نشرت منظمة الخصوصية الدولية/Privacy International بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومركز كارتر، ملخصًا لاجتماع دولي عُقد في جنيف يوم 21 فبراير/شباط 2025، استهدف بحث التحديات التي تطرحها التقنيات الرقمية على حقوق الإنسان في سياق العمليات الانتخابية، والخروج بتوصيات عملية لمواجهتها.
عُقد اللقاء في مقر المفوضية السامية، وضم خبراء من وكالات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، وهيئات الإشراف الانتخابي، إلى جانب أكاديميين، حضر بعضهم اللقاء حضوريًا فيما شارك آخرون عبر الإنترنت. وجرت النقاشات وفق قاعدة تشاتام هاوس، ما أتاح تبادلًا صريحًا للآراء بعيدًا عن الإفصاح عن هوية المتحدثين.
ركّز الاجتماع على العلاقة المتشابكة بين التحول الرقمي والمبادئ الديمقراطية، حيث شدد المشاركون على أن التقنيات الرقمية بدءًا من أنظمة تسجيل الناخبين البيومترية، مرورًا بالتصويت الإلكتروني، ووصولًا إلى الحملات السياسية المدعومة بالذكاء الاصطناعي باتت تشكّل جزءًا أساسيًا من البنية الانتخابية الحديثة.
غير أن هذه الأدوات، رغم مساهمتها المحتملة في تعزيز الكفاءة وتوسيع المشاركة، تطرح تحديات جسيمة لحقوق أساسية مثل الخصوصية، حرية التعبير، المساواة في المشاركة، والمساءلة الديمقراطية. كما أشار الخبراء إلى بروز فاعلين جدد مثل وسطاء البيانات وشركات تحليلات التصويت، مما يزيد من تعقيد المشهد الانتخابي.
أحد أبرز المخاوف التي أثارها الخبراء هو اعتماد هيئات الانتخابات بشكل متزايد على شركات خاصة لتوفير الأنظمة الرقمية الأساسية. وأكدوا أن عقود الشراكة مع هذه الشركات غالبًا ما تتم في إطار اتفاقات سرّية، ما يقوض الشفافية ويحد من قدرة المجتمع المدني على مراقبة العملية الانتخابية.
ودعا المشاركون إلى تقليص استخدام الاتفاقات السرية، ونشر بنود التعاقدات التقنية، وإخضاع الأنظمة لمراجعات مستقلة علنية، مع اعتماد آليات "تقييم أثر حقوقي" قبل إدخال أي تقنية جديدة، وتطبيق هذه التقنية بشكل تجريبي مرحلي، كما شددوا على أهمية التدريب المستمر لموظفي هيئات الانتخابات في مجالات الأمن الرقمي، وحوكمة البيانات، وحماية الخصوصية.
وقدّم الملخص أمثلة واقعية على الانتهاكات الناجمة عن سوء تنظيم العلاقة بين التكنولوجيا والانتخابات، مثل قوانين إثبات الهوية الصارمة في الولايات المتحدة التي تقيّد مشاركة الأقليات، والتمييز ضد طائفة الأحمدية في باكستان بسبب اشتراط الإفصاح الديني، وتقصير فنزويلا في تسجيل الناخبين الشباب.
ناقش الاجتماع أيضًا تصاعد استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل السلوك في الحملات السياسية، عبر ما يُعرف بالاستهداف الدقيق/Micro-targeting، الذي يتيح توجيه رسائل انتخابية فردية للناخبين. وتم استحضار فضيحة Cambridge Analytica كتجسيد لهذه الانتهاكات.
رغم التقدم المحقق في بعض التشريعات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية/GDPR، وقانون الشفافية المنتظر تطبيقه في أكتوبر/تشرين الأول 2025، يظل التطبيق العملي لهذه القوانين محدودًا، فيما تفتقر معظم دول العالم إلى أطر تنظيمية مماثلة.
أثار المشاركون القلق من ظاهرة "الحملات الدائمة"، حيث تستمر الحملات الرقمية بعد انتهاء الانتخابات، ما يصعب معه فرض رقابة قانونية. كما نُبّه إلى أن بعض الأحزاب، خصوصًا في إسبانيا، باتت تستخدم أنظمة تصويت إلكترونية داخلية دون إشراف مستقل، ما يفتح الباب أمام احتمالات التلاعب.
خصص الاجتماع حيّزًا لمناقشة دور الشركات الخاصة وخصوصًا منصات التواصل الاجتماعي في تشكيل البيئة الانتخابية الرقمية. وعبّر المشاركون عن قلقهم إزاء ظاهرة Vendor Lock-in، التي تجعل الدول رهينة لمزوّد تقني واحد يصعب استبداله.
كما حذّر الخبراء من مخاطر دمج البيانات، حيث تُجمع السجلات الانتخابية مع بيانات تجارية لبناء ملفات شخصية دقيقة تُستخدم في الحملات الانتخابية دون علم الناخبين أو موافقتهم.
وأعرب الحاضرون عن قلقهم من تراجع شركات التقنية عن الاستثمار في فرق "الثقة والسلامة"، مما يؤدي إلى ضعف الاستجابة للبلاغات من دول الجنوب العالمي، ويترك الساحة مفتوحة أمام خطاب الكراهية والمعلومات المضللة.
وطالب الخبراء هذه الشركات ببناء قنوات اتصال دائمة مع هيئات الانتخابات ومنظمات المجتمع المدني، وإدراج التزامات واضحة في العقود الحكومية، مع إجراء تقييمات شاملة بعد كل دورة انتخابية.
في ختام الاجتماع، شدد المشاركون على ضرورة ألا يُدار التحول الرقمي في الانتخابات كعملية تقنية بحتة، بل كمسألة سياسية، قانونية، وأخلاقية، لضمان بقاء الانتخابات أداة للتعبير الديمقراطي وليس للتحكم المجتمعي.