
المستمر غالب.. وليس العكس
حصد الأهلي أول ألقابه الإفريقية منذ 43 سنةً عام 1982. إذا ألقينا نظرة على أطراف المربع الذهبي في تلك النسخة، سنجد أشانتي كوتوكو الغاني، وإينوجو رينجرز النيجيري، وسانت إيلوي لوبوبو الكونغولي. هذه الفرق الأربعة، أقصت في ربع النهائي جرين بافلوز الزامبي وكمبالا سيتي الأوغندي ورائد القبة الجزائري وريال باماكو المالي. فأين هذه الأندية الآن؟ ليس فقط في النسخة الحالية أو السابقة، بل طوال العقدين الأخيرين؟
في المقابل، وبغض البصر عن مآل النسخة الحالية من دوري الأبطال التي ودّعها الأهلي من الدور نصف النهائي على يد صن داونز الجنوب إفريقي الذي سيواجه في النهائي بيراميدز الذي أقصى أورلاندو بايرتس الجنوب إفريقي، لنسأل هنا السؤال المعاكس: أين كانت تلك الأندية في نسخة 1982 وما حولها؟
إجابة هذين السؤالين لن تخبرنا فقط لماذا يتصدر الأهلي قائمة الأكثر تتويجًا محليًا وقاريًا، لكنها توضح لنا كيف يُكتَب تاريخ منافسات كرة القدم، فالتاريخ ليس للمنتصر دائمًا، بل لمن يتواجد باستمرار في دائرة المنافسة.
لا أحد في كرة القدم ينتصر على الدوام، والأهلي ليس استثناءً في ذلك، فقد واجه مثلًا أشانتي كوتوكو في نهائيين: فاز في أحدهما وخسر الآخر. وقابل الوداد المغربي في ثلاث نهائيات، فاز مرة وخسر اثنين. وأمام النجم الساحلي التونسي فاز في نهائي وخسر آخر. لكن ماذا عن المحصلة العامة؟
المحصلة أن الأهلي لعب 17 نهائيًا، والتالي له مباشرة بالكاد وصل إلى نصف هذا العدد. وكلاهما فاز في بعض النهائيات وخسر البعض الآخر.
لا أحد يفوز طوال الوقت، صحيح أن معدلات الفوز تختلف من فريق لآخر ومن بطولة لأختها، لكن يبقى المؤكد أن أي طرفين متنافسين يملك كلٌّ منهما فرصة المكسب، وكلما تكررت الفرص تقلبت النتائج، فالتكرار هو كلمة السر.
السؤال ليس: هل ربحت أم لا؟ بل: هل نافست أم لا؟
يمكننا رصد ذلك بصورة أوضح من خلال البطولات القارية، فتقريبًا عبْر كل الحقب، باستثناء التسعينيات التي لم يشارك فيها، كان الأهلي ينافس دومًا على الألقاب الإفريقية، بينما تظهر بقية الأندية في فترات وتختفي في أخرى. وأبرزها الفريق التالي للأهلي في عدد التتويجات القارية؛ الزمالك، الذي يبقى لسنوات بعيدًا عن المنافسة، خصوصًا بعدما أصبح دوري الأبطال هو البطولة الأولى بمسافة شاسعة عن الكونفيدرالية، بخلاف ما كان عليه الوضع كانت بطولة أبطال الدوري وأبطال الكأس متساويتين تقريبًا.
وبعيدًا عن عدد التتويجات، هناك رقم آخر كاشف في هذا الصدد، وهو أن الأهلي لم يغِب عن المشاركة في دوري الأبطال منذ عام 2004 وحتى الآن على نحو مستمر، فيما لم يحدث أن شارك الزمالك في خمس نسخ متتالية من البطولة عبر تاريخه الطويل والممتد.
