منذ 2013 تعرض أكثر من 10 آلاف مهاجر للغرق خلال محاولتهم عبور المتوسط نحو أوروبا. خلف هذا الموت تقبع تجارة تهريب قوامها ملايين الدولارات، ذات صلات مالية مباشرة في فرانكفورت الألمانية، وفي إيطاليا وليبيا.
نشر هذا التحقيق في أربعة أجزاء بصحيفة ديرشبيجل الألمانية وتنشر المنصة ترجمته الكاملة في جزئين أولهما على هذا الرابط
باليرمو – إيطاليا
له وجه عريض، وعينان سوداوان ويرتدي قلادة من اللآلئ البلاستيكية. وفقًا لمذكرة اعتقاله الصادرة عن السلطات الإيطالية فإن عطا وهابريبي يحتفظ بصلات مع مهربين في ليبيا منهم إرمياس غرماي.
وفقًا لكالجيرو فيريرا فإن عطا شاهد رئيسي. كالجيرو الذي يشغل منصب محقق عام "نائب عام" ذو بشرة سمراء، تتدلى السيجارة من طرف فمه ويبدو عليه الفخر بما أنجزه. فهنا في مكتب فيريرا في باليرمو تحدث عطا للمرة الأولى. في إبريل/ نيسان 2015 أدلى المهرب الإريتري بشهادته التي –وفقًا لفيريرا- لا تقل في أهميتها عن اعترافات عضو في المافيا الصقلية.
يعمل فيريرا محققًا عامًا في الوحدة الأسطورية لمكافحة المافيا في مكتب النائب العام بباليرمو. في كل صباح، في طريقه لمكتبه بالدور الثاني في قصر العدل، يمر كالجيرو بنصب تذكاري يخلد أسماء أسلافه الذين تعرضوا للاغتيال. القاضيان باولو بورسيللينو وجيوفاني فلاكوني، اغتيل كلاهما عام 1992، وكانا يعملان في هذا المبنى. يقول كالجيرو فيريرا: "هناك الكثير من الفشل في إيطاليا.. لكننا نعرف كيف نكافح الجريمة المنظمة".
يرى المحققون الإيطاليون أن جرائم المهربين من الخطورة بحيث تستدعي استخدام الإجراءات ذاتها التي واجهت بها السلطات الإيطالية الكوزا نوسترا "المافيا". فالقانون الإيطالي يتيح مراقبة الهواتف والمراقبة المصورة بالفيديو. كما يُعَامل المجرمين الذين يقررون التعاون بكرم شديد، ويُمنحوا مزية الدخول في برنامج حماية الشهود.
حتى الآن قام محققو باليرمو بثلاث عمليات كبرى للقضاء على خلايا تهريب تتصل بشبكة غرماي. أطلقوا على العمليات جلوكو 1،2،3، وأصدروا 71 مذكرة اعتقال. خلال العملية الكبرى الأخيرة في يونيو/ حزيران الماضي، ألقي القبض على 38 متهمًا ثلثيهم كانوا من إريتريا، كما عُقدت اتفاقات مع بعض المقبوض عليهم مثل عطا الذي يحيا الآن ضمن برنامج حماية الشهود. يقول كالجيرو: " كل شئ نعرفه عن هذه الشبكة الآن، نعرفه بفضل عطا".
أتى عطا من إريتريا إلى ليبيا عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، ولاحقًا عاش في الشارع نفسه الذي يشغله أبناء الطبقة الوسطى في طرابلس والذي عاش فيه إرمياس غرماي. خلال تلك الفترة كان عطا يدير مقهى يزوره المهاجرين الراغبين في عبور المتوسط. كان عطا يجمع منهم الأموال ويرسلها للمهربين.
