سكرين شوت من فيديو
الرئيس عبد الفتاح السيسي متحدثًا خلال القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، 17 مايو 2025

نص كلمة السيسي خلال الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ34 17/5/2025

منشور الأحد 18 مايو 2025

 

https://www.youtube.com/watch?v=p7IjLcz-g-A

بسم الله الرحمن الرحيم،

أخي فخامة الرئيس عبد اللطيف رشيد، رئيس جمهورية العراق، رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

قادة الدول العربية الشقيقة،

معالي السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية،

الحضور الكريم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أستهل كلمتي بتوجيه خالص الشكر والتقدير إلى أخي فخامة الرئيس عبد اللطيف رشيد، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، والمشاعر الطيبة التي لامسناها منذ وصولنا إلى بغداد، متمنيا لفخامته كل التوفيق في رئاسة الدولة الحالية.

كما أتوجه بالشكر لأخي جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، ملك مملكة البحرين، رئيس الدورة السابقة، تقديرا للجهود المخلصة التي بذلها في دعم قضايا الأمة، وتعزيز العمل العربي المشترك.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

تنعقد قمتنا اليوم في ظرف تاريخي حيث تواجه منطقتنا تحديات معقدة وظروف، وظروفا غير مسبوقة، تتطلب منا جميعا قادة وشعوبا، وقفة موحدة، وإرادة لا تلين، وأن نكون على قلب رجل واحد، قولا وفعلا، حفاظا على أمن أوطاننا، وصونا لحقوق ومقدرات شعوبنا الأبية.

ولا يخفى على أحد أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أشد مراحلها خطورة وأكثرها دقة، إذ يتعرض الشعب الفلسطيني لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية على مدار أكثر من عام ونصف، تهدف إلى طمسه وإبادته وإنهاء وجوده في قطاع غزة، حيث تعرض القطاع لعملية تدمير واسعة لجعله غير قابل للحياة، في محاولة لدفع أهله إلى التهجير، ومغادرته قسرا تحت أهوال الحرب.

فلم.. فلم تبـ.. تبق آلة الحرب الإسرائيلية حجرا على حجر، ولم ترحم طفلا أو شيخا، واتخذت من التجويع والحرمان من الخدمات الصحية سلاحا، ومن التدمير نهجا، مما أدى إلى نزوح قرابة مليوني شخـ.. مليوني.. مليوني فلسطيني داخل القطاع، في تحد صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.

وفي الضفة الغربية، لا تزال آلة الاحتلال تمارس ذات السياسة القمعية من قتل وتدمير، ورغم ذلك يبقى الشعب الفلسطيني صامدا عصيا على الانكسار، متمسكا بحقه المشروع في أرضه ووطنه.

ومنذ أكتوبر 2023، كثفت مصر جهودها السياسية لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وبذلت مساع مضنية للوصول إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، مطالبة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، باتخاذ خطوات حاسمة، لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.

ولا يفوتني هنا أن أثمن جهود الرئيس دونالد ترامب الذي نجح في يناير 2025 في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد أمام العدوان الإسرائيلي المتجدد في محاولة لإجهاض أي مساع نحو الاستقرار.

وعلى الرغم من ذلك، تواصل مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، شريكيها في الوساطة، بذل الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار، مما أسفر مؤخرا عن إطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر.

وفي إطار مساعيها بادرت مصر بالدعوة لعقد قمة القاهرة العربية غير العادية في  4 مارس 2025 والتي أكدت الموقف العربي الثابت برفض تهجير الشعب الفلسطيني، وتبنت خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير أهله، وهي الخطة التي لقيت تأييدا واسعا عربيا وإسلاميا ودوليا.

وفي هذا الصدد، أذكركم بأننا نعتزم تنظيم مؤتمر دولي للتعافي المبكر، وإعادة إعمار قطاع غزة فور توقف العدوان.

