تسونامي قرارات يصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، يعصف بأوضاع الموظفين واستقلال الجامعات، ويوجه رسائل اقتصادية عدائية ضد جيرانه، كندا والمكسيك، مؤسسًا لأوضاع جديدة تكاد تربك العالم كله وتضع العديد من التساؤلات حول تأثير هذه القرارات على الداخل الأمريكي وعلى الخارج.
ونال عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين في الولايات المتحدة نصيبهم من قرارات التسريح والفصل، إذ أصدر ترامب في فبراير/شباط الماضي مرسومًا رئاسيًا يهدف إلى تنفيذ حملة تسريحات "واسعة النطاق" في الإدارة العامة للدولة، ويوجه هذا المرسوم الوكالات والإدارات الفيدرالية للتعاون مع وزارة الكفاءة الحكومية/DOGE لتطبيق تخفيضات في القوى العاملة، حيث يُسمح بتوظيف موظف واحد فقط مقابل كل أربعة موظفين يغادرون، كما يستهدف مبادرات التنوع والمساواة داخل الوكالات.
حرب محتملة
يقول الصحفي الأمريكي الحائز على جائزة بوليتزر ديفيد كاي جونستون لـ المنصـة إن تسريح ذلك العدد من الموظفين الفيدراليين سيؤدي في النهاية إلى "حكومة عاجزة عن أداء مهامها الأساسية".
ويتوقع أن "تضطر الحكومة في نهاية المطاف إلى توظيف إما مقاولين مستقلين أو شركات قطاع خاص لأداء تلك المهام بقيمة أكبر، وهو ما سيكلف خزانة الدولة تكاليف باهظة لاحقًا".
ويحذر جونستون، مؤلف كتاب The Making of Donald Trump، من أن "قرارات ترامب العدائية ضد الجميع قد تؤدي في النهاية إلى إشعال حرب أهلية في الولايات المتحدة"، ويستطرد "نحن نشهد بالفعل حربًا أهلية خفيفة وقد نشهد حربًا أهلية حقيقية قريبًا بسبب إدارة ترامب".
من زاوية أخرى، يقرأ البعض سياسات ترامب إزاء الموظفين الفيدراليين باعتبارها دعمًا للاقتصاد الأمريكي، خاصة المؤيدين لسياسات ترامب واتجاهات إيلون ماسك حليف الرئيس الأمريكي.
فيفيك راماسوامي، الرئيس المشارك في وزارة الكفاءة الحكومية/DOGE قال في تصريحات صحفية إن تقليص عدد الموظفين الفيدراليين قد يكون مفيدًا للأفراد الذين ينتقلون إلى القطاع الخاص، مما يعزز إنتاجية الاقتصاد الأمريكي في النهاية.
ووفقًا لتقرير نشرته أسوشيتد برس، فرغم أن سوق العمل الأمريكي لا يزال قويًا مع معدل بطالة يبلغ 4.1% وإضافة 151000 وظيفة في فبراير الماضي، إلا أن هناك إشارات "مقلقة"، بسبب قرارات ترامب الأخيرة.
ويلفت التقرير إلى ارتفاع عدد الأشخاص العاملين بدوام جزئي لأسباب اقتصادية بمقدار 460000 شخص الشهر الماضي.
كما لفت إلى فقد قطاعي الترفيه والضيافة 16000 وظيفة. كما خفضت الحكومة الفيدرالية قوائم رواتبها بمقدار 10000 وظيفة، مما يشير إلى مخاوف أوسع حول قوة الاقتصاد الأمريكي، وارتفاع معدلات البطالة في وقت يواجه الاقتصاد تحديات عدة.
ومع دفاع راماسوامي بقوله "لا أعتقد أن الاستخدام الأمثل لهؤلاء الأشخاص الموهوبين هو ما يقومون به حاليًا في الحكومة الفيدرالية"، يتصدى القضاء الأمريكي لقرارات تسريح الموظفين، حيث أصدرت دوائر قضائية قرارات بإعادة آلاف الموظفين الفيدراليين وإلغاء قرارات ترامب.
بينما قال إيلون ماسك، في تصريح سابق إن "الحكومة الفيدرالية تعاني من تضخم وظيفي هائل، ويجب أن يكون هناك مساءلة، ومن لا يبرر وظيفته، فعليه أن يغادر".
قلق في الكونجرس
أدت قرارات ترامب لحالة قلق لدى بعض أعضاء الكونجرس، فأصدر النائب جريجوري دبليو ميكس، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، والسيناتور جين شاهين، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بيانًا الثلاثاء الماضي، تلقت المنصة نسخة منه، حذرا فيه من أن إدارة ترامب وماسك لا ترغب في جعل أمريكا أكثر أمانًا أو قوة، إنما "هدفهما تفكيك المؤسسات الأمريكية التاريخية بتهور قطعةً قطعة"، حسب البيان.