في 2007 هرب عطا إلى إيطاليا مستغلاً علاقاته مع اللاعبين الكبار في شبكات التهريب. صعد نجمه في العمل معهم وصار واحدًا من "الزعماء المؤسسين" للمنظمة الإجرامية كما تصفه مذكرة اعتقاله. ثلاثة فقط يحملون هذا اللقب: عطا وغرماي ورجل سوداني يدعى جون ماهراي. كان عطا مسؤولاً عن العمليات التي تجري على التراب الإيطالي.
دون أثر
كان عطا مسؤولا عن نقل اللاجئين الذين يصلون إلى صقلية نحو الشمال. كان عليه أن يلتقيهم في أسرع وقت قبل أن تأخذ السلطات الإيطالية بصماتهم. فبدون تلك البصمات سيصعب تتبع مسار اللاجئين وحركتهم في أوروبا، وبدونها سيصعب على السلطات الألمانية أن تحدد من أين أتى اللاجئ.
كان عطا يقود عربات نقل بعض اللاجئين بنفسه دون رخصة قيادة، ويمر بالعربات إلى ألمانيا أو حتى إلى دول اسكندنافيا "السويد، النيرويج، فنلندا، الدنمارك"، هذه لعبة سهلة في أوروبا لغياب إجراءات السيطرة على الحدود. في حالات أخرى كان يرسل مساعدين له، في واحدة من المرات غادر مساعدون له بولونيا "ألمانيا" نحو مدينة روزنهايم البافارية في حوالي التاسعة والنصف مساءًا، كان يشجعهم في مكالمته الهاتفية قائلاً: "هتوصولوا الساعة 6 الصبح وهتكونوا كسبتوا 1000 يورو". ونصحهم: "لو الألمان قبضوا عليكم، قولوا إنكم متعرفوش الناس في العربية وهتخرجوا من الحبس تاني يوم".
قال عطا في شهادته إن بيع وثائق التسجيل ووثائق الزواج وغيرها من الوثائق الخاصة بحالة اللاجئين كانت تحقق أرباحًا استثنائية. يقول إن بعض مساعديه الإريتريين ملأوا خمس وثائق في خمس مقاطعات إيطالية مختلفة للم الشمل مع خمس زوجات مختلفات، يفترض أنهن لازلن في إريتريا.
ونتيجة لذلك تسلمت النساء الأوراق اللازمة لدخول إيطاليا، فتفادين مخاطر خوض رحلة السفر في البحر، ونظير ذلك دفعن 15 ألف دولار كثمن لهذا الزواج المزيف. هذه الطريقة تعمل بنجاح لأنه وحسب شهادة عطا: "المقاطعات الإيطالية لا تتبادل المعلومات مع بعضها البعض".
الإيطاليون بإمكانهم تحمل هذا النوع من الإهمال الإجرائي، فرغم أن العام الماضي وحده وصل فيه 38 ألف إريتري إلى إيطاليا؛ إلا أن العدد الإجمالي للإريتريين الواصلين إلى إيطاليا انخفض بنسبة 30% عما كان عليه في 2011، ليصل إلى الرقم الحالي البالغ 9600 إريتري فقط. في كل عام يتجه عشرات الآلاف نحو الشمال عقب وصولهم إلى إيطاليا، يتوجهون غالبا نحو سويسرا وألمانيا والسويد. هذه الأعداد تشمل الأكثر فقرًا، كما أنها تضم المهربين الأثرياء.
يدعي فيريرا أن السلطات الألمانية تعلم بهذه المعلومات بفضل نظام التقاضي الأوروبي المشترك "يورجست Eurojust". لكنهم في رأيه: "لا يهتمون.. نحن الإيطاليين نقوم بإجراء التحقيقات ونصدر مذكرات التفتيش والاعتقال وندفع باتجاه عقد اجتماعات اليوروجست للتنسيق بين سلطات التحقيق، ولدينا وثائق تقول إن لشبكات التهريب صلات قوية في ألمانيا". يقول فيريرا إن المحققين في إيطاليا أرسلوا تفريغ 40 ألف مكالمة لزملائهم من المحققين في كافة أنحاء أوروبا، وطلب فيريرا مساعدتهم في تحديد خيوط شبكة التهريب ومدى قوتها.