وقد وجه العرب من خلال قمة القاهرة رسالة حاسمة للعالم تؤكد أن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هو السبيل الأوحد للخروج من دوامة العنف التي ما زالت تعصف بالمنطقة، مهددة استقرار شعوبها كافة، بلا استثناء.

وأكرر هنا، إنه حتى لو نجحت إسرائيل في إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.

ومن هذا المنطلق فإنني أطالب الرئيس ترامب بصفته قائد يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جادة، يكون فيها وسيطا وراعيا، تفضي إلى تسوية نهائية تحقق سلاما دائما على غرار، على غرار الدور التاريخي الذي اضطلعت به الولايات المتحدة في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل في السبعينيات.

السيدات والسادة الحضور،

إلى جانب القضية الفلسطينية، تواجه أمتنا العربية تحديات مصيرية، تستوجب علينا أن نقف صفا واحدا لمواجهتها بحزم وإرادة لا تلين، فيمر السودان الشقيق بمنعطف خطير يهدد وحدته واستقراره، مما يستوجب العمل العاجل لضمان وقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة الأراضي السودانية، ومؤسساتها الوطنية، ورفض أي مساع تهدف إلى تشكيل حكومات موازية للسلطة الشرعية.

وبالنسبة للشقيقة سوريا، فلا بد من استمرار رفع العقوبات الأمريكية لمصلحة الشعب السوري، وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية شاملة بلا إقصاء أو تهميش، والمحافظة على الدولة السورية ووحدتها، ومكافحة الإرهاب، وتجنب عودته أو تصديره مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجولان وجميع الأراضي السورية المحتلة.

وفي لبنان، يبقى السبيل الأوحد لضمان الاستقرار في التزام بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وقرار مجلس الأمن رقم 1701 وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، واحترام سيادة لبنان على أراضيه، وتمكين الجيش اللبناني من الاضطلاع بمسؤوليته.

أما ليبيا، فإن مصر مستمرة في جهودها الحثيثة للتوصل إلى مصالحة سياسية شاملة، وفق المرجعيات المتفق عليها من خلال مسار سياسي ليبي يفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة تمكن الشعب الليبي من اختيار قيادته، وتضمن أن تظل ليبيا لأهلها، مع خروج كافة القوات والمليشيات الأجنبية من ليبيا.

وفي اليمن، فقد طال أمد الصراع وحان الوقت لاستعادة هذا البلد العريق، توازنه واستقراره، عبر تسوية شاملة، تنهي الأزمة الإنسانية التي طالتهم لسنوات، وتحفظ وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية. وأشير هنا إلى ضرورة عودة الملاحة إلى طبيعتها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتهيئة الأجواء للاستقرار والبحث عن الحلول التي تعود بالنفع على شعوبنا.

كما لا ننسى دعمنا المتواصل للصومال الشقيق، مؤكدين رفضنا القاطع لأي محاولات للنيل من سيادته، وداعين كافة الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم الحكومة الصومالية للحفاظ على الأمن والاستقرار في بلدها الشقيق.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

في الختام، أقولها لكم بكل صدق وإخلاص، إن الأمانة الثقيلة التي نحملها جميعا، واللحظة التاريخية التي نقف فيها اليوم، تلزمنا بأن.. بأن نعلي مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وأن نعمل معا يدا بيد على تسوية النزاعات والقضايا المصيرية التي تعصف بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، القضية المركزية التي لا حياد فيها عن العدل ولا تهاون فيها عن الحق.

فلنعمل معا على ترسيخ تعا.. التعاون بيننا، وأن نجعل من وحدتنا قوة، ومن تكاملنا نماء، مؤمنين بأن شعوبنا العربية تستحق غدا يليق بعظمة ماضيها، وبمجد حضاراتها. فلتمض بثبات وعزيمة، ولنجعل من هذه القمة خطوة فاصلة نحو غد أكثر إشراقا لوطننا العربية. وفقنا الله جميعا لما فيه صالح شعوبنا العربية.