وزارة الدفاع السورية
سكرين شوت من فيديو لتحرك وحدات الجيش السوري، 2 ديسمبر 2024

ملاحقة الفلول تصبح "انتقامًا أعمى".. دماء طائفية على الساحل السوري

شيار خليل
منشور السبت 8 مارس 2025

أسفرت وقائع القتل الطائفي، التي تنفذها قوات الأمن السورية ومجموعات تابعة لها منذ أن بدأت يوم الخميس الماضي مطاردة مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد في منطقة الساحل السوري، عن مقتل 340 مدنيًا علويًا وفق ما وثقه المركز السوري لحقوق الإنسان اليوم السبت، حيث عادت إلى الأذهان مشاهد الحرب الأهلية التي ظن السوريون أنها باتت من الماضي.

وإلى جانب المدنيين الذين سقطوا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث يتركز السكان العلويون، على يد قوات الأمن والمجموعات الموالية لها، قُتل 213 مسلحًا من الطرفين؛ 93 قتيلًا من العسكريين في وزارتي الداخلية والدفاع"، و120 عنصرًا مسلحًا من الموالين للأسد، وفق المرصد، لتصل الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ بدء الاشتباكات إلى 524 قتيلًا.

وتحدث المرصد عن "عمليات تصفية على أساس طائفي ومناطقي" و"عمليات إعدام ميدانية" ترافقت مع "عمليات نهب للمنازل والممتلكات"، وهو ما أكدته كذلك مصادر محلية تحدثت إليها المنصة.

وبدأ التوتر يوم الخميس الماضي عندما شهدت عملية توقيف قوات الأمن لمطلوب في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية عمليات إطلاق نار من مسلحين علويين، وفق المرصد. ثم تعرضت قوة تابعة للسلطات السورية لكمين في محيط بلدة جبلة في محافظة اللاذقية، أسفر عن 16 قتيلًا.

على الأثر، أرسلت السلطات السورية التي تقول إنها تواجه مجموعات مرتبطة بسهيل الحسن، أحد أبرز ضباط الجيش السوري السابق، تعزيزات عسكرية إلى الساحل، وفرضت حظر تجول تصاعدت في ظله أحداث الانتقام الطائفي التي بلغت وفق تعبير المرصد حد "المجازر".

وأمس الجمعة، دعا الرئيس السوري أحمد الشرع العلويين إلى تسليم أنفسهم "قبل فوات الأوان". وقال في خطاب متلفز "لقد اعتديتم على كل السوريين وإنكم بهذا قد اقترفتم ذنبًا عظيمًا لا يغتفر وقد جاءكم الرد الذي لا صبر لكم عليه، فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم قبل فوات الأوان"، مؤكدًا الاستمرار في عمليات "حصر السلاح بيد الدولة ولن يبقى سلاح منفلت".

وتبلغ نسبة العلويين في سوريا ذات الأغلبية السنية نحو 12% من إجمالي السكان، ويتركز معظمهم في محافظتي اللاذقية وطرطوس اللتين تشكلان منطقة الساحل السوري، وينظر إليها باعتبارها حاضنة لعائلة الأسد القادمة من قرية القرداحة في اللاذقية. 

انتقام أعمى

المنصة تحدثت إلى مصادر محلية في إحدى قرى بانياس في محافظة طرطوس، أفادت بأن مسلحين اقتحموا البلدة فجرًا، وارتكبوا عمليات قتل جماعي. إحدى الناجيات، وهي امرأة خمسينية، روت لـ المنصة بصوت مرتجف "جاؤوا عند الفجر بأسلحة وسيارة مدججة، أطلقوا النار عشوائيًا، لم يميزوا بين رجل أو امرأة، فقط أرادوا الانتقام". وتضيف "أغلب الذين دخلوا منزلنا كانوا من الشيشان والقوى الأجنبية".