أنا تعبت..
يوضح المحقق الإيطالي إن سلطات التحقيق في بريطانيا وهولندا والسويد قيَّمت الوثائق بالفعل، وبدأت في إجراء تحقيقاتها المستقلة "لكن الألمان لم يفعلوا أي شئ، ولا يبدو أنهم مهتمين أصلاً. في أحد اجتماعات اليوروجست أرسلوا متدرب ممثلاً عنهم. لقد سمعت العبارة نفسها من الألمان مرارًا (مستعدين نساعد الطليان).. وبصراحة أنا تعبت من هذا الأسلوب".
هل الألمان حمقى أم متعالين؟ يرجح فيريرا كونهم حمقى: "هذا هو ما حدث في تحقيقات المافيا. وقتها كان الألمان يقولون: (مافيا.. الحاجات دي مش موجوة هنا)، أغلق الألمان أعينهم عن الحقيقة رغم أننا منحناهم أدلة قوية".
في المقابل؛ يدَّعي المحققون الألمان أن الإيطاليين أرسلوا إليهم المعلومات "متأخر جدًا". يقولون إن الإيطاليين شاركوا معلوماتهم فقط بعد عمليتي جلوكو1 و2.
في الدوائر الأمنية، يمكنك أن تسمع عن ازدياد صعوبة الأمور بسبب البنية المختلفة تمامًا لمنظومتي التحقيق في ألمانيا وإيطاليا.
هناك رجل لطيف لا يبعد مكتبه كثيرًا عن كاتدرائية باليرمو لديه الكثير من النقد اللاذع لألمان. كارماين موسكا يقود فرعًا خاصًا لمكافحة تهريب اللاجئين ضمن وحدة الشرطة للانتشار السريع "سكوادرا موبايل".
موسكا كان في الخرطوم في يونيو/ حزيران الماضي أثناء عملية ترحيل أحد مهربي اللاجئين ممن صدرت بحقهم مذكرة اعتقال دولية. وأثنى على التعاون الذي أبدته الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا التي ساعدت في القبض على المهرب، وكذلك يثني على تعاون الهولنديين الذين- كما يقول- "لديهم أذن مرحبة بالاستماع للمخاوف الإيطالية". ولكن عندما تتجه المناقشة للحديث عن الألمان يصارع موسكا غضبه وهو يحاول جاهدًا للسيطرة عليه.
يقول موسكا إنه ليس من الصعب الإمساك بأشخاص مثل إرمياس غرماي، لكن تلك المهمة تزداد صعوبتها بشكل لا داعي له. فمثلاً: وصلت سفينة من السفن المشاركة في عملية صوفيا إلى جزيرة صقلية وهي تحمل مئات اللاجئين، "ذهبنا إلى هناك للتحقيق. سألنا عن أسماء المهربين وأرقام هواتفهم في ليبيا حتى يمكننا مراقبتها فيما بعد. معظم أفراد الطاقم من الايرلنديين والاسبان والنيرويجيين كانوا في غاية الترحيب والتنظيم".
ولكن؛ "عدا الألمان.. ذات مرة وصلت سفينة بها مئات اللاجئين تدعي هيسن وهي سفينة ألمانية، لم يسمح الضباط لنا بالصعود للسفينة، لم يدعمونا بأي شكل، لم يعطونا أية أدلة، ولا أي شيء. لم نتمكن بالإمساك بأي مهربين بعدها".
"هَنيِّمْهُم واقفين"..
