يتحرك هادي في دائرة، بين الامتثال لتقاليد المجتمع الذي ما زالت فيه الأم تحرك مصائر أبنائها، كعرائس الماريونت، أو الانسلاخ والبحث عن أرضٍ جديدة لم يطأها من قبل وتَعِده بمتعة كبيرة.
في فيلمه الروائي الأول"نحبك هادي" يسرد المخرج والكاتب التونسي محمد بن عطية ثنائية معتادة؛ ثنائية الحب والثورة، تحديدًا ثورة تونس والثورات الصغيرة الشخصية، وبالفيلم كان كلا منهما نتيجة للآخر.
يدور الفيلم، الذي يُعرَض حاليًا في سينما زاوية، حول هادي (مجد مستورة)، وهو شاب تونسي، ساكن كاسمه، من أسرة تقليدية من الطبقة الوسطى من مدينة القيروان. يعمل مندوبًا للمبيعات بشركة سيارات. تدور أحداث الفيلم بعد ثورة تونس والإطاحة بزين العابدين بن علي في2011، بعدما تدهورت الحالة الاقتصادية وتراجعت أحوال السياحة. يسير الفيلم في نصفه الأول برتابة شبيهة بحياة هادي. يسير أو يتورط في مشروع زواج من خديجة (أمنية بن غالي)؛ فتاة تقليدية بلا طموح سوى الزواج والإنجاب، لا يعرفها تقريبًا، تتولى أمه (صباح بوزويتة)، إدارة حياته، ولا يكترث بكل ذلك.
يعمل هادي بوظيفة لا يرغبها، لا أحد يرغب عادةً أن يعمل مندوبًا للمبيعات، يجوب الشوارع ليل نهار بالسيارة، في طريقٍ مستكين، ليوزع الإعلانات الدعائية علي أصحاب الشركات الذين لا يعيرونه اهتمامًا، أو يتندرون عليه، مَخرَجه الوحيد من هذه الحياة المملة كان الرسم، كهواية سريّة.
تشتعل شرارة الثورة الداخلية فجأة وتتسارع وتيرة الأحداث، عندما يحب هادي فتاة أخري هي ريم (ريم بن مسعود)؛ فتاة جميلة ومنطلقة، تعمل راقصة بفندق سياحي في مدينة المهدية. انجذب إليها هادي برغبة لا تقاوم، تحول الشاب الصامت، فاتر الحماس، لشخص آخر بسبب الفتاة مجعدة الشعر، تمرد علي قطبيّ السُلطة في حياته، سلطة الأم وسلطة العمل.
نفّذ بن عطية الفيلم بكادرات غير معقدة، وديكورات بسيطة كبسَاطة قصة الفيلم، بين منزل هادي ومنزل خطيبته والفندق الذي تعمل به ريم الخالي تقريبًا من السياح. كثير من اللقطات المقربة للمصور البلجيكي "فريدريك نوروم" على وجه هادي الطفولي الذي يدور الفيلم كله في فلكه، وكثير من اللقطات الخلفية over the shoulder له، لنري حياته بعينيه.
مرّت ثورة تونس (14 يناير) بصورة شبحية في الفيلم، لم يبق منها سوي الإحباط والبطالة وأحلام الهجرة، لكن فعليًّا الثورة أو توابعها هي المحرك الرئيسي لكل أحداث الفيلم، فربما لو كان مصير ثورة تونس مختلفًا لاختلف بالتبعية مصير هادي.
ذُكرت الثورة بصورة مباشرة في مشهد وحيد، كان مجد يتعجب من أجواء الثورة، كيف كانوا مسالمين، ودودِين مدة الثورة، كأنهم وقعوا في حب بعضهم في لحظة التخلص من الديكتاتور.
اختُزلَت الثورة في قصة حب مجد وريم، بدءًا من التحولات الجذريّة للشخصية الخاضعة في لحظة فارقة، تجريب العيش بلا سُلطة لأول مرة، حماس، أحلام في الأفق، حرية، خطة غير واضحة، خطوات غير محسوبة، ثم لا شيء سوي الإحباط، كانت مجرد انتعاشة لجسدٍ مهزوم، حرّكت الركود لثوانِ ثم اختفت للأبد، قصة الحب كقصة الثورة كلاهما له وجه مظلم وكابوسي كأنه ثمن وعقاب للانتشاء الذي حدث في البداية.
يتحرك هادي في دائرة، بين الامتثال لتقاليد المجتمع الذي مازالت فيه الأم تحرك مصائر أبنائها، كعرائس الماريونت، أو الانسلاخ والبحث عن أرضٍ جديدة لم يطأها من قبل وتَعِده بمتعة كبيرة.
رغم الخصوصية التونسية في قصة هادي، لكنها يمكن أيضًا أن تحدث في أي مكان؛ الهرب من جحيم تسلط الأسرة والعمل الرديء، بسبب إغواء وجلال الثورة.
ربما لم تنجح ثورة هادي، ككل الثورات، لعدم قدرته علي تسديد ثمنها الباهظ، أو لأن مقابل سِحر الثورة، هناك أيضا ميزة للسأم الآمن والاختيارات الآمنة، المجرّبة سابقًا، هي لا تعِد بأحلام كبيرة، فقط توفر حياة رتيبة غير درامية، ولكنها أيضا لن تثمر عن خيبات أمل بحجم الطموحات الكبيرة السابقة، رغم قتامة الصورة يظل هناك أثر للثورة على هادي، ولو بشكل سلبي، أي حقه في تقرير مصيره.
مخرج الفيلم محمد بن عطية (40 عامًا) هو واحد من الذين اشتركوا واشتبكوا مع الثورة التونسية، عمل سابقًا مندوبًا للمبيعات مثل هادي بالفيلم، درس الإعلام في فرنسا، ونفّذ عدة أفلام قصيرة منها "سلمى"و"موجة" وحاز عنهما على جوائز عربية وأفريقية، وبجانب عمله بالسينما فهو يمتلك مطعمًا، ويحضّر الأطباق بنفسه لحبه للطهو.
الفيلم إنتاج مشترك تونسي (المنتجة درة أبو شوشة)/بلجيكي، شارك في الإنتاج الأخوان داردان، وأشرفا على المونتاج، وعلى حد قول المخرج كان لهما بعض الملاحظات وليس التوجيهات، ربما لذلك يحمل الفيلم ملامح داردانية، تم تصوير الفيلم في 6 أسابيع، ولاقى نجاحًا عالميًا، فقد شارك في المسابقة الرسمية بمهرجان برلين في دورته الـ66 بعد انقطاع عشرين عامًا للأفلام التونسية كان آخرها "صيف في حلق الوادي" للمخرج فريد بو غدير، وحصل مخرج الفيلم محمد بن عطية على جائزة الدب الذهبي لأول عمل إخراجي، وحصل مجد مستورة بطل الفيلم على جائزة أحسن ممثل، وأهدى الجائزة لشهداء الثورة التونسية وقال: "لولاها لما سنحت لهم الفرصة لصناعة الفيلم".