أصبحت منصات الدردشة والبث المباشر المرتبطة بعالم الألعاب، مثل ديسكورد وتويتش وستيم، بيئة يستغلها المتطرفون لنشر أفكار متطرفة وتجنيد المستخدمين خصوصًا من فئة الشباب، نظرًا لطبيعتها التفاعلية وسهولة بناء العلاقات داخل مجتمعات الألعاب، وفق دراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Psychology.
واستندت الدراسة إلى مقابلات مع 13 خبيرًا من مشرفي المحتوى والعاملين في مجال مكافحة التطرف والأكاديميين المتخصصين في التكنولوجيا، وركزت على فهم كيفية رصد المحتوى المتطرف على هذه المنصات ومدى فاعلية الأدوات المستخدمة في مواجهته.
وبيّنت الدراسة أن التيارات اليمينية المتطرفة هي "الأكثر نشاطًا وتستخدم شعارات عنصرية ومعادية للنساء واليهود، إلى جانب محتوى يروّج لأفكار متطرفة لجماعات إسلامية". وتشمل المواد المتداولة تمجيد العنف، والاحتفاء بمرتكبي إطلاق النار الجماعي في المدارس، ونشر محتوى مرتبط بالاعتداءات الجنسية والانتهاكات.
أحد أبرز الأساليب التي رصدتها الدراسة ما يُعرف بـ"content funneling"، حيث يُنقل المستخدمون من منصات السوشيال ميديا الكبرى إلى أخرى أقل إشرافًا مثل "ديسكورد"، ما يسمح بتحول المحادثات من فضاءات عامة إلى مغلقة، "تسهّل نشر الفكر المتطرف".
أوضح الباحثان القائمان على الدراسة ويليام ألتشورن وإليزا أوروفينو أن المستخدمين لا ينضمون دائمًا إلى جماعات منظمة، بل يعيدون إنتاج رموز وأفكار متطرفة بشكل فردي، مستفيدين من طبيعة الألعاب الرقمية التي تسهّل بناء علاقات سريعة ومباشرة. كما أشارا إلى أن كثيرًا من حالات الانزلاق نحو التطرف تبدأ بأحاديث عادية في ألعاب مثل "كول أوف ديوتي" أو "جي تي إيه"، ثم تنتقل لاحقًا إلى مجموعات خاصة.
ورصدت الدراسة تحولًا في استراتيجيات التجنيد، مع اعتماد المتطرفين على بناء علاقات وبيئات رقمية حاضنة بدلًا من الخطاب الإقناعي المباشر. كما لوحظ استغلال مراهقين يبحثون عن الإثارة أو الصدمة، ما يجعلهم عرضة للانجذاب إلى هذه البيئات دون إدراك تام لمخاطرها.
وفي الجانب التقني، تستخدم بعض المنصات أدوات ذكاء اصطناعي لرصد الكلمات المسيئة، لكنها تواجه صعوبة في كشف الرموز المشفرة أو اللغة الساخرة. وأوضح المشاركون أن هذه الأساليب تشمل استخدام الرموز بدلًا عن الكلمات، أو كتابتها بطرق متعمدة لتفادي الكشف، ما يعقّد عمل المشرفين.
كما أشارت الدراسة إلى الضغوط النفسية التي يعاني منها مشرفو المحتوى بسبب تعرضهم المتكرر لمواد صادمة، في ظل غياب آليات دعم نفسي فعّالة. وأعرب بعضهم عن قلقهم من سهولة عودة المستخدمين المحظورين عبر حسابات جديدة.
وأوصت الدراسة بتشديد سياسات الإشراف، وزيادة الشفافية حول آليات التعامل مع المحتوى الضار، وتطوير أدوات تقنية قادرة على التفريق بين التفاعل العادي والمحتوى ذي الطابع المتطرف. كما دعت إلى تعاون أكبر بين شركات الألعاب والسلطات المختصة، وتشجيع اللاعبين على التبليغ والمشاركة في حماية الفضاء الرقمي.
على الصعيد التشريعي، رأت الدراسة أن قوانين مثل قانون الأمان الرقمي في بريطانيا وقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي تُعد خطوات مهمة، لكنها لا تزال تركز على الاستجابة بعد وقوع الانتهاكات، بدلًا من الوقاية الاستباقية.
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تسلط الضوء على التحول الذي يشهده الفضاء الرقمي المرتبط بالألعاب، من بيئة ترفيهية إلى ساحة صراع ثقافي وأيديولوجي، تتطلب تدخلًا جماعيًا من المجتمع والأسر وصناع السياسات.