ويأتي بيان عضوي الكونجرس الأمريكي على خلفية انخراط DOGE في عملية استحواذ عدائي على معهد السلام الأمريكي/USIP، وهي مؤسسة مستقلة غير حزبية وغير ربحية أُنشئت بموجب قانون من قبل الكونجرس.
ونبه البيان إلى أن معهد السلام الأمريكي نجح كمنظمة مستقلة في ظل سبع إدارات أمريكية مختلفة، مساهمًا في منع الصراعات العنيفة والتوسط في اتفاقيات السلام في الخارج منذ أن وقّع الرئيس ريجن على القانون الذي أقره الكونجرس لإنشاء المعهد. وحافظ المعهد على دعم واسع من الحزبين لعمله وشراكاته مع المنظمات غير الحكومية الأخرى والمؤسسات الأكاديمية ووزارتي الخارجية والدفاع.
ودعا البيان أعضاء الكونجرس الجمهوريين للانضمام في إدانة هجوم ماسك على معهد السلام الأمريكي، مشددًا على أنه "إذا لم يكن تفكيك ماسك للوكالات المرخصة والممولة من الكونجرس كافيًا، فمن المأمول أن يكون استيلاؤه على منظمة غير ربحية مستقلة خطًا فاصلًا لا نسمح بتجاوزه".
"بدعة ترامبية" هكذا وصف الصحفي الأمريكي جونستون وزارة الكفاءة الحكومية، مضيفًا "هذه بدعة ابتدعها ترامب لترضية ماسك لا توجد إدارة حكومية تُعنى بكفاءة الموظفين".
يوضح "لقد سرّحوا جميع الموظفين ببساطة لأن ماسك يسعى أيضًا للحصول على المزيد من العقود الحكومية، وهذا سبب كونه أغنى رجل في العالم"، مشيرًا إلى أن "ماسك أصبح لديه مليارات الدولارات بسبب العقود الفيدرالية، ولهذا من مصلحته أن يطرد كل هؤلاء الموظفين".
ونهاية الشهر الماضي، أمر قاضٍ فيدرالي بإلغاء عمليات الفصل الجماعي للموظفين الحكوميين وفق خطة وزارة الكفاءة الحكومية لتخفيض النفقات "غير الضرورية". وطلب الحكم من مكتب إدارة الموظفين الذي أرسل توجيهات الفصل إلى عدة مؤسسات فيدرالية سحب هذه التوجيهات.
وفي وقت سابق، دافع ترامب عن جهود ماسك، واصفًا إياها بأنها "محاولة مشروعة لاجتثاث الفساد وإهدار الأموال العامة في الحكومة". وقال أيضًا خلال اجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "أعتقد أنها كانت خطوة رائعة، لأن لدينا أشخاصًا لا يحضرون إلى العمل، ولا أحد يعلم حتى أنهم موظفون حكوميون، كان هناك قدر كبير من العبقرية في إرسالها".
ولكن الطريقة التي يتحدث بها ترامب وماسك علنًا عن الوزارة، والدور القيادي الذي يلعبه ماسك فيها، تتناقض مع وثائق رسمية قدمها البيت الأبيض إلى محكمة في ولاية نيو مكسيكو، تؤكد أن "ماسك ليس مسؤولًا عن وزارة الكفاءة الحكومية"، وأنه "مثل كبار مستشاري البيت الأبيض الآخرين، ليست لديه سلطة فعلية أو رسمية لاتخاذ قرارات حكومية بنفسه".
وبالتزامن مع القلق في الكونجرس والتحذيرات من تداعيات قرارات ترامب وردود الفعل التي تبعتها، قرر الرئيس الأمريكي تقييد دور ماسك المسؤول في وزارة الكفاءة الحكومية، بعدما أصبحت إجراءاته بفصل آلاف الموظفين الفيدراليين وإعادة هيكلة المؤسسات الفيدرالية موضوعًا لعدة دعاوى قضائية، حسب نيويورك تايمز.
وقال ترامب خلال الشهر الجاري "من الآن فصاعدًا، سيكون الوزراء مسؤولين عن وزاراتهم، بينما سيقتصر دور فريق ماسك على تقديم المشورة فقط". وأخبر ترامب كبار أعضاء إدارته في حضور ماسك، أن الأخير مخول بتقديم توصيات إلى الأقسام، لا إصدار قرارات أحادية الجانب بشأن التوظيف والسياسة، حسب سكاي نيوز عربية.