نتيجة ذلك، لم يتوقف ظهور الأهلي في ربع النهائي منذ صارت المجموعات في ثمن النهائي نسخة 2017، بينما لم نشاهد الزمالك في ربع نهائي دوري الأبطال سوى مرة واحدة في نسخة 2020 التي شهدت نهائي القرن.
هذه ليست مقارنة بين أرقام الأهلي والزمالك، ولا بين تاريخهما في البطولة، إنما توضيح لكيف تحدث الأمور، فكثيرًا ما كان الزمالك مؤهلًا كمستوىً فنيٍّ للوصول لنقاط بعيدة مثل عام 2019 مثلًا، لكن غيابه عن المنافسة ذاتها يفقده فرصة صناعة الرقم. ببساطة لن تفوز ببطولة ما لم تكن منافسًا فيها. وعندما تنافس فإنك تكسب مرات وتخسر مرات.
لذا فالسؤال ليس "هل ربحت أم لا؟"، بل "هل نافست أم لا؟".
غير أن هذا لا يعني أن الأمر يقتصر على البطولات القارية أو دوري الأبطال، فلو نظرنا مثلًا إلى لقبٍ محليٍّ مثل السوبر المصري، سنجد الأمر ذاته تقريبًا. واجه الأهلي حرس الحدود في السوبر مرتين ففاز مرة وخسر مرة. وواجه طلائع الجيش مرة واحدة خسرها، وواجه الزمالك عدة مرات تقلبت النتيجة بين فوز الأهلي وفوز الزمالك، فماذا كانت المحصلة؟
الأهلي منافس دائم على اللقب منذ نسخة 2005 حتى الآن، وكل هذه الفرق تظهر وتختفي، فالنتيجة النهائية فارق شاسع بين الأهلي وغيره في عدد مرات التتويج، بغض البصر عن قوة المنافسة وحجم اللقب، لكنها مرآة لما نقصده.
فكِّر في أي منافسة يخوضها الأهلي، كأس مصر، وحتى الدوري العام الذي حقق فيه سيادة أكبر من البطولات الأخرى، ستجد الميزة الكبرى أنه مستمر في المنافسة لا أنه دائم الانتصار، خسر الأهلي بطولة الدوري العام مرات، لكنه كان دائمًا ينافس حتى الأمتار الأخيرة. لا يخرج من الصورة في منتصف المسيرة أو قبلها، مهما كانت الضغوط، بينما المنافسون لا يتمتعون بالميزة نفسها.
الزمالك كثيرًا ما يجد نفسه بعد عدة جولات خارج إطار المنافسة، وتُقِرُّ منظومته كلها ذلك: الإدارة واللاعبون والجهاز الفني وحتى اللاعبون، مثل موسم 2019-2020 الذي كفَّ فيه الفريق عن اللحاق بالأهلي بعد منتصف الدور الأول، لا منتصف المسابقة ككل.
أما المنافسون الأخرون فإنهم يظهرون في حقب، ويختفون بعدها تمامًا، شخصيًا عاصرت غزل المحلة، والمقاولون العرب، والإسماعيلي، وسموحة ومصر المقاصة وغيرها. أندية صعدت ونافست على اللقب، وقد تحصد نسخة، لكن ماذا بعد؟ تراجع فتراجع، وقد يكون المصير في النهاية الاختفاء.
كذلك في كأس مصر، يفوز إنبي، يفوز حرس الحدود، يفوز بيراميدز، يصل وادي دجلة وزد للنهائي، ثم؟
لا يمر الأهلي كثيرًا بمراحل انخفاض المستوى التي تجعله يغيب عن المنافسة لسنوات طويلة، وهو أمر يستحق أن نفصَّل أسبابه في حديث قادم. ولكن حتى يحين ذلك، لنتأمل تلك القاعدة التي تحكم منافسات الطاولة على المقاهي، وهي "الغالب مستمر". ففي منافسات كرة القدم، وربما في الحياة عمومًا، علينا أن نقلب هذه الجملة، لأن القاعدة الأفضل هي: المستمر غالب.