أثار قرار محافظ القاهرة بتحويل الحديقة الملاصقة لجراج روكسي لمحال تجارية وإدارية، ردود فعل واسعة من منظمات المجتمع المدني، وسكان منطقة مصر الجديدة، الذين اعتبروه فصلًا جديدًا من فصول التناقض الحكومي في ظل تبني الدولة لمبادرات بيئية متنوعة كـ"اتحضر للأخضر"، وتوصيات مؤتمر المناخ.
وتنوعت ردود الأفعال ما بين مناشدات ساقتها النائبة البرلمانية عن محافظة القاهرة سميرة الجزار لرئيس الجمهورية لمحاولة إنقاذ الحديقة، عوضًا عن عزم عدد من السكان مقاضاة محافظة القاهرة لوقف تنفيذ القرار، بحسب ما أفادت منسقة مبادرة تراث مصر الجديدة هالة الأسمر للمنصة.
وفي أول رد فعل رسمي على القرار، أعلن النائب البرلماني عن دائرة مصر الجديدة طارق شكري، أن المكان الوارد في القرار لم يعد حديقة منذ عام 2011، مضيفًا في تصريحات للإعلامي عمرو أديب أن تحويله لمحال تجارية جاء لتحقيق نوع من التوزان المالي للمستثمر المنتفع بالجراج الملاصق له.
وتلى ذلك بيان أصدرته محافظة القاهرة اليوم، قالت فيه إن "أعمال إنشاء جراج روكسي لا تتضمن إزالة أية حدائق أو أشجار"، مؤكدة أن ما يتم بالجراج هو استئناف لأعمال إنشاء المرحلة الثانية للمشروع بسعة 1700 سيارة.
وفي الوقت الذي أبدت فيه الجزار دهشتها من إنكار زميلها النائب وجود الحديقة، قالت الأسمر تعليقًا على تصريحات شكري "عيب تطلع من نائب برلماني"، معتبرة في الوقت نفسه بيان محافظة القاهرة "تدليسًا للوقائع".
وفي 21 يوليو 2019 افتتح الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، جراج روكسي، المكون من 4 طوابق تحت سطح الأرض بمساحة إجمالية 10 آلاف متر مربع ويتسع لـ1700 سيارة.
تبوير متعمد
ولا تعد أزمة تحويل تلك الحديقة لمول تجاري وليدة الأمس، بحسب الأسمر، التي أكدت أنها أثيرت قبل ما يزيد عن عامين على خلفية إقدام المحافظة على تبويرها بشكل متعمد، وحفرها لضمها لمشروع الجراج، غير أن اعتراضات الأهالي من ناحية وجهاز التنسيق الحضاري من ناحية أخرى عطّلت المشروع، وكان من المنتظر وفقًا لما هو معلن إعادتها لما كانت عليه.
ولقي مشروع الجراج قبل تنفيذه اعتراضات كبيرة من قبل سكان منطقة مصر الجديدة، والذين أبدوا مخاوفهم من آثار السلبية، ووقتها دعت رئاسة حى مصر الجديدة، الأهالي لجلسة حوار مجتمعي بدار مناسبات الميريلاند التابعة لحي مصر الجديدة، لبحث المشكلة.
وكان مسؤولو محافظة القاهرة أكدوا للسكان في عام 2021 أن فكرة تحويل الحديقة لمحال تجارية تم التراجع عنها، بحسب الأسمر، مشيرة إلى تقاعسهم عن إعادة الحديقة لأصلها على مدى عامين، وسط شك من السكان، حتى فوجئوا بقرار المحافظة الذي صدر في غفلة من الزمن أمس.
وإلى ذلك انتقدت النائبة سميرة الجزار، تجاهل المسؤولين في محافظة القاهرة لاستفسارتها بشأن الحديقة، وقالت للمنصة "بيحولوني لبعض وبتوع المحافظة بيقولي القصة عند هيئة النظافة والتجميل".
ترضية المستثمر
"فكرة إنشاء الجراج من الأساس كانت فكرة فاشلة، ولا تتناسب مع طبيعة الميدان، وتم تنفيذها دون دراسات الجدوى اللازمة، والمحافظة نفذتها وبتحاول دلوقتي بعد فشلها تعويض المستثمر ومحاولة ترضيته بالحديقة على حساب المنطقة والأهالي"، بحسب الأسمر.
واتفقت الجزار مع أن تحويل الحديقة لمول تجاري يستهدف تعويض المستثمر المنتفع بالجراج عن الخسائر التي لحقت به، منذ افتتاحه في 2019.
وعلقت الأسمر أن المحافظة تحاول تسويق فكرة تحويل الحديقة لمول تجاري تحت ستار تحقيق التوزان المالي، للعقد الذي ربطها بالمستثمر المنتفع بالجراج، وذلك بعد "تحقيق المشروع لخسائر فادحة"، مشيرة إلى أن "فكرة تحقيق التوازن المالي لا تنطبق على هذا الأمر، لأنها ترتبط في الأساس بتعويض المقاولين عن غلاء أسعار الخامات، أو خسائر ناجمة عن الظروف الاقتصادية المرتبطة بتعويم العملة وغيرها".
وأشارت إلى أن المحافظة حاولت تسويق الجراج عبر ترغيب السكان تارة بإتاحة عروض مخفضة لهم، وترهيبهم تارة أخرى لإجبارهم على ركن سياراتهم فيه، إلا أنها لم تنجح في ذلك بسبب المبالغة في رسومه.
وتبلغ رسوم الانتظار الجراج نحو 15 جنيهًا في الساعة، كما يمكن الاشتراك به بقيمة 2000 جنيه شهريًا.
من هو المستثمر؟
وقال مصدر قانوني مطلع على تفاصيل الأزمة للمنصة إن الشركة المنتفعة بجراج روكسي، وهي الشركة الكويتية، وهي مملوكة لرجلي الأعمال محمود فراج وتامر وجيه، الذين سبق لهما العمل كمنسقين في الحملة الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة عام 2018.
وأوضح المصدر، أن فراج كان المكلف من قبل الحملة وقتها بمسألة جمع توكيلات تأييد الرئيس السيسي في الترشح، "إلا أنه بسبب ممارسات معينة لها علاقة بمصالحه الشخصية اتغضب عليه وتم استبعاده من الحملة".
وتابع المصدر، الذي يقيم بالمنطقة، "فراج منذ استبعاده من الحملة وهو يحاول العودة عن طريق أنشطة مختلفة، منها دعم النواب اللي هما بيدافعوا عنه دول، وفعليًا هو اللي أدار الحملتين الانتخابيتين للنائبين مصطفى السلاب وطارق شكري".
وبحسب المصدر نفسه فشل مشروع الجراج لم يحدث بسبب قلة التعامل معه من المترددين على المنطقة فحسب، بل لأسباب تقنية أخرى مرتبطة بالسيستم الخاص به، "كنت بتيجي تدخل رقم عربيتك على السيستم بيطلعلك تكلفة الركنة لعربية تانية".
وشهدت ضاحية مصر الجديدة خلال السنوات الأخيرة، العديد من وقائع التعدي على الحدائق والأشجار، والتي كانت محل تنديد من قبل السكان، وفي مقدمتها أزمة قطع بعض الأشجار من حديقة الميريلاند، ومشتل مصر الجديدة ومشروع إنشاء كوبري البازيليك، الذي نجح الضغط الشعبي في وقفه.