تسارعت وتيرة الأحداث في الخليج خلال الساعات الماضية، بتنفيذ عملية عسكرية وُصفت بـ"المحدودة"، أعقبتها بيانات متبادلة بين الحليفين الأكبر في المنطقة السعودية والإمارات، وفيما توقع مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن لـ المنصة تدخل دول عربية لاحتواء الموقف ومنع تفاقم الأحداث، قال مصدر أكاديمي مقرب من دوائر صنع القرار في مصر لـ المنصة إن الموقف شديد الحساسية بالنسبة للقاهرة.
عملية محدودة وحرب بيانات
فجر اليوم الثلاثاء، أعلن تحالف "دعم الشرعية" في اليمن عن تنفيذ "عملية عسكرية محدودة" بميناء المكلا، مستهدفًا أسلحة وعربات قتالية أُفرغت من السفينتين.
وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف اللواء الركن تركي المالكي، في بيان، نقلته وكالة الأنباء السعودية، إنه "في يومي السبت والأحد تم دخول سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا دون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف، حيث قام طاقم السفينتين بتعطيل أنظمة التتبع الخاصة بالسفينتين وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظات الشرقية لليمن حضرموت والمهرة بهدف تأجيج الصراع؛ مما يعد مخالفة صريحة لفرض التهدئة والوصول لحلٍ سلمي، وكذلك انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015".
وأضاف أن قوات التحالف "نفذت عملية عسكرية محدودة"، استنادًا لطلب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني لقوات التحالف و"لما تشكله هذه الأسلحة من خطورة وتصعيد يهدد الأمن والاستقرار".
أعقب هذا التصريح بيان من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أعلن فيه إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، وطلب العليمي، القريب من السعودية، مغادرة كافة القوات الإماراتية ومنسوبيها من كل الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة.
وردًا على ذلك، أصدر أربعة أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي اليمني، بيانًا مشتركًا، عارضوا فيه قرار رئيس المجلس رشاد العليمي بشأن إخراج الإمارات، وأكد الأعضاء، المقربين من الإمارات، أنه "لا يملك أي فرد أو جهة داخل مجلس القيادة، أو خارجه، صلاحية إخراج أي دولة من دول التحالف".
ثم جاء بيان الخارجية السعودية، أعربت فيه عن أسفها لما قامت به الإمارات "من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة، والتي تعد تهديدًا للأمن الوطني للمملكة، والأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية والمنطقة".
ووصفت تحركات الإمارات بأنها "بالغة الخطورة، ولا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا تخدم جهوده في تحقيق أمن اليمن واستقراره".
وشددت السعودية على أهمية استجابة الإمارات لطلب اليمن بالخروج من أراضيها خلال 24 ساعة، وإيقاف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف كان داخل اليمن.
في المقابل، نفت الإمارات الاتهامات الموجهة لها معتبرة أن بيان السعودية "تضمن من مغالطات جوهرية"، وأنها ترفض "أي أعمال من شأنها تهديد أمن المملكة أو أمن الإقليم".
وأكدت الإمارات في بيان لوزارة خارجيتها أنها تعمل دائما على "احتواء الموقف، ودعم مسارات التهدئة".
وأشارت إلى أن السفينتين المستهدفتين لم يحملا أي أسلحة، و"أنّ العربات التي تم إنزالها لم تكن مُخصصة لأي طرف يمني، بل تم شحنها لاستخدامها من قبل القوات الإماراتية العاملة في اليمن".
وقالت إن "الادعاءات المتداولة بهذا الشأن لا تعكس حقيقة طبيعة الشحنة أو الغرض منها"، مضيفة أن هناك تنسيق عالي المستوى بشأن هذه العربات بين الإمارات والسعودية، و"اتفاق على أن المركبات لن تخرج من الميناء، إلا أن الإمارات تفاجأت باستهدافها في ميناء المكلا".
وأعلنت الإمارات في بيان لاحق إنهاء ما تبقى من فرق مكافحة الإرهاب في اليمن "بمحض إرادتها بما يضمن سلامة عناصرها وبالتنسيق مع الشركاء المعنيين" مؤكدة أن هذا الإجراء يأتي في إطار تقييم شامل لمتطلبات المرحلة وبما ينسجم مع التزاماتها بدعم أمن واستقرار المنطقة.
وكانت الإمارات سبق وأعلنت إنهاء وجودها العسكري في اليمن عام 2019 بعد استكمال مهامها. فيما اقتصر ما تبقى من تواجد على فرق مختصة ضمن جهود مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع الشركاء الدوليين المعنيين.
مواجهة عسكرية بين الحليفين
مع هذه البيانات المتبادلة بين أطراف الأزمة، لم يستبعد خبير الأمن الإقليمي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبد الواحد أن يتحول الصراع الدائر في محافظة حضرموت اليمني إلى "مواجهة عسكرية مباشرة" بين السعودية والإمارات، خاصة في ظل ما وصفه بـ"تنافس إقليمي للسيطرة على المناطق الغنية بالنفط والمنافذ البحرية الحيوية".
