انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ما وصفته بـ"تصاعد وتيرة إحالة قضايا أمن الدولة العليا للمحاكمة بشكل غير مسبوق بداية من سبتمبر/أيلول 2024"، مشيرة إلى إحالة أكثر من 186 قضية تضم أكثر من ستة آلاف متهم بـ"الإرهاب" للمحاكمة، بينهم أطفال وأكثر من نصفهم محبوس احتياطيًا.
وقالت المبادرة، في بيان أصدرته أمس، إن غالبية القضايا المُحالة تعود لفترة ما بين عامي 2015 و2024، مطالبة بضرورة مراجعة كافة أوامر الإحالة الصادرة قبل تحديد جلسات المحاكمة لضمان الالتزام بالقانون وعدم محاكمة الشخص نفسه أكثر من مرة على خلفية اتهامه بارتكاب الجرائم ذاتها.
وحذرت المبادرة من خطورة المرحلة المقبلة، والتي قالت إنها "ستشهد نظر محاكمات جماعية لعشرات القضايا، دون تمكين فرق الدفاع من الاطلاع على ملفاتها، وهو ما يهدد ضمانات المحاكمة العادلة".
وأضاف البيان أن الإحالات الجماعية الحالية تُنذر باستمرار الحبس الاحتياطي لآلاف المتهمين لفترات غير محددة، في ظل غياب الجدول الزمني للمحاكمات، مشيرة إلى أن نحو 20 قضية فقط بدأ النظر فيها حتى الآن.
واعتبرت المبادرة الوضع الراهن "حرجًا وغير مسبوق"، ما يهدد ما تبقى من سمعة منظومة العدالة في مصر، ويعرض مصائر آلاف المتهمين وأسرهم للخطر، خاصة في ظل وجود اتهامات قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
كما أعربت عن "قلقها" من إمكانية تطبيق المحاكمة عن بُعد بموجب تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، محذّرة من أن هذا الإجراء يعزل المتهمين عن محاميهم ويمنع المواجهة مع الشهود، مما يشكل إخلالًا جوهريًا بحقوق الدفاع.
وأنهت المبادرة بيانها بتساؤل لافت "من سيحاكم أكثر من ستة آلاف متهم دفعة واحدة؟"، مؤكدة أن الإجراءات الحالية لا توفّر الحد الأدنى من ضمانات العدالة.
كما توقعت أن توكل محاكمة المتهمين في كل هذه القضايا إلى دائرتي الإرهاب المنعقدتين في مجمع محاكم بدر، كمحكمة أول درجة، منوهة بأن الدائرتين لم يصدر عنهما قرار واحد بإخلاء سبيل أي من المحبوسين احتياطيًا أثناء نظر تجديد حبسهم أمامهما منذ تشكيلهما خلال العام القضائي الحالي، بل "سبق وأصدرتا آلاف القرارات بتمديد الحبس بمخالفة القانون بحق عدد من المُحالين، في جلسات افتقر معظمها للحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، أو حتى محاولة الحفاظ على الشكل القانوني للجلسات".
وكانت المنصة من أوائل من نوه بهذه الأزمة في يناير/كانون الثاني الماضي، وقتما قررت نيابة أمن الدولة العليا إحالة نحو 100 قضية جديدة تضم آلاف المتهمين إلى المحاكمة أمام دائرتين فقط بمحكمة استئناف القاهرة مخصصتين لنظر قضايا الإرهاب، وهو ما اعتبره ثلاثة محامين وقتها ينذر بتراكم القضايا لسنوات ودخول المتهمين في "دوامة حبس مطوّل".
وأشارت المبادرة إلى أنه حال صدر حكم أول درجة على أي من هؤلاء المتهمين خلال العام القضائي الحالي ومحاولة المتهمين استئناف الأحكام الصادرة ضدهم، فلن يكون متاحًا أمامهم سوى دائرة استئنافية واحدة، برئاسة المستشار حمادة الصاوي، النائب العام السابق الذي حققت نيابة أمن الدولة في معظم هذه القضايا خلال توليه منصب النائب العام، وهو ما يجعل توليه أيًا من هذه القضايا مخالفة صريحة لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحظر على القاضي أن ينظر دعوى قام فيها بوظيفة النيابة العامة.
وإزاء ذلك، طالبت المبادرة النائب بضرورة إنفاذ القانون، والإفراج الفوري عن كافة من تخطوا الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي، وحفظ القضايا المفتوحة دون استكمال تحقيقات أو تحريات فيها منذ سنوات.
كما طالبت المبادرة محكمة استئناف القاهرة بتحديد دوائر كافية لنظر القضايا المُحالة بشكل عاجل، بما يضمن تماشيها مع القانون، مع تحديد إطار زمني واضح لإنهاء أعمالها. على أن تقوم هذه الدوائر بالأخذ في اعتبارها ضرورة مراجعة قيد ووصف الاتهامات الموجهة.
وشددت على ضرورة تعديل قانون مكافحة الإرهاب، وجعله يتماشى مع الدستور المصري، بما يضمن فاعليته لمكافحة الإرهاب فعلًا، دون أن يمتد للأفراد وخاصة الأطفال، إلى جانب ضرورة النص في قانون الإجراءات الجنائية الجديد على الإفراج عن المتهمين فور إتمامهم الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي.
وطالبت المبادرة أيضًا بضرورة عقد محاكمات حضورية لمحاكمة المتهمين بشخصهم مع محاميهم، وإلزام الجهات المعنية بإتاحة وتيسير الحصول على كافة الأوراق الخاصة بالقضية، والتشاور مع فريق الدفاع قبل بدء المحاكمة.
ودعت المبادرة رئيس الجمهورية ومجلس النواب إلى تفعيل المادة 76 من قانون العقوبات بشأن العفو الشامل، على نحو يسمح بمراجعة موقف الآلاف ممن لم يتسببوا بأي أضرار مباشرة، وذلك إعمالًا لروح القانون ونصوصه.
ومع بداية انكشاف الأزمة، في يناير الماضي، أدانت 10 منظمات حقوقية، قرارات نيابة أمن الدولة العليا، بإحالة مئات المواطنين المحتجزين منذ فترات طويلة، تجاوز بعضها 6 سنوات، إلى محاكم الإرهاب، بدلًا من الإفراج الفوري عنهم، واصفةً ذلك الإجراء بـ"محاولة لطمس الانتهاكات الخطيرة التي شابت التحقيقات معهم واحتجازهم التعسفي المطول في قضايا ذات طابع سياسي".
أما المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فأعربت عن قلقها في فبراير/شباط الماضي، جراء التوسع في إحالة القضايا ذات الطابع السياسي إلى المحاكم، بدلًا من اتخاذ خطوات جادة نحو الإفراج عن السجناء كخطوة لإنهاء ملف الحبس الاحتياطي الممتد دون مبرر قانوني، ما يعد انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، حسب بيان المفوضية.