تصميم أحمد بلال، المنصة
يقع أهالي المسجونين ضحايا لعمليات نصب واحتيال تتلاعب بآمالهم في إخلاء سبيل ذويهم

بعد عام من تحقيق "المنصة".. ضبط متهمين بالنصب على أهالي السجناء

آية ياسر
منشور الأحد 2 مارس 2025

بعد عام من تحقيق المنصة في قضية النصب والاحتيال على أهالي السجناء السياسيين بذريعة إدراج ذويهم المحبوسين في قوائم العفو الرئاسي أو إخلاء سبيلهم من الحبس الاحتياطي، أعلنت وزارة الداخلية، الأحد الماضي، عن ضبط سائق وعاطل لهما معلومات جنائية "لقيامهما بالنصب والاحتيال على أسر نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل والاستيلاء على أموالهم".

وحسب بيان الداخلية زعم المتهمان قدرتهما على إدراج ذوي أسر النزلاء ضمن قوائم الإفراج بالعفو، وذلك نظير تحويلات مالية عبر أحد تطبيقات الدفع الإلكتروني و"عقب ذلك قاما بغلق الهواتف المحمولة دون الوفاء بما وعدا به، وبمواجهتهما أقرا بارتكابهما الواقعة على النحو المشار إليه، تم إتخاذ الإجراءات القانونية".

وكانت المنصة تلقت استغاثات من عدد من أهالي السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المختفين قسريًا، ووثقت في تحقيقها المنشور في 28 فبراير/شباط 2024، بعنوان "ادفع واخرجلك إبنك".. عصابات للنصب على أهالي المساجين"، وبودكاست من إنتاج المنصة بعنوان "أهالي السجناء في فخ النصابين"، شهادات للأهالي تفيد بتعرضهم للنصب والاحتيال من أشخاص ينتحلون صفات أمنية ويزعمون قدرتهم على إدراج ذويهم المحبوسين في قضايا سياسية ضمن قوائم الإفراج بالعفو الرئاسي، أو إخلاء سبيلهم من الحبس الاحتياطي، مقابل تلقي مبالغ مالية كبيرة.

وفي تحقيقها وثقت المنصة شهادة والد مهندس الاتصالات الشاب محمود عصام، المختفي قسريًا منذ السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017، والذي كشف خلالها عن تعرضه للنصب والاحتيال في عام 2020 من منتحل صفة أمنية، تواصل معه زاعمًا أن ابنه  في سجن بمركز يوسف الصديق بالفيوم، وحصل منه على مبلغ 20 ألف جنيه بحجة سداد كفالة لإخلاء سبيل محمود، غير أن الابن لم يظهر واستمر المحتال في مطالبته بآلاف الجنيهات بذرائع مختلفة، مستغلًا يأس الأب ولهفته للقاء ابنه، ليكشف في النهاية أن المتصل كاذب وأنه وقع فريسة لأحد النصابين.

كما كشفت شهادة السيدة راندا الطناحي، المقيمة في المحلة، عن تعرضها للاحتيال في يوليو/تموز 2022، بعد كتابتها تعليقًا على صفحة محامٍ حقوقي على فيسبوك، وراسلها منتحل صفة دبلوماسي، زاعمًا صلاته بمسؤولين أمنيين قادرين على إخلاء سبيل ابنها الأكبر بلال، المحبوس احتياطيًا منذ 2021، والمتهم بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها، في القضية رقم 620 لسنة 2021، والمحتجز في سجن العاشر من رمضان.

في محافظة المنيا، وثقت المنصة تعرض محمد حسن حماد، ابن قرية دلجا بمركز دير مواس، وأخوته، لمحاولات شبيهة من منتحلي صفات أمنية، زعموا قدرتهم على وضع اسم أبيهم المزارع صاحب الأعوام الثمانية والستين، المحكوم بـ17 عامًا في سجن المنيا شديد الحراسة، بتهمة "اقتحام كمين ونقطة شرطة"، على ذمة قضية عنف دلجا، التي وقعت في 2013، عقب أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، ضمن قوائم العفو الرئاسي، نظير مبالغ مالية كبيرة.

وبالمثل كشف الشاب محمد مؤمن، ابن محافظة بني سويف التي تقع في بداية خط الصعيد لـ المنصة عن اتصال تليفوني من شخص يزعم أنه "الرائد مجدي"، وطالبه بدفع 10 آلاف جنيه نظير إخراج أبيه المسن من السجن، والذي كان وقتئذٍ لا يزال محبوسًا احتياطيًا، منذ سبتمبر/أيلول 2022، في القضية رقم 2216 حصر أمن دولة عليا، بتهمة "نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي".

وسبق أن حذر المحامي الحقوقي خالد المصري على فيسبوك في أغسطس/آب 2023، من شخص يدّعي أنه ضابط في مصلحة السجون، واسمه الرائد مجدي، يتواصل مع العشرات من أهالي المعتقلين هاتفيًا، على مدار أكثر من عام كامل، وحصّل مبالغ طائلة منهم، بدعوى تحريك ملفات أبنائهم في مصلحة السجون للإفراج عنهم.

وكشف خالد المصري لـ المنصة أنه "على مدار السنوات العشر الأخيرة كثرت حالات النصب والاحتيال على أهالي المعتقلين السياسيين في مصر، من أشخاص ينتحلون صفات أمنية ويزعمون قدرتهم على إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا أو وضع أسماء المحكوم عليهم منهم في قوائم العفو الرئاسي، نظير دفع مبالغ مالية تتراوح من 10 إلى 15 ألف جنيه"، مشيرًا لوجود ضحية تعرضت للاحتيال من شخص معروف بالمنصورة، تقاضى منها مبلغ مليون جنيه وأوهمها بقدرته على إخراج  أخيها من السجن.

وفي تعليقه على بيان وزارة الداخلية، أكد المحامي الحقوقي طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي ومدير مركز دعم دولة القانون، لـ المنصة أن أعداد هؤلاء المحتالين كبيرة، وأنه يتلقى العديد من الرسائل والتسجيلات الصوتية التي يرسلها له الأهالي وتظهر محادثات هؤلاء المجرمين التي قاموا خلالها باستدراجهم لإرسال تحويلات مالية لهم بذريعة قدرتهم على إدراج أسماء أبنائهم في قوائم العفو الرئاسي، وأن بعضهم يصر على تحويل المبالغ المالية والخضوع لرغبة المحتالين رغم تحذيره لهم، حتى لو كلفهم الأمر بيع مقتنيات لهم، لأنهم كالغريق الذي يتعلق بقشة.

وأضاف أن السبب الرئيسي لتأخر الإجراء الأمني الذي اتخذه وزارة الداخلية يرجع إلى أن الضحايا كانوا يرفضون التقدم ببلاغات رسمية خوفًا من تعرضهم للمساءلة القانونية، لكونهم قاموا برشوة أشخاص بذريعة تسهيل خروج ذويهم من السجون.

ويكشف العوضي عن توقف صدور قوائم العفو الرئاسي عن السجناء السياسيين منذ خروج الناشط السياسي أحمد دومة من محبسه، وأن لجنة العفو الرئاسي لم تعد تتلق أي رد على طلباتها، ولا تعلم مصيرها وهل لا تزال قائمة أم لا؟ وما هو سبب توقف الإفراجات؟ رغم أن السلطة تتحدث عن استمرار العمل على حل أزمة سجناء الرأي.

وسبق أن تشكلت لجنة العفو الرئاسي كأحد توصيات المؤتمر الوطني للشباب، وأعيد تفعيلها بناءً على توصية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إفطار الأسرة المصرية لعام 2022، وتقوم على أساس استخدام صلاحيات دستورية لدى رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بالعفو عن الشباب المحبوسين في قضايا سياسية، وتوسيع نطاق عملها لتضم الغارمين والغارمات.

من جهته، وصف القيادي العمالي كمال أبو عيطة، عضو لجنة العفو الرئاسي ووزير القوى العاملة الأسبق، في تصريح لـ المنصة الأشخاص الذين يقومون بالنصب والاحتيال على أسر السجناء السياسيين بأنهم أسوأ من لصوص المقابر "إذ يستغلون حالة الذعر واليأس التي يعاني منها الأهالي الراغبون في تحرير ذويهم من الحبس الاحتياطي، ويدعون في سبيل ذلك انتماءهم لمؤسسات سيادية وينتحلون صفات أمنية، وأن اللصوص والنصابين يختفون دومًا خلف الأزمات ليبيعوا الوهم للناس".

وأوضح أن هناك عدة حالات من أسر المعتقلين تواصلت معه ليخبروه بتلقيهم اتصالات هاتفية من أشخاص يزعمون قدرتهم على إدراج أسماء المسجونين في قوائم العفو الرئاسي مقابل مبالغ مالية، وأنه حذرهم من التعامل معهم.

ويوضح أبو عيطة أن جهود لجنة العفو الرئاسي كانت أثمرت عن إخلاء سبيل 1600 مسجون سياسي، إلا أنها توقفت عن العمل، ولا يمر عليه يوم دون تلقي استغاثات ومناشدات من أهالي المسجونين في الأوساط النقابية والسياسية، وبدوره يقوم بإرسال خطابات عبر القنوات الرسمية بين لجنة العفو والمسؤولين، دون أن يتلقى ردًا.

ونصت قرارات العفو الرئاسي الصادرة في عامي 2024 و2025، عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، على العفو عن سجناء محكوم عليهم في قضايا جنائية، بينما يطالب أهالي السجناء السياسين وحقوقيون وسياسيون بأن تشمل قرارات العفو سجناء الرأي والقضايا السياسية، استجابة للتوصيات الصادرة عن الحوار الوطني.