في صقلية، نقطة الالتقاء التاريخية بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، صار من الصعب تجاهل أثر وصول الآلاف القادمين من السفن والقوارب التي تحطمت في عرض البحر. بالعودة لشهادة عطا، فإنه قاد المحققين لبار متواضع بإحدى حارات باليرمو، كان المهربون يخفون فيه حمولتهم البشرية حتى هاجمته قوات الشرطة في يوليو/ تموز الماضي. الآن إذا تجولت بالقرب من البار ستجد وجوها سمراء عديدة ذات نظرة ذاهلة وخدود محشوة بالقات، وهو مخدر يشيع استهلاكه في منطقة القرن الإفريقي.
بعضهم يبحث عن بيوت في كاتانيا، وهي المنطقة التي أخفى شقيق غرماي 117 لاجئًا في أحد منازلها ذات مرة. في مكالمة هاتفية مسجلة يقول : "لو اضطريت هنيمهم واقفين".
على بعد 400 كيلومتر من ذلك منزل التُعساء هذا، وفي روما صار للإريتريين قاعدة في بالاتزو سِلام، وهو قصر زجاجي احتضن يومًا طلبة الفلسفة والعلوم الإنسانية في جامعة تور فيرجتا. الآن صار هذا القصر مأوى لألفي لاجئ. اثنين من مهربي اللاجئين كانوا مُسجَلِين في هذا المركز حين صرت ضدهم مذكرة اعتقال في يونيو الماضي. بينما اختبأ مهربين آخرين بين اللاجئين المسجلين في الجيزويت في قلب روما.
في ملجأ الجيزويت يدير أتباع البابا فرانسيس "بابا الفاتيكان" أكثر من مجرد مطبخ خيري، فهم يقدمون العديد من الخدمات خلف بابهم الحديدي الأخضر. اللاجئين الذين ليس لديهم مكان ثابت للإقامة يمكنهم استخدام العنوان البريدي للمركز لو أرادوا عنوانًا لمتابعة طلب اللجوء أو الفيزا. ولهذا السبب فإن سبعة من مذكرات الاعتقال الـ28 التي صدرت خلال عملية جلوكو 3 تم تسليمها في في الجيزويت الروماني.
بالإضافة لهذا، فإن عطا الذي عاش في مبنى برجوازي من الحجارة يطل على تلال ألبان في روما، أعطى الكثير من المعلومات الأخرى حول تخفِّي المهربين بين اللاجئين، خلال شهادته التي امتدت لعشر ساعات والتي لا يزال معظمها خاضعًا لأقصى درجات السرية. يقول المحقق فيريرا: "نُحَضِّر الآن للعملية جلوكو 4، هذه المرة سنتعقب تيارات الأموال. لقد طلبنا مساعدة خدمات الاستخبارات في عدة دول. لأننا بحاجة لتتبع الأموال".
فرانكفورت- ألمانيا
لنعرف إلى أين انتهت الملايين التي يجنيها المهربون، علينا أن نبحث عن مانا إبراهيم زوجة إرمياس غرماي، التي تقدمت بطلب لجوء إلى ألمانيا، بحسب شهادة عطا: "هي تحيا الآن في منطقة فرانكفورت. كل الأموال التي كسبها إرميا موجودة الآن في فرانكفورت".
المسؤولون الرسميون في باليرمو يزعمون أنهم أرسلوا كل هذه المعلومات المتعلقة بزوجة غرماي إلى نظرائهم الألمان. ولكن في ألمانيا، لا أحد يعرف أي شيء عن مانا إبراهيم، لا أحد من الجهات الأمنية المتصلة ولا أحد من المحققين. لكنهم في الوقت ذاته يقولون أنهم يتتبعون كافة الخيوط.
وردا على طلب التعليق الذي تقدمت به ديرشبيجل، قال مكتب المحققين في فرانكفورت: " إن فرانكفورت بلا شك واحدة من النقاط المهمة في حركة المهربين الإريتريين وهناك 10- 15 عملية ملاحقة لمهربين أتموا عملياتهم في فرانكفورت، تحقق فيها وحدة مكافحة الجريمة المنظمة". وحسب معلوماتنا لم تتمكن وحدات مكافحة الجريمة في فرانكفورت سوى من القبض على بضعة مساعدين غير مهمين.
