ثمّن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية القرارات الصادرة عن عدة محافظات لحظر عمل عمال النظافة في الشوارع خلال فترات الظهيرة وذروة ارتفاع درجات الحرارة، معتبرًا إياها "خطوة في الاتجاه الصحيح" واستجابةً مباشرةً لتحذيراته بشأن خطورة الإجهاد الحراري على أرواح الطبقة العاملة.
ولجأت عدد من المحافظات، منها الجيزة وبورسعيد وأسوان، إلى إصدار قرارات بحظر خروج عمال النظافة للعمل الميداني بالشوارع وقت الظهيرة وارتفاع درجات الحرارة، وذلك بعد وفاة العامل سعيد محمد عبد الحميد، 54 عامًا، الذي يعمل بقطاع تحسين البيئة بحي ثاني بمحافظة الشرقية خلال مهام النظافة في أحد شوارع المدينة، إثر إصابته بهبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف مفاجئ في عضلة القلب.
في السياق، جدد المركز المصري في بيان له اليوم دعوته لوزير العمل لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، وضمان التزام أصحاب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة، محذرًا من أن أي إصابة نتيجة التعرض للحرارة المرتفعة تعد "إصابة عمل" تستوجب التعويض من صاحب العمل، وقد تصل إلى "المساءلة الجنائية" في حالة الإهمال.
وأعاد المركز التأكيد على حزمة التدابير الطارئة التي يطالب بها لمواجهة موجات الحر، والتي تشمل تقليل ساعات العمل، وزيادة فترات الراحة في أماكن مظللة، وتوفير مياه باردة، وتعيين مراقبين لمتابعة الحالة الصحية للعمال.
وشدد المركز على أن هذه الإجراءات تمثل "الحد الأدنى" المطلوب لحماية ملايين العمال، داعيًا إلى إدراجها ضمن خطط الطوارئ الوطنية وتحديث التشريعات ذات الصلة، في مقدمتها القرار الوزاري رقم 211 لسنة 2003، ليتماشى مع الارتفاعات القياسية في درجات الحرارة. كما طالب بالإسراع في ميكنة الخدمات الحيوية لتجنيب الفئات الأكثر ضعفًا مخاطر الإجهاد البدني والنفسي.
وفي يونيو/حزيران 2024 حذرت ورقة صادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من مخاطر الإجهاد الحراري والتأثيرات الصحية المتعلقة بالعمل، في ظل موجات الارتفاع غير المسبوقة وقتها في درجات الحرارة التي تشهدها البلاد، في وقت يفتقر العاملون في كثير من القطاعات لمعايير السلامة المهنية.
وانتقدت الورقة آنذاك تجاهل الجهات المسؤولة اتخاذ القرارات الضرورية "للتعامل مع معدلات التغيير في درجات الحرارة، ما يعرض عشرات الملايين من العمال لأخطار تصل إلى حد الوفاة".
واستشهدت الورقة بالإجراءات الوقائية وتدابير الحماية، المتعلقة بالعمل، في درجات الحراراة العالية التي اتخذتها العديد من البلدان، حيث فرضت الصين وقف العمل في الهواء الطلق حال تجاوز الحرارة 40 درجة مئوية، بينما في قطر يتوقف العمل عندما تجاوز درجة 32.1 مئوية.
كما تنص القواعد المنظمة في تايلاند على إيقاف العمل منخفض الكثافة حال الوصول إلى 34 درجة مئوية، ومتوسط الكثافة حال الوصول إلى 32 درجة مئوية، وشديد الكثافة حال الوصول إلى 30 درجة.
ولا ينص قانون العمل الساري في مصر الآن على منح العاملين إجازة رسمية بسبب ارتفاع درجات الحرارة إطلاقًا، وكذلك الأمر بالنسبة لقانون الخدمة المدنية المنظم لشؤون العاملين بالدولة.
وحسب الورقة، فإن المشتغلين في أعمال شاقة تتطلب التعرض للحرارة بشكل مباشر هم الأكثر عرضة لمخاطر الإجهاد الحراري والتأثيرات الصحية الناتجة عنه، كعمال "الزراعة، والصيد، والتعدين، واستغلال المحاجر، وقطاع الأخشاب، والصناعات التحويلية، وإمدادات الكهرباء والغاز، والإمداد المائي، وشبكات الصرف الصحي ومعالجة النفايات، والتشييد والبناء، وتجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات، والنقل والتخزين، وخدمات الغذاء والإقامة، والأفران، والتوصيل".
وأوضحت أن "عدد العاملين في هذه القطاعات يبلغ 21 مليونًا و798 ألفًا و800 عامل وعاملة، وفقًا لآخر إحصائية رسمية".
وفق تقرير سابق صادر عن منظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 70% من القوى العاملة في العالم (أي نحو 2.4 مليار شخص على مستوى العالم) يواجهون مخاطر صحية محتملة بسبب تغير المناخ، ويتعرضون للحرارة المفرطة في مرحلة ما من حياتهم المهنية.
المنظمة الدولية أكدت وقتها كذلك أن أكثر من 22 مليون عامل يعانون من أمراض وإصابات مرتبطة بالتعرض للحرارة المفرطة سنويًا، ويتعرض 1.6 مليار عامل للأشعة فوق البنفسجية، وهناك أكثر من 18960 حالة وفاة مرتبطة بالعمل سنويًا بسبب سرطان الجلد غير الميلانيني.
وأوضحت أن نحو 20 ألف عامل يموتون سنويًا "بسبب الإصابات في مكان العمل المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة والتعرض للحرارة المفرطة".