وأوضح عبد الواحد لـ المنصة أن الأزمة التي بدأت بتصعيد من قوات "النخبة الحضرمية" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، والتي سيطرت على مدينة المُكلّا ومنشآت النفط في مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، مارست أمامها السعودية "صبرًا استراتيجيًا" ووجهت إنذارات متكررة لانسحاب هذه القوات، إلا أن رفض النخبة في 27 ديسمبر/كانون الأول دفع الرياض لشن ضربات جوية "جريئة" استهدفت شحنات أسلحة ومعدات قادمة من الإمارات بالميناء، كرسالة قوية بأن "مفيش أي حاجة هتدخل اليمن إلا بتصديق من التحالف".
واعتبر الخبير الاستراتيجي أن السعودية تدافع بتلك الضربات عن مصالحها التاريخية تنتج حقول المسيلة بحضرموت 90 ألف برميل نفط يوميًا، ويمثل ميناء المكلا شريانًا حيويًا لتصدير النفط السعودي عبر بحر العرب، لافتًا إلى أن سيطرة حلفاء الإمارات عليهما تعني "فقدان الرياض لنفوذها في الجنوب لصالح أجندة الانفصال".
وقبل ساعات من الضربة السعودية، شهدت مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت مليونية تحت شعار "القرار قرارنا"، صدر عنها بيان، أشار إلى العملية العسكرية التي نفذتها القوات العسكرية الجنوبية والتي مكنتها من بسط سيطرتها الكاملة على الوادي والصحراء، إلى جانب استكمال القوات الجنوبية سيطرتها على محافظة المهرة، في إطار تثبيت السيادة الجنوبية على كامل جغرافيا الجنوب العربي، واصفة تواجد القوات اليمنية في هذه المنطقة بـ"الاحتلال"، وتأييدها الكامل لتحرير وادي وصحراء حضرموت، وأكد البيان على الإسراع في إعلان دولة الجنوب.
مستقبل الأزمة
من جانبه توقع مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، في تصريح لـ المنصة، تدخل دول مثل سلطنة عٌمان والكويت كوسطاء لمنع تفاقم الأزمة.
وأشار إلى أن التطورات الأخيرة تكشف عن "تحول صريح وواضح في دور الإمارات بأنها تشجع الانفصال"، معتبرًا ذلك الموقف خروجًا عن الهدف الأصلي للتحالف الذي كان قائمًا على دعم الحكومة الشرعية للتوصل لاتفاق سلام يحافظ على وحدة اليمن.
ولفت رخا إلى أن التوجه الإماراتي الواضح بدعم حركات الجنوب الانفصالية هو ما "دفع السعودية إنها تتدخل لمنع تقسيم الدولة"، محذرًا من التداعيات الاستراتيجية لهذا الخلاف على وحدة الخليج، وأنه قد يؤدي إلى أنقسام دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار رخا إلى أن السياسة الخارجية للإمارات باتت تعتمد مبدأ "خطير"، بوضعها مصالحها بغض النظر عن أي شيء كـ"أولوية قصوى"، وهو ما جعل مواقفها في اليمن والسودان وإثيوبيا تبدو وكأنها "تغرد خارج السرب العربي"، وهو ما يتفق معه عبد الواحد مشيرًا إلى أن الإمارات تتبنى "دبلوماسية البراجماتية الوطنية" بعيدًا عن أي أيديولوجيات قومية أو عربية، موضحًا "كل واحد يفعل ما بداله، فكرة القومية العربية خلاص الموضوع ده انتهى تماماً، وكل واحد يشوف مصالحه".
وتابع أن الإمارات ترى مصالحها مع الولايات المتحدة وإسرائيل "أكثر مما تستفيد من مصالحها مع العرب"، وهو ما يفسر موقفها من التطبيع وعدم إدانة الاعتراف الإسرائيلي بصوماليلاند على سبيل المثال.
كما لم يستبعد عبد الواحد أن تحركات الإمارات في المنطقة مستندة إلى"ضوء أخضر أمريكي" لإدارة الصراع، موضحًا أنها تعرض بتلك السياسات سمعتها للمخاطر وتخصم من رصيدها لدى الشعوب.
مصر مع من؟
يشير المصدر الأكاديمي المقرب من دوائر صنع القرار في مصر، في حديثه مع المنصة عن ضبابية المشهد حتى الآن، إلى الموقف شديد الحساسية بالنسبة للقاهرة كونها تحرص دائمًا على علاقة على الأقل "جيدة" مع السعودية والإمارات بينما في مثل هذه الأزمات عليها اتخاذ موقف ربما يغصب أي من طرفي الصراع.
ومن جانبه يرى السفير رخا أن موقف القاهرة في مثل هذه القضايا ثابت وقائم على خفض التوترات والتصعيد بين الدول، وأن "سياسة مصر هي المحافظة على وحدة وسلامة أراضي كل دولة"، وأنها تدعم الشرعية ووحدة الأراضي اليمنية بشكل كامل، بما يتسق مع مواقفها الأخيرة المعلنة في كل القضايا الشبيهة.
بينما توقع عبد الواحد أن تلعب القاهرة دور الوساطة للحفاظ على ما تبقى من التماسك العربي في منطقة "شديدة الهشاشة"، لكنه أقر بصعوبة المهمة في ظل "خلافات عربية عميقة" في كل الملفات تقريبًا، من سوريا إلى ليبيا وحتى غزة، حيث تتبنى بعض الأنظمة الموقف الإسرائيلي ضد حماس باعتبارها "تهديدًا" لها.
ولم تنشر القاهرة أي بيان حول العملية العسكرية بميناء المكلا.