في الوقت نفسه فإن محققي باليرمو يشكون من أن مهربين كبار في شبكة ألمانيا لا يزالون طلقاء في البلد التي توصف بأنها الأكثر ترحيبًا باللاجئين في أوروبا، رغم إصدار مذكرات اعتقال ضدهم. في السنوات الأخيرة رموز مهمة في صناعة تهريب البشر تم تعقبهم في ألمانيا بناء على معلومات ومذكرات أصدرها الإيطاليون، منهم مياشو تسفامريم، وهو يحاكم حاليًا بتهمة إتمام عملية تهريب عبر المتوسط اختفى على إثرها 244 لاجئ دون أثر في يونيو/ حزيران 2014. سافر المهرب الإريتري بعدها إلى ألمانيا وتقدم بطلب لجوء. في ديسمبر/ كانون أول 2014، وجده مفتشي الشرطة في مونشنبرج وهي مدينة في مقاطعة براندنبرج بشرق ألمانيا.
يوناس رضاي وهو عضو مهم في شبكة التهريب في صقلية مثال آخر على هذا، فقد عاش لاحقًا كطالب لجوء في جوتنجين وتم القبض عليه في فبراير/ شباط الماضي. ومالوبراهان جوروم المتهم بكونه مدير مالي لواحدة من أكبر شبكات التهريب، ظل يحيا آمنًا كطالب لجوء في وورمز حتى ألقي القبض عليه في أغسطس/ آب 2015.
دعم مالي لدكتاتور
في إيطاليا، تلقت السلطات العديد من بلاغات الجرائم كالاغتصاب والإيذاء الجسدي والانتهاكات المنزلية ضد جوروم، الذي أنكر جميع الاتهامات الموجهة إليه. تقدم المُهرب بطلب لجوء إلى ألمانيا مستخدمًا اسمه الحقيقي. عندما وجد النائب العام لمدينة كوبلنز الألمانية على مكتبه طلبًا لترحيل جوروم، ظنه ماريو مانفيلر مجرد طلب للتعاون وقام بتسليم جوروم للإيطالين خلال مدة قصيرة. يقول النائب الألماني: "من الصعب أن تجد من لديه استعداد للتنقيب والتحقيق المعمق في مثل هذه الأمور".
إذن هل ألمانيا عمياء تجاه هؤلاء المجرمين الآتين عبر ليبيا وإيطاليا؟ أم أن القوانين في البلد بحاجة للمراجعة؟ في إيطاليا، مجرد كون المرء عضوًا في المافيا يشكل جريمة، ولكن ليس في ألمانيا. هنا، لابد من وجود دليل على ارتكاب جريمة قبل أن تتخذ السلطات إجراءات للاعتقال.
في برلين، يقول ضابط مخابرات ألماني رفيع: "نحن قلقون فعلاً. هناك لاجئون في ألمانيا لا نعرف كيف أتوا إلى هنا. نحن قلقون أيضًا من التعاون اللصيق بين المتشددين في منطقة الصحراء الكبرى وبين المهربين". وأضاف أن هناك وحدات مقاتلة تنتمى لتنظيم الدولة الإسلامية في مدن مثل طرابلس وصبراتة "محطات رئيسة في التهريب"، وحيث يُعتقّد أن إرمياس غرماي يحيا الآن.
يأمل الاتحاد الأوروبي في حل مشكلة اللاجئين باستخدام الأموال. وهدف ما يسمى بعملية الخرطوم هو منح دعم مالي للدول في منطقة القرن الإفريقي ودول أخرى على مسار تهريب اللاجئين. من بين المتلقين لهذا الدعم المالي، الدكتاتور السوداني عمر البشير، الذي سيتلقى ملايين اليوروهات من الاتحاد الأوروبي. واحدة من خطط الاتحاد الأوروبي هي تقوية مؤسسات الحكم ودعم تسليح وتدريب القوات، هذا الدعم سيتلقاه نظام حكم تراه منظمة العفو الدولية "قاسي، فاقد للإنسانية، ووصمة إنسانية".
