منشور
الخميس 4 مايو 2023
- آخر تحديث
الخميس 4 مايو 2023
في قاعة ازدحمت بشخصيات من مختلف أطياف المجتمع المصري سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا، انطلقت، أمس الأربعاء، جلسات الحوار الوطني التي طال انتظارها، منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإجرائه في 26 أبريل/نيسان من العام الماضي. ولم يخف الحضور امتعاضهم من طول فترة التحضير للحوار، حتى أن بعضهم أبدى مخاوفه من أن تطول جلسات المناقشات الفعلية، لا سيما وأنه لم يتم تحديد جدول زمني بشأنها.
وصل الحديث عن تأخير انطلاق الحوار الوطني إلى منصته الرئيسية، وشغل جزء من الكلمات الافتتاحية، ليكرر ضياء رشوان، المنسق العام للحوار، ما سبق وأن قاله أكثر من مرة، عن أهمية التحضير الجيد حتى يخرج الحوار بالنتائج المرجوة.
وقال رشوان في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، إن "الحوار استغرق عامًا، لكنه لم يضع سُدى. جزء من الحوار هو الحوار في ذاته... كانت هناك جسور متقطعة، وأبواب مغلقة، وقنوات مسدودة، وكان لا بد من إعادة بناء جسور الثقة. وتم ذلك عبر مئات الجلسات غير المعلنة، فضلًا عن 23 جلسة لمجلس الأمناء".
لم يقدم رشوان جدولا زمنيًا يحدد متى ينتهي الحوار، مكتفيًا بقوله إنه "لن يستغرق سنوات، بل قد تمتد المناقشات لأسابيع أو شهور". وطالب المصريين بأن يشاركوا في الحوار، ويراقبوا مجرياته، والأهم أن يصبروا حتى ينتهي المتحاورون من وضع خارطة طريق للمستقبل.
ومنذ إطلاق دعوة الحوار، تم تشكيل مجلس أمنائه، الذي بدأ أول اجتماعاته في 5 يوليو/تموز الماضي، وعقد 23 اجتماعًا تحضيريًا، واستقر على مناقشة 113 قضية من بين عشرات الآلاف من القضايا التي عرضت عليه في جميع المجالات.
وقارن رشوان بين الحوار الوطني الحالي، والحوارات السابقة التي شهدتها مصر منذ عام 1952، "هذه هي المرة الأولى التي ينطلق فيها حوار وطني دون أهداف مسبقة، تاركًا تحديدها للمصريين". وأشار إلى مشاركة جميع القوى السياسية، وأن جميع القضايا مطروحة دون خطوط حمراء، لكنه عاد ولفت إلى أن مجلس الأمناء اتفق على استبعاد 3 قضايا وهي الدستور، والأمن القومي الاستراتيجي، والسياسة الخارجية.
وكان جمال عبد الناصر دعا إلى مؤتمر وطني للقوى الشعبية عام 1962، كما دعا أنور السادات عام 1974 إلى حوار حول "ورقة أكتوبر" التي تحدد مستقبل مصر حتى سنة 2000، ثم دعا حسني مبارك إلى حوار حول الأهداف الاقتصادية عام 1982، وحول مشكلة الدعم عام 1986، وحول قضايا الإصلاح السياسي عام 1988، وحول الانتخابات الرئاسية عام 2005.
وكانت نسخة الحوار التي دعى لها مبارك عام 1994 هي الأقرب لما يجري حاليًا حيث استهدفت تحديد أولويات العمل الوطني، واستبعدت "الإرهابيين ودعاة العنف".
وتعهد السيسي، في كلمة مسجلة أذيعت في الجلسة الافتتاحية، بدعم الحوار الوطني، وتهيئة المناخ لإنجاحه، والمشاركة في مراحله النهائية. وقال إن الحوار يستهدف رسم خارطة طريق للمستقبل في الجمهورية الجديدة، مشيرا إلى أن "دعوته للحوار تأتي من يقين راسخ لديه، بأن الأمة المصرية، تمتلك من القدرات والإمكانيات، التى تتيح لها البدائل المتعددة، لإيجاد مسارات للتقدم فى كافة المجالات".
وخلال فترة الإعداد للحوار الوطني اشترطت الحركة المدنية الإفراج عن المعتقلين السياسيين للمشاركة فيه. وقبل أيام ومع اقتراب موعد انطلاق الحوار، أعلنت عن مشاركتها دون التخلي عن مطالبها بالإفراج عن المحبوسين.
وجدد طلعت خليل، عضو المجلس الرئاسي بحزب المحافظين، المطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين على ذمة قضايا سياسية. ودعا خليل إلى وضع قواسم مشتركة للتداول السلمي للسلطة، والفصل الكامل بين السلطات، وقال إن "الاعتراف بالوظيفة الدستورية للأحزاب القائمة على التعددية هو بداية الإصلاح".
بينما قال فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، "أنا جاي على نفسي عشان أشارك في الحوار، رغم عدم توفير ضمانات، وعدم تلبية المطالب، لكن عشان ما حدش يقول في يوم من الأيام أن الباب كان مفتوحا ولم أشارك".
وبحسب رشوان، فإن هناك اتفاق من جميع المشاركين في الحوار على ضرورة تعديل قوانين الحبس الاحتياطي، حتى أنه تم تقديم مقترحات في هذا الصدد.
من جهته دعا عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، والمرشح الرئاسي السابق، إلى إنهاء ملف الحبس الاحتياطي، وقال "آن الأوان للتعامل المباشر والفوري مع هذا الملف وإغلاقه فورا".
كما دعا إلى عرض نتائج الحوار على المصريين ومصارحتهم بوضع مصر الصعب، وقال إن "المصريين يشعرون بالقلق على السياسات والتوجهات الحالية لمصر ويخافون على مصير البلاد، وهل تكون مصر أو لا تكون"، مستعرضًا مجموعة من التساؤلات التي تدور بين المواطنين حول فقه الأولويات في المشروعات، ومبادىء الشفافية، وحالة الديون، وإنفاقها وطرق سدادها، وأسباب تراجع الاستثمار والحريات. وهي تساؤلات أكد موسى ضرورة الإجابة عنها بشفافية وصراحة.
وتتعرض المشروعات القومية في مصر لانتقادات، فيما يتعلق بأولويات الإنفاق في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، وتراجع سعر الجنيه.
وركز الدكتور حسام بدراوي، مستشار الحوار الوطني لرؤية مصر 2030، على الدستور كأساس للحوار، متحدثًا عن أساسيات الدولة المدنية الحديثة، ودور القوات المسلحة في الحفاظ على البلاد. وقال إن "مصر تحتاج إلى نظام حكم قوي، لكن مع تداول سلمي للسلطة"، مشيرًا إلى أن النظام الرئاسي هو "الأنسب" لمصر. وأضاف "لا بد من إيجاد صيغة جديدة تحترم توازن القوى، ولكن لا تهدر قواعد الدولة المدنية الحديثة".
وكان السيسي دعا إلى إجراء حوار وطني شامل حول مختلف القضايا، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان من العام الماضي، بالتزامن مع إعادة تفعيل "لجنة العفو الرئاسي"، التي أفرجت حتى الآن عن 1400 من المحبوسين احتياطيًا، بحسب رشوان.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهي الانتخابات الأخيرة التي يمكن للرئيس السيسي أن يخوضها في ظل الدستور الحالي، الذي يسمح للرئيس بالبقاء في منصبه مدتين متتاليتين فقط.