بعد سنة كاملة من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة والتي كانت الأولى لرئيس روسي منذ عشر سنوات كاملة، تشهد العلاقات المصرية مع روسيا تطورًا ملحوظًا بعد تحقق خطوات ملموسة في ثلاثة مشروعات كبرى تنوي مصر تدشينها بالتعاون مع شركات روسية، بالإضافة إلى حزمة اتفاقيات أخرى تتعلق بالتجارة والاستثمارات.
في فبراير من العام الماضي 2015، استعدت القاهرة لاستقبال بوتين في أول زيارة منذ تلك التي قام بها الرئيس نفسه في عام 2005. خلال السنوات العشر، كانت مياه كثيرة قد جرت في وادي النيل، ثورة أزاحت رئيسًا عام 2011، ثم موجة احتجاجات عاتية حملت الجيش على عزل رئيسٍ ثانٍ عام 2013، وقائد للجيش يترجل ويخلع زيه العسكري ويكتسح في انتخابات رئاسية كانت الأصوات الباطلة في نتائجها هي أقرب منافسيه.
زيارة لبوتين قابلتها 3 قام بهم السيسي إلى موسكو وهو رئيس جمهورية (وأولى عندما كان وزيرًا للدفاع). ولكن زيارة بوتين كانت العلامة الفارقة في العلاقات بين البلدين.
خطوة أمريكية للخلف.. روسية للأمام
مع قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجميد المساعدات العسكرية وتأخير تسليم شحنات أسلحة ووقف الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، عقب إطاحة الجيش بمرسي، كانت روسيا تتقدم خطوة إلى الأمام.
في حوار مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عام 2013 قال السيسي مخاطبًا الأمريكيين "أدرتم ظهركم للمصريين ولن ينسوا لكم ذلك"، في ذلك الوقت كانت روسيا تقبل نحو مصر وتوقع مع الحكومة المصرية صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار، بتمويل من السعودية والإمارات اللتين لم تخفيا دعمهما إجراءات عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي بيد السيسي.
تتخوف دول الخليج من سيطرة الإخوان المسلمين، كذلك روسيا التي قررت عام 2003 اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، هؤلاء وجدوا أنفسهم مضطرين للتعاطي مع رئيسٍ منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن عند الإطاحة به، تدفقت الأموال الخليجي والاستثمارات الروسية. بوتين قال للسيسي صراحة "إنه لقرار مسؤول جدًا أن تأخذ على عاتقك مسؤولية مصير الشعب المصري. باسمي وباسم الشعب الروسي أتمنى لكَ حظًا موفقًا".
وعلى الرغم من أن العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة قد عادت بقوة لاحقًا، إلا أن العلاقة مع روسيا اكتسبت بعدًا أكثر متانة مما كانت عليه في عهدي مبارك ثم مرسي.
تبادل تجاري واسع النطاق
تقول هيئة الجمارك الروسية إن حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا بلغ 4.6 مليار دولار أمريكي منها 4.1 مليار صادرات روسية إلى مصر والباقي واردات مصرية.
وتستحوذ مصر، وهي ثاني أكبر مستورد للقمح في العالم، على 20 بالمئة من الواردات الروسية ذلك أن روسيا هي رابع أكبر منتج للقمح في العالم.
وعلى الرغم من الأزمة الحالية في قطاع السياحة وقرار روسيا وقف رحلاتها إلى المطارات المصرية بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بفعل عملية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية، فإن القطاع السياحي في مصر يعتمد بشكل كبير على روسيا.
وكانت مصر تستقبل سنويًا نحو 3 ملايين سائح روسي بمعدل نحو ربع مليون سائح شهريًا، يتركز معظمهم في المنتجعات السياحية على البحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ.
مشروعات كُبرى وتصريحات متضاربة
إلى جانب كل ما سبق، هناك ثلاثة مشروعات كبرى اتفق السيسي مع بوتين خلال زيارة الرئيس الروسي الأخيرة إلى مصر، أن تنفذها روسيا، وهي منطقة صناعية في عتاقة، ومنطقة للتجارة الحرة بين البلدين، والمشروع النووي المصري في الضبعة.