ووسط هذه التطورات، يتصاعد الغضب داخل أبناء الطائفة العلوية نفسها، حيث يرى بعض المعارضين من أبناء الساحل أن هذه الحملة تثبت فشل مؤسسات الدولة الجديدة في فرض النظام والقانون، ومنهم أبو محمد وهو ناشط سياسي في ريف اللاذقية "هذه الفلول تركتها إدارة دمشق. لم تجرؤ على ملاحقتها طوال الفترة الماضية، لكنها الآن قررت التحرك فجأة، وبطريقة عشوائية. هذا ليس تطبيقًا للعدالة، بل دليل على الفوضى وضعف مؤسسات الدولة الجديدة".

وأضاف لـ المنصة "المؤسف أن هذه العمليات لم تقتصر على ملاحقة المطلوبين، بل تحولت إلى انتقام أعمى، حيث يُقتل المدنيون على الهوية، وتتم عمليات سرقة ونهب للمنازل والمحال التجارية بحجة محاربة الفلول. الساحل السوري دفع ثمنًا باهظًا في الماضي بسبب النظام، والآن يُطلب من أبنائه دفع الثمن مرة أخرى، لكن هذه المرة على يد من يفترض أنهم جاؤوا لتأسيس دولة جديدة".

ودعا أبو محمد الجهات الدولية إلى التدخل الفوري، قائلًا "على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن تتحرك سريعًا لتفعيل آليات المحاسبة والعدالة، وملاحقة مجرمي الحرب بكل الطرق. لا يمكن ترك الأمور لفوضى السلاح والمجموعات المسلحة، يجب نزع السلاح من جميع الأطراف، وإلا فإن الساحل سيظل يدفع ثمن الصراعات إلى ما لا نهاية".

تضييع الفرص وتكريس الفوضى

من جهته، قال سليم(*) وهو ناشط علوي لـ المنصة إنه كان مفترضًا أن يشارك في نقاشات إعلامية حول المشهد الأمني، لكنه قرر الامتناع عن ذلك بسبب الفوضى المتزايدة والانتهاكات المستمرة. وقال "كنت سأترحم على أرواح القتلى من الجيش والمدنيين، لكنني في الوقت ذاته سأدين قيادة الأمن والجيش لأنها سمحت بهذه الفوضى، وتركت الأمور تصل إلى هذا الحد من العنف والانتهاكات والنهب".

وأضاف سليم "هذه الإدارة لم تطبق العدالة الانتقالية كما ينبغي، بل سمحت بعدم المحاسبة، مما أدى إلى هذا الانفلات الأمني. الآن نشهد عدالة انتقامية لا تقل بشاعة عن الجرائم السابقة. كان يجب أن تكون هناك محاكمات عادلة، وليس عمليات تصفية عشوائية تحت غطاء محاربة الفلول".

وأكد سليم أن الإدارة الجديدة أضاعت فرصة ثمينة بعد سقوط النظام، حيث لم يتجه العلويون نحو الحرب ضدها، ولم ينضموا إلى المجموعات الإجرامية، مضيفًا "لكن الآن، هناك محاولة واضحة لدفع العلويين نحو القتال، وهذا سيكون خطأً استراتيجيًا قاتلًا. على الإدارة أن تستغل الفرصة لإعادة الثقة، لا أن تزيد الانقسامات. يجب فرض الأمن بشكل منظم، وسحب السلاح من الجميع، وليس تركه لجماعات معينة وسحبه من أخرى".

وحذر سليم من أن استمرار الانتهاكات والمجازر سيعيق رفع العقوبات عن الإدارة الجديدة، وسيفرمل أي جهود تطبيع سياسي معها، مشددًا على ضرورة الإعلان عن دستور مؤقت يضمن الحقوق والواجبات، وتشكيل حكومة وطنية شاملة تمثل كل السوريين، بعيدًا عن سيطرة الفصائل أو أي أجندات خارجية.


(*)اسم مستعار بناء على طلب المصدر