شهد قطاع غزة، منذ صباح الثلاثاء وحتى فجر الأربعاء، تصعيدًا عسكريًا واسعًا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أسفر عن مقتل أكثر من 115 فلسطينيًا، بينهم صحفيان قُتلا في قصفين منفصلين عقب انتهاء عملهما الميداني. وأفاد مصدر في الدفاع المدني لـ المنصة بأن عددًا من الضحايا ما زالت جثامينهم ملقاة في الشوارع أو عالقين تحت ركام المنازل.
وقُتل المصور الصحفي رسمي سالم، عصر الثلاثاء، بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع قرب منزله في منطقة أبو الأمين شمال مدينة غزة، وفق ما رواه زميله الصحفي محمد البلبيسي لـ المنصة، مشيرًا إلى أن سالم الذي يعمل ضمن طواقم شركة المنارة للإعلام أنهى جولة عمله الصباحية وعاد إلى منزله حيث أصيب مباشرة في القصف، ودُفن في عيادة الشيخ رضوان.
وبعد أقل من ساعتين، لقي زميله أيمن هنية، مهندس البث الخارجي في الشركة ذاتها، مصرعه في استهداف مشابه بشارع الصناعة جنوب المدينة أثناء عودته إلى منزله بعد مشاركته في دفن سالم، ما أدى أيضًا إلى مقتل مواطن آخر وإصابة 11 شخصًا.
ونعى المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الصحفيين، مؤكّدًا أن عدد الضحايا الصحفيين ارتفع إلى 249 منذ بدء الحرب، داعيًا المنظمات الدولية لمحاسبة الاحتلال على الجرائم الممنهجة ضد الإعلاميين.
وأمس الأول، أعلنت أكثر من 250 وسيلة إعلامية منها المنصة، من 50 دولة عن تعطيل صفحاتها الأولى ومواقعها الإلكترونية وبثها المباشر لمدة 24 ساعة للمطالبة بوقف قتل الصحفيين في غزة والدعوة إلى السماح للصحافة الدولية بالوصول إلى القطاع، واعتبرت ذلك "احتجاجًا عالميًا غير مسبوق".
على صعيد آخر، تواصلت الغارات الإسرائيلية لليوم الثاني على حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، حيث ألقى الجيش قنابل حارقة تسببت في اشتعال بسطات تجارية مغلقة وسيارات إسعاف قرب عيادة الشيخ رضوان، حسبما قال فارس عفانة مسؤول الإسعاف في وزارة الصحة لـ المنصة، مشيرًا إلى أن قصفًا مباشرًا أخرج سيارتي إسعاف عن الخدمة.
وأفاد شاهدا عيان لـ المنصة بأن الطائرات المسيرة ألقت أكثر من عشر قنابل حارقة فجّرت حرائق في سيارات مدنية وخيام يستخدمها الباعة في الشوارع، بينما واجهت طواقم الدفاع المدني صعوبات في إخماد النيران وسط نقص حاد في المعدات بعد تدمير معظم سيارات الإطفاء خلال الحرب وتحت تهديد المُسيرات التي حلّقت على علو منخفض.
إلى جانب ذلك، نفذت القوات الإسرائيلية قصفًا مدفعيًا وجويًا على أحياء الصبرة والصفطاوي ومخيم جباليا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 60 شخصًا وإصابة العشرات، حسبما أفاد مصدر في وزارة الصحة لـ المنصة، فيما أكد مصدر بالدفاع المدني عدم قدرة فرق الإنقاذ على الوصول إلى بعض مناطق القصف جنوبي حي الصبرة بسبب كثافة النيران وتحليق الطائرات على ارتفاعات منخفضة.
ووصف مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية الوضع الصحي بأنه الأسوأ منذ بدء الحرب، مشيرًا عبر بوست على فيسبوك إلى أن إشغال الأسرّة في المستشفيات تجاوز 300%، فيما تعاني المرافق الطبية من عجز يصل إلى 60% في الأدوية الأساسية، بما فيها أدوية التخدير والعمليات والمضادات الحيوية وأدوية السرطان والأمراض المزمنة.
كما حذّر من انتشار أمراض نفسية وجلدية داخل مخيمات النزوح، وارتفاع حالات متلازمة "غيلان باريه" بسبب سوء التغذية وانعدام المياه الصالحة للشرب وتكدس النازحين.
في الأثناء، استقبلت مستشفيات وسط وجنوب القطاع أكثر من 60 جثمانًا وعشرات الجرحى جراء القصف الذي استهدف مخيم النصيرات ومدينتي دير البلح وخانيونس، كما أفاد مصدر طبي لـ المنصة، بمقتل نحو 30 من طالبي المساعدات الإنسانية خلال تجمعهم قرب مراكز التوزيع الأمريكية.
وفي 18 مارس/آذار الماضي، رفضت إسرائيل استكمال المرحلة الثانية من هدنة أقرتها في يناير/كانون الثاني الماضي، كان من المقرر أن تمتد إلى نهاية العدوان على غزة، واستأنفت حربها في القطاع التي بدأتها منذ السابع من أكتوبر 2023.
وفي 8 أغسطس/آب الماضي أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية/الكابينت خطةً اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "للسيطرة العسكرية الكاملة" على مدينة غزة، مع رفع جاهزية القوات واستدعاء وحدات احتياط وتنفيذ تدريبات استعدادًا للعمليات المقبلة.
وهي الخطة التي لاقت انتقادات دولية، إذ حذر عدد من القادة والمسؤولين الأوروبيين من العواقب الكارثية للعملية العسكرية الإسرائيلية المزمعة لاحتلال مدينة غزة، وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الهجوم الإسرائيلي المرتقب، مع استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط "لن يؤدي سوى إلى كارثة فعلية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي".