسلوا إلى المنصة رسومات تعبر عن التضامن مع أشرف، "جالنا رسائل ورسومات تضامن في خلال الفترة اللي فاتت من رسامين في أماكن كتير قوي؛ أستراليا، كندا، لبنان، السعودية، الأردن، إسبانيا"، مؤكدة أن "التضامن كان مهم وقوي وبيسند"، مؤكدة أن الأكثر تأثيرًا كان تضامن الفنانين من داخل مصر.
وتذكرت نورا في كلمتها الصحفي والشاعر أحمد سراج، المحبوس بعد إجرائه حوارًا صحفيًا مع ندى مغيث، "دي حاجة واجعة قلوبنا قوي".
ووعدت رئيس تحرير المنصة بالاستمرار "في فرد المساحة للرسم وللتعبير"، معبرة في الوقت نفسه عن افتقادها لأشرف ورسومه "قد إيه الرسومات القليلة اللي نشرها معانا قبل ما يتقبض عليه، لسه لغاية النهارده معبرة عن وضعنا، ما زال عندنا اغتراب تجاه عواميد المونوريل في الشارع، وما زلنا بنبص على الرسمة بتاعة الديون وشايفينها لغاية النهارده معبرة عننا".
لكن ما يعانيه أشرف ليس جديدًا على رسامي الكاريكاتير، حسب الفنان التشكيلي والشاعر سعد الدين شحاتة، قائلًا في كلمته "أنا عانيت كل اللي عاناه أشرف. الفرق إن هو دخل السجن وأنا ما دخلتش"، مضيفًا "مشكلة رسامين الكاريكاتير إنه فن بصري. رؤيته مباشرة غير المقال والعمود الصحفي. وإنه فن مشاغب.
وأهدى شحاتة أشرف رسمة أعدها خصيصًا بمناسبة عيد ميلاده، وألقى قصيدة تعبر عن وضع رسامي الكاريكاتير جاء في مطلعها:
نحن الذين نمد بالقلم الرصاصي عوالم
من ضحك أو من بكاء
لكن أحوالًا تعلِّم ظهرك المنصوب فن الانحناء
خوض السياسة واعتياد المخبرين على اصطيادك
كلما انتفضت خطوطك والنساء.
من جانبه أكد رسام الكاريكاتير مصطفى سالم في كلمته أنه لا يوجد رسام يؤيد حبس زميل له حتى وإن اختلف معه أو مع أفكاره، مضيفًا "مينفعش حَد يتحبس عشان قال وجهة نظره أو رأيه، وهي مش جريمة فعلًا".
بينما رأت دينا عمر، شقيقة أشرف أن احتفالية عيد الميلاد حققت هدفها بالترويح النفسي على أسرة المعتقل. وأضافت "إحنا حقيقي وجودكم بيفرق دايمًا معانا، دعمكم هو الأساس".
وترى دينا أن "أي أسرة لها معتقل بتواجه الظرف الصعب ده لوحدها بيكون قاسي جدًا عليها، مقارنة بإن يبقى فيه دعم من الأصدقاء ومن المحامين ومن كل اللي بيبص للقضية على إنها قضية إنسانية".
وربطت دينا بين كونها أخت مسجون وأمًا لطفل عمره أربع سنوات، "دايمًا في مرحلة الأمومة الواحدة بتفكر أنا ماشية صح كده؟ أنا بربي صح؟ إيه اللي ناقص؟ أمي ربتنا إن إحنا نقدر نقول دايمًا الحق، نكون عندنا القدرة دايمًا نعبر صح عن نفسنا وعن اللي إحنا شايفينه. ما نخافش. الحقيقة دي كانت أكبر نقطة بابا وماما زرعوها فينا، إن إحنا فعلًا ما نخافش".
وأضافت "إحنا محتاجين نربي أطفالنا إنهم ما يخافوش. يكون عندهم القدرة إنهم يعبَّروا عن أفكارهم، اتجاهاتهم، حتى لو كانت مختلفة. المجتمع أو الدولة نفسها هي اللي محتاجة تبدأ تستوعبنا، تبدأ تشوف إحنا محتاجين إيه وبنفكر إزاي".
ووجه الخبير التربوي كمال مغيث، والد ندى خلال كلمته خمسة رسائل إلى أشرف وندى وأصدقائهما والمنصة والنظام الحاكم، لافًتا إلى أن موقف المنصة في دعم أشرف جعله قضيته موجودة طول الوقت، على عكس ما حدث مع الدكتور حازم حسني الذي قدم استقالته من جامعة القاهرة فور خروجه من السجن لأن الجامعة لم تقف معه في أزمته ولم تدافع عنه.
وأشاد باهتمام أصدقاء أشرف بقضيته، ودعمهم لندى، "مفيش مكان ولا كافيه ولا ندوة ولا حتة بحضرها إلا طول الوقت يسألوا أشرف أخباره إيه؟ طب الزيارة بتعملوا إيه؟ طول الوقت أشرف بقى موجود في المجال العام بفضلكم".
ووجه مغيث تحية لأشرف، متذكرًا لقاءه به منذ نحو 4 سنوات "لم يبدُ من أشرف لا لفظ ولا مصطلح ولا تقطيبة جبين ولا تون صوت عالي ولا أي حاجة تخليني أقول هو ليه عمل كده؟ طول الوقت كان وجوده يعني فعلًا إحنا لما بنبالغ نقول لحد عامل زي النسمة، أشرف الوحيد اللي عامل زي النسمة".
وفي رسالته للنظام قال إنَّ ما تمر به البلاد لم يمر عليها من قبل "حكمها مغول وشركس وناس من السند والهند وحكمها بلباي المجنون أيام المماليك. لكن ما حصلش اللي بيحصل في مصر ده"، مضيفًا "أظن كل ما الليل يخيم بيبقى الصباح قريب، وتبقى الشمس هتطلع قريب".
وحرصت أسرة وأصدقاء وزملاء أشرف على أن يكون الحفل مبهجًا رغم غيابه، وتجمعوا حول تورتة عيد ميلاد حملت إحدى رسوماته، وأطفأوا الشموع، مغنين "هابي بيرثداي تو أشرف، وفليحيا أبو الفصاد"، وعندما أطفأت ندى الشموع، قالت إنه ليست هناك سوى أمنية واحدة. لم نسألها عنها، فنحن نعرفها جيدًا.