أول هذه المشروعات هو مشروع إقامة محطة الطاقة الكهرذرية في الضبعة، والتي قال السفير الروسي في مصر سيرجي كيربيتشينكو اليوم الاثنين إن مصر تريد التوقيع على عقد بنائها "خلال فترة قصيرة، وموسكو موافقة على ذلك".
وبحسب السفير الذي أجرى حوارًا مع وكالة نوفوستي الروسية للأنباء فإن "المصريين يصرون على ان تكون فترة التوقيع على عقد بناء المحطة قصيرة، ويمكن القول إنه قياسي، لان ذلك شعار الرئيس السيسي. والجانب الروسي موافق على ذلك".
وقّعت مصر مع روسيا اتفاقية التعاون في بناء وتشغيل المحطة الذرية في الضبعة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويشمل التعاقد إقامة 4 مفاعلات تبلغ قوة الواحد 1200 ميجاواط، وتنفذه شركة "روس آتوم" الحكومية للطاقة الذرية.
ودخلت اتفاقية بناء أول محطة كهرذرية في منطقة الضبعة في مصر حيز التنفيذ يوم 13 يناير/كانون الثاني الماضي، بحسب بوابة المعلومات القانونية الروسية التي ذكرت مطلع الشهر الماضي أن "الاتفاقية بين حكومة روسيا الاتحادية وحكومة جمهورية مصر العربية حول التعاون في بناء وتشغيل محطة كهرذرية على أراضي جمهورية مصر العربية بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 2015 دخلت حيز التنفيذ في 13 كانون الثاني/يناير 2016".
وتشكّل هذه الاتفاقية القاعدة القانونية التي تسبق توقيع على عقد بناء المحطة الذي تردد في وقت سابق أنه قد يتم التوقيع عليه في الربع الأول من العام الجاري.
أما المنطقة الصناعية التي من المقرر أن تنشئها روسيا في منطقة قناة السويس فإن تصريحات المسؤولين تتضارب بشأن تحديد موعد بدء إنشائها.
ففي الوقت الذي رجّح فيه وزير الطاقة طارق قابيل أن تبدأ أعمالها قبل نهاية العام الجاري 2016، توقع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس الصناعية أحمد درويش أن تبدأ إنتاجها خلال العامين المقبلين. ع
وقال درويش لوكالة نوفوستي الروسية "نحن نشكر روسيا على إطلاق هذه المبادرة، التي تعبّر عن اهتمامها بتطوير مليوني متر مربع من مساحة المنطقة الصناعية في قسم مدينة بورسعيد، ونحن نتوقع أن يكون الميناء جاهزًا خلال عامين، عام لإنشاء المرسى، وعام لإتمام تجهيزه، ونحن نأمل في أنه خلال هذه الفترة ستكون لدى الجانب الروسي إمكانية جيدة لتجهيز المنطقة لإنشاء المصانع وبدء الإنتاج".
إلا أن قابيل اعتبر في مقابلة مع الوكالة نفسها أن "العمل سيبدأ فور توصلنا إلى اتفاقية بشأن المشاريع التي ستعرض هناك. برأيي، هذا [بداية عمل المنطقة الصناعية الروسية]، يمكن أن يكون في العام 2016".
وعلى الرغم من الاتفاق على إنشاء هذه المنطقة الصناعية أثناء زيارة بوتين إلى القاهرة إلا أن التوقيع على مذكرة الإنشاء هذا الشهر.
وأعلنت وزارة التجارة والصناعة المصرية بنهاية الشهر الماضي أنه "من المقرر الأسبوع المقبل توقيع مذكرة إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة خليج السويس، وكذا التوقيع على اتفاق بين الصندوق الروسى للاستثمارات المباشرة وعدد من البنوك المصرية لتوفير الآليات التمويلية اللازمة لإنشاء مشروعات استثمارية بين رجال القطاع الخاص بالبلدين، هذا فضلاً عن التوقيع على بروتوكول تعاون فى ختام أعمال اللجنة المشتركة".
وبمقتضى ما جرى توقيعه فإن روسيا ستحصل على مليوني متر مربع لتقيم عليها صناعات بعينها تستهدفها مصر، مثل صناعة الجرارات، وصناعة الأدوية، وصناعات أخرى، من ضمنها الصناعات الثقيلة في مرحلة لاحقة.