ولكن لن يكون من الممكن إيقاف الهروب الجماعي للإريتريين عبر حقن النظام القمعي بالمزيد من الأموال. فرانكفورت الآن فيها كنيستين أرثوذكسيتين للإثيوبيين وللإريتريين، وقنصلية للإريتريين. وخلف محطة القطار الرئيسة؛ هناك بارات ومطاعم يتجمع فيها الإريتريون.
واحد من هؤلاء الإريتريين قال لنا إنه قابل إرمياس غرماي ذات مرة في الخرطوم بوساطة من صديق له يعمل مع شبكات التهريب: "مثل المهربين الكبار كلهم يذهب إرمياس للخرطوم في الخريف ليقابل أصداقئه من المسؤولين وكبار رجال الدولة هناك". يقول الشاب الإريتري إن محاولة دفع المسؤولين الرسميين في إفريقيا لمحاربة المهربين مجرد عبث: "في السودان اللواءات أصحاب الحلل الرسمية يحيون إرمياس غرماي كأنه نظير لهم وصديق مقرّب. إنهم يحمون إرمياس، وعندما يعود لليبيا، يحميه الليبيون".
العودة لليبيا
صفوف الكثبان الرملية الصغيرة في المقبرة لا تبعد كثيرًا عن مدينة الزاوية، لكنها تمتد حتى تبدو كأنها بلا نهاية. كتل من الحجارة البيضاء.. المئات منها وربما الآلاف تقف كشواهد قبور لأجساد بلا أسماء، ألقتها الأمواج على الشاطئ. هنا وهناك، بينما يهب نسيم البحر ليبعثر رمال الكثبان، يمكنك أن ترى سترة تطل من الرمل، أو عظمة، أو صفحات تحمل نصوصًا من العهد القديم تتطاير مع الهواء والرمل، ربما تنتمي لمسيحي إريتري صار اليوم دفين تلك الأرض الغريبة.
على بعد عدة كيلو مترات يقف رجال من خفر السواحل الليبية، حوالي ستة منهم، يتطلعون لمياه البحر الممتدة. المتحدث باسمهم الذي يدعونه العقيد ناجي، يقوم بجهد حقيقي لينجح في مهام منصبه الجديد كرأس حربة في مواجهة تهريب البشر. منذ الثلاثين من أغسطس/ آب الماضي صارت هذه الفرق تتلقى تدريبات من الاتحاد الأوروبي، والآن عندما يرون قارب للاجئين عليهم أن يجلبوه للشاطئ.
ولكن من يعرف في أي جانب يقفون فعلاً؟. اللاجئون يقولون إن هؤلاء الحراس الرسميون يلقون سؤالاً واحدًا بمجرد صعودهم على متن قارب للاجئين "إنتو منين؟" أي من طرف أي مُهرِّب جاء هؤلاء اللاجئين. والإجابة على هذا السؤال تحدد مصير القارب وإن كانوا سيتركونه يمر إلى عرض البحر أم سيعيدونه إلى الشاطئ. يبدو أن هناك مهربين على علاقة جيدة بخفر السواحل، ومهربين آخرين لا يلتفتون جيدًا لبناء مثل تلك العلاقات والحفاظ عليها.
العقيد ناجي يقول إنه يرى في مساعدة ألمانيا لرجاله بادرة طيبة، لكنه لديه نصيحه لحلفائه في الشمال: "لازم تغيروا قوانين اللجوء. المهربون يستخدمونها الآن كالتاكسي يحملون فيه زبائنهم من سواحل ليبيا".