أعلن الفاتيكان، اليوم، وفاة البابا فرنسيس عن عمر يناهز 88 عامًا، في مقر إقامته في دار القديسة مارتا بالفاتيكان.
وقال الكاردينال كيفن فاريل في بيان نشره الفاتيكان "هذا الصباح عند الساعة 07.35 عاد أسقف روما فرنسيس، إلى بيت الآب".
وخلال الفترة الأخيرة، تدهورت الحالة الصحية للبابا فرنسيس تدريجيًا، ودخل المستشفى في 14 فبراير/شباط الماضي، بعد معاناته من نوبة التهاب شعبي استمرت عدة أيام، وشخّص أطباؤه إصابته بالالتهاب الرئوي الثنائي.
وبعد 38 يومًا قضاها في المستشفى، عاد البابا الراحل إلى مقر إقامته في الفاتيكان في كازا سانتا مارتا لمواصلة تعافيه، لكنه توفى اليوم، بعد فترة بابوية استمرت 12 عامًا.
غياب عن أسبوع الآلام
وللمرة الأولى منذ انتخابه في العام 2013، غاب البابا الذي يمثّل 1.4 مليار كاثوليكي، عن معظم فعاليات أسبوع الآلام بما في ذلك درب الصليب في الكولوسيوم الجمعة وصلاة عيد الفصح مساء السبت، والتي فوّضها إلى الكرادلة.
ولم يرأس البابا قداس عيد القيامة في الفاتيكان، لكنه ظهر في نهاية الحدث لتوجيه رسالة إلى مدينة روما والعالم بمناسبة عيد القيامة.
وفي آخر ظهور له، دخل البابا فرنسيس ساحة القديس بطرس في سيارة مكشوفة، أمس، ليحيي عشرات الألوف من الكاثوليك بعد احتفال الفاتيكان بقداس عيد القيامة.
وظهر البابا جالسا على كرسي مرتفع في الجزء الخلفي من السيارة البيضاء، بينما اصطف الناس في ممرات الساحة يرددون هتاف "يحيا البابا".
وكان يشير بيديه لكنه لم يرفعهما إلا قليلاً، كما لم يمارس في آخر أيامه إلا القليل من المهام بأوامر من الأطباء.
وخلال الفترة الأخيرة عانى البابا فرنسيس بشكل متكرر من نوبات أمراض الجهاز التنفسي، حتى أنه ألغى زيارة مقررة إلى الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بسبب الأنفلونزا والتهاب الرئة.
مراسم جنائزية جديدة
وخلال الفترة الأخيرة من بابويته وافق البابا فرنسيس على خطط لتقليل تعقيدات مراسم الدفن والعزاء، فبينما دُفن الباباوات السابقون في ثلاثة توابيت متداخلة مصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط، اختار البابا فرنسيس تابوتًا خشبيًا بسيطًا مُبطّنًا بالزنك.
كما ألغى تقليد وضع جثمان البابا على النعش في كاتدرائية القديس بطرس للعرض العام، وبدلًا من ذلك، سيُدعى المعزون لتقديم تعازيهم وجثمانه داخل التابوت، مع إزالة الغطاء.
وسيكون البابا فرنسيس أول بابا يُدفن خارج الفاتيكان منذ أكثر من قرن؛ حيث سيُوارى الثرى في كاتدرائية القديسة مريم الكبرى، إحدى الكنائس البابوية الأربع الرئيسية في روما.
تاريخ مرضي
مع تزايد تعرّضه لوعكات صحية، تصاعد الحديث عن إمكان تنحّيه، على غرار ما فعل سلَفه بنديكتوس السادس عشر.
وسبقَ للبابا أن أمضى فترتين في المستشفى عام 2023، أُجريَت له خلال إحداهما عملية جراحية كبرى في الأمعاء، واضطر في الأشهر الأخيرة إلى صرف النظر عن مجموعة من الارتباطات.
وأصيب البابا عندما كان في الحادية والعشرين بالتهاب الجنبة الحاد، واضطر الجرّاحون إلى إزالة رئته اليمنى جزئيًا.
مواقف حاسمة
خلال فترة باباويته، شجب البابا باستمرار كل أشكال العنف، من الاتجار بالبشر إلى كوارث الهجرة، مرورًا بالاستغلال الاقتصادي، وفي 11 فبراير، كرّر إدانته عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين التي يعتمدها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ما أثار غضب البيت الأبيض.
ودعا البابا المعارض بشدّة لتجارة الأسلحة إلى السلام في أوكرانيا والشرق الأوسط، وكان عازمًا على إدخال إصلاحات على الكوريا الرومانية، أي الحكومة المركزية للكرسي الرسولي، ومصممًا على تعزيز دور النساء والعلمانيين فيها، وعلى تطهير مالية الفاتيكان التي هزتها شبهات وفضائح.
ولم يتردد حيال مأساة الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الكنيسة، في إلغاء السر البابوي في شأنها، وألزم رجال الدين والعلمانيين بإبلاغ رؤسائهم عن أي حالات من هذا النوع، لكن خطواته لم تنجح مع ذلك في إقناع جمعيات الضحايا التي أخذت عليه عدم اتخاذه إجراءات أبعد من ذلك.
وواجه البابا معارضة داخلية حادة بسبب إصلاحات أخرى، وانتقده البعض لقراراته الجريئة، كوضع قيود على القداس اللاتيني والسماح بمباركة أزواج من المثليين.
كذلك اتهم البعض البابا فرنسيس بالمبالغة في التخفيف من مكانة منصب البابا بأسلوبه الخارج عن المألوف، كتفضيله مثلاً الإقامة في شقة متواضعة من غرفتين بمساحة 70 مترًا مربعًا على السكن في القصر الرسولي الفخم، وفق رويترز.
وثيقة "الأخوة"
كان للبابا فرنسيس مواقف وصفت بـ"الجريئة" تجاه الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب تصريحاته، بل كونه أول بابا يزور دولًا في شبه الجزيرة العربية، ويلتقي بقيادات من الطائفة الشيعية في العراق، حسب بي بي سي .
ولفت البابا فرنسيس أنظار العالم كله، عندما وقف الى جانب شيخ الأزهر أحمد الطيب، في الرابع من فبراير/شباط 2019 في أبو ظبي بالإمارات للتوقيع على وثيقة "الأخوة" الإنسانية التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الإنسانية، وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب، إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته.
وبعد أيام قليلة على سقوط حكم بشار الأسد في سوريا، صلى بابا الفاتيكان من أجل بلوغ حل سياسي في سوريا، وأكد في وقت سابق، متابعته بشكل يومي لما يحدث في سوريا، وصلاته كي يعيش الشعب السوري في سلام وأمن على "أرضه الحبيبة ... في البلاد التي عانت من سنوات كثيرة من الحرب".
وكان البابا فرنسيس أعرب أيضًا عن "حزنه؛ إزاء ما يحدث في لبنان، وأدان غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل سبعة أطفال من العائلة ذاتها في شمال قطاع غزة.
ووفق بي بي سي حرص البابا كزعيم للروم الكاثوليك، على الحذر بشأن اتخاذ موقف نحو من الصراعات، لكنه كان أكثر صراحة بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة. ففي مقتطفات من كتاب نُشر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دعا البابا إلى إجراء "دراسة متأنية" بشأن ما إذا كان الوضع في غزة "يتوافق مع التعريف التقني" للإبادة الجماعية.
ولد الكاردينال برغوليو (البابا فرنسيس لاحقًا) في 17 ديسمبر/كانون الأول 1936 في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. وهو أول بابا من أمريكا اللاتينية وأول يسوعي في الوقت نفسه يصل إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية. وكان أول بابا يختار اسم فرنسيس، وذلك تكريمًا للقديس فرنسيس الأسيزي الذي تخلى عن ثروته من أجل مساعدة الفقراء، بحسب